أي وحٍش ينقّض على متٍع مؤّقتة؟
أمـــــر مـــا غــيــر حـــاصـــل فـــي بـــلـــد غــيــر واضـــح مصيره. هذا متِعب للغاية. فعيش اليومي من دون تفكير بالتالي عليه مفيد في حياة سوية، لكنه يثير متاعب في النفس والروح، وربما الجسد أيضًا، عندما تتعطل األمور الحياتية كلها، ويتفشى خـــراب، والفضاء مفتوح لعدو غير آبه بشيء. املهنة متطلبة، وهذا معروف ومكرر، وغير مزعج البتة. كتابة وتحرير مقاالت وأخبار، واختيار صور لهذا كله، عادي ولذيذ. لكن هذا كله يعاني قلقًا، فجدار الصوت يزلزل مــديــنــة مـعـطـوبــة أصـــــا، ووحــشــيــة الــعــدو مـعـروفـة، مــع أن الــعــدو نفسه يـتـفـوق على ذاتــــه فــي الـقـتـل والــتــدمــيــر، بــل فــي اإلبــــادة. انتظار موٍت أمٌر بديهي، فاملوت قدٌر ال مفّر منه. مع هذا، لن يحول االنتظار دون عيش واخـــتـــراع فــــرح ومــتــع، إن يـكـن الـبـلـد آمـنـًا، والحياة فيه عادية. اإلبــــــادة فـــي غــــزة طــاغــيــة، وعــــدم املــشــاهــدة الـيـومـيـة غـيـر مـانـعـة مـتـابـعـة عـبـر وسـائـل أخــرى. اختيار فيلم أو مسألة سينمائيني لكتابٍة، تسعى إلى تحليٍل ونقاش مع الذات أوال حولهما، يصاب غالبًا بمحيط غـارق فـي الـــدم والـغـبـار، أو فـي المــبــاالة جماعية خانقة إزاء مــا يـجـري فــي املـحـيـط، بــل إزاء الــخــراب املعتمل فــي الـبـلـد. أي فيلم يمكن أن يمتع أحــد، واالنهيار يضيق مساحات العيش؟ أي مسألة يذهب الناقد فيها إلى أعــمــق وأبــعــد مــا فـيـهـا، إن يـشـتـد الـخـنـاق، والتنفس يهلك جسدًا وروحًا، مع أنه معني بإنعاشهما؟ ثــــم يـــعـــلـــن نـــبـــأ وفــــــاة عـــامـــل أو عـــامـــلـــة فـي الــســيــنــمــا، هــنــا وهـــنـــاك، فــتــصــبــح الـكـتـابـة واجـبـًا أكـثـر مـن أي شـــيء آخـــر. كيف يكتب في رحيل، واملوت يومي إلى حد أن كثيرين وكثيرات غير مكترثني وغير منتبهني؟ ما
إنّها عتمة نفوس وأرواح قاتمة ال عتمة صاالت محببة
معنى كتابة ترثي أو تـودع، واملـوت ناشط في أمكنة ومناخات وعاقات؟ كيف تناقش ســـيـــرة راحــــــل ـ راحـــــلـــــة، فــــي مــهــنــة وحـــيـــاة وأفــــعــــال، ومــــا يــحــيــط بــمــن يــفــتــرض بـــه أن يناقش مصاب بأمراض غير قابلة لشفاء؟ مـن يقرأ هــذا كله أصـــا؟ وملـــاذا يـقـرأه؟ وما الفائدة من كتابته وقـراءتـه؟ أي فــراغ هذا؟ أي وحش ينقض على من يعلن فرحًا، ولو مـؤقـتـًا، بفيلم ساحر رغــم قسوة مـا يرويه ويـصـفـه ويـعـايـنـه؟ أي تـنـني يـخـرج مــن كـل الـجـهـات، فتتحول متعة بسيطة إلــى قهر وانكفاء؟ هــذا ليس تنظيرًا أو تباهيًا بكتابة تريد أن تــــكــــون ســـيـــنـــمـــائـــيـــة، فـــتـــنـــشـــق الـــســـمـــاء عــن أصـــــوات تــقــول إن كـــل شــــيء مــنــتــه، وال خـــاص مــن جحيم بــلــٍد ومــحــيــٍط. محاولة لـــجـــوء إلـــى فـيـسـبـوك مـــثـــا، البــتــعــاد قليل عــــن كـــتـــابـــة وقــــلــــق، تـــحـــبـــط، فـــاملـــكـــتـــوب فـي فيسبوك أســوأ بكثير، غالبًا، من الحاصل فــي بــلــد ومــحــيــط. ســخــريــة غـيـر مـضـحـكـة، أحــيــانــًا كــثــيــرة، وشــتــائــم تـــتـــاءم وســلــوك واقعي. حجة األولى عجز عن فعل مفيد في الواقع، والسخرية ماذ، أيًا يكن شكلها أو مضمونها. ال حجة للثانية، ألنها منبثقة من تربية وثقافة تبلغان حدًا ال يحتمل من البؤس. أمــــا الــصــالــة، فعتمتها غـيـر مـتـائـمـة أبــدًا مع معنى الطقس السينمائي، ألنها عتمة نــفــوس وأرواح قــاتــمــة. االنــــــزواء فــي مـنـزل
ٍْ راحـــــة مــقــبــولــة. لــكــن الـــوحـــدة خــانــقــة، وإن
َّّ يكن هـنـاك كــتــاب يــقــرأ، أو مجلة تتصفح، أو فيلم يشاهد، أو شاشة صغيرة تسلي، إن يبتعد املنزوي في منزله عن أخبار. أما الـــحـــانـــات، فـمـلـيـئـة بــتــوتــرات وانــشــقــاقــات،
ٌٌ مـع أن الضحكات عالية إلــى ّّ حــدالتصنع، واملتعة الحقيقية نـادرة. أما األزقـة القليلة، ففارغة، مع أن زحمة تضج بها تلك األزقة، نهارًا أكثر منه ليا، من دون نفع. مؤكد أن في زاوية ما خاص ما. أن كتابًا أو مجلة أو فيلمًا أو شاشة صغيرة أو حانة مـلـجـأ مـــا. الـــخـــوف كـــل الـــخـــوف أن ينقض الوحش رفقة التنني على تلك الــزاويــة، في وقت ما.