Al Araby Al Jadeed

«ويكيبيديا» وحرب التحرير: ما يحدث في غزّة إبادة جماعية

- عمار فراس

لطاملا كـانـت صفحات ويكيبيديا الخاصة بــــالـــ­ـنــــضـــ­ـال الـــفـــل­ـــســـطــ­ـيـــنـــي ضــــــد االحـــــت­ـــــال اإلسرائيلي ساحة معركة شرسة، سـواء في ما يخص التسميات أو الدقة التاريخية، أو بعض األحـــداث املفصلية، لتشهد صفحات ويـــكـــي­ـــبـــيــ­ـديـــا، حـــســـب املـــصـــ­طـــلـــح املـــــتـ­ــــداول، «حـــــرب الـــتـــح­ـــريـــر» أي ‪.Editing War‬ حــرب تــــدور حـــول ســـرديـــ­ة «الــــصـــ­ـراع»، ومـــن يملك الحق بالتسمية. آخر ساحات هذه «الحرب» هـي صفحة ويكيبيديا الـخـاصـة بـــ«اإلبــادة الجماعية في غـزة» باللغة اإلنكليزية، التي اتفق محررو «ويكيبيديا» على أنها لم تعد «اتهامات بارتكاب إبادة جماعية»، بل إبادة مــع حـــذف كـلـمـة اتــهــامـ­ـات، عـلـمـا أن محكمة الــعــدل الــدولــي­ــة لــم تــقــرر وجــــود إبــــادة بعد، لـكـن يـبـدو أن بـشـاعـة ماكينة قـتـل االحـتـال اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـي، وعــــدد الــضــحــ­ايــا الــــذي يـــزداد يوميا، لم يعد يحتمل النقاش. اعــتــمــ­د مـــن صـــوتـــو­ا لــصــالــ­ح كــلــمــة «إبــــــاد­ة» عـــلـــى «اإلجــــــ­مــــــاع األكـــــا­ديـــــمــ­ـــي» و«دراســــــ­ــــات الــهــولـ­ـوكــوســت»، حـسـب «املـجـلـة الـيـهـودي­ـة» الــتــي الحــقــت املـــوضــ­ـوع، فـــي حـــن أن بعض املـنـتـقـ­ديـن رأوا أن هــــذا اإلجـــمــ­ـاع نـفـسـه في األكــــاد­يــــمــــ­يــــة مـــشـــبـ­ــوه، كـــونـــن­ـــا اآلن نـــواجـــ­ه «تحويل األكاديميا­ت إلى مساحة للسردية الفلسطينية»، فضا عن «تحيز األكاديميا­ت ضــــد إســــرائـ­ـــيــــل»، واعــــتــ­ــمــــاد «ويــكــيــ­بــيــديــ­ا» معايير مزدوجة في وصف الصراع. هــــذا الــتــصــ­ويــت ومــــا نــتــج عــنــه مـــن اعــتــمــ­اد كلمة «إبادة جماعية» ذو قيمة رمزية؛ إذ لم يساهم في إيقاف القتل، ولم يلعب دورًا في إدخـــال املـسـاعـد­ات إلــى قطاع غــزة املحاصر، لكنه يكشف طبقات املعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني ضد االحتال وسرديته، تـلـك الــتــي وصــلــت بـاتـهـام األكــاديـ­ـمــيــا بعدم الــحــيــ­اد، بــل وتـبـنـي الــســردي­ــة الفلسطينية، وكـــــأن فـــي ذلــــك تــهــمــة. تـــحـــوي املـــقـــ­الـــة أكــثــر مــن 500 عـامـة مرجعية، وعــشــرات املـقـاالت األكــاديـ­ـمــيــة، لـكـن يـبـدو أن «كـلـهـا» مـنـحـازة. وهنا بالضبط تتضح بروباغندا االحتال اإلسرائيلي؛ فكل ما ال يطابق ادعاءاتها، إما «معاد للسامية» أو منحاز. هـــــــذه االتـــــه­ـــــامـــ­ــات بـــالـــض­ـــبـــط تـــعـــيـ­ــدنـــا إلــــى اســتــرات­ــيــجــيـ­ـة إســـرائــ­ـيـــل الــدفــاع­ــيــة الـقـائـمـ­ة على الـــــــg­nithgilsaG، أي ليس فقط التشكيك باملعلومات والوقائع، بل اتهام من يتبناها بأنه معطوب عقليا وغير قادر على اإلدراك. ويـــبـــد­و أن هــــذا االتـــهــ­ـام يـشـمـل األكــاديـ­ـمــيــا، و«ويــكــيــ­بــيــديــ­ا»، ومـحـكـمـة الـــعـــد­ل الــدولــي­ــة، واألطـــــ­فـــــال الــــذيــ­ــن شــــهــــ­دوا مـــــوت أهـــلـــه­ـــم فـي قـطـاع غـــزة. ال أحــد يفهم إال إسـرائـيـل، وهـذا ما أصبح مكشوفا وواضـحـا، خصوصا في االحـتـجـا­جـات الـتـي انـتـشـرت فـي الجامعات األميركية، فسياسة التكذيب لم تعد مجدية. ال يمكن إنكار اإلشكاليات التي تحيط بلفظ

التهجم اإلسرائيلي على المقالة يندرج تحت إبادة الذاكرة

إبــــــاد­ة جـــمـــاع­ـــيـــة، خــصــوصــ­ا أنـــهـــا «جــريــمــ­ة الـجـرائـم» وأشــدهــا فـداحـة فـي الـتـاريـخ، لكن ضـــرورة ترسيخ هــذه اللفظ والبرهنة عليه بصورة واعية بعيدة عن العواطف جزء من املــقــاو­مــة املــســتـ­ـمــرة، خـصـوصـا أمــــام سطوة االحتال اإلسرائيلي في عالم التكنولوجي­ا والـــتـــ­حـــيـــز الــــواضـ­ـــح فــــي وســــائــ­ــل الـــتـــو­اصـــل االجــــتـ­ـــمــــاع­ــــي ومــــنـــ­ـصــــات الـــنـــش­ـــر لـــلـــسـ­ــرديـــة اإلســرائـ­ـيــلــيــ­ة، وحــجــب الـكـثـيـر مـــن الـكـلـمـا­ت واملنشورات. لكن ما يخلق نوعا من األمل، أن هذه الصفحة، إن بقيت على حالها، ستبقى وثيقة للتاريخ، وتتربع على رأس صفحات مــحــركــ­ات الـبـحـث عــن الــحــديـ­ـث عــن الـجـرائـم اإلسـرائـي­ـلـيـة بـحـق الـشـعـب الفلسطيني في قطاع غزة، وسائر الباد املحتلة. الــــافــ­ــت فــــي املــــقــ­ــال املـــنـــ­شـــور أنـــــه يــمــيــز بـن أنـــــواع اإلبــــــ­ادة الــجــمــ­اعــيــة، وبــــن الـضـحـايـ­ا املباشرين (الذين قتلهم القصف اإلسرائيلي) والـــضـــ­حـــايـــا غـــيـــر املـــبـــ­اشـــريـــ­ن (كـــالـــج­ـــرحـــى واملـــصــ­ـابـــن بــــاألمـ­ـــراض إثــــر الـــحـــص­ـــار ومــن قـــتـــل نــتــيــج­ــة املـــجـــ­اعـــة ونـــقـــص املـــســـ­اعـــدات واملـــعــ­ـدات والــعــقـ­ـاقــيــر الــطــبــ­يــة) وغــيــرهـ­ـا من الـحـيـثـي­ـات الــخــاصـ­ـة بـالـجـريـ­مـة وتـعـريـفـ­هـا القانوني، أي نحن لسنا أمام جهد اعتباطي قـــائـــم عــلــى الـــعـــو­اطـــف، بـــل عــمــل يـسـعـى إلــى الـدقـة واإلحــاطـ­ـة بجوانب اإلبـــادة الجماعية واسـتـمـرا­رهـا فـي الـزمـن. ومـحـاربـة إسرائيل هذه املقالة بالذات تندرج تحت إبادة الذاكرة، وحرمان الغزين من سرد حكايتهم للتاريخ. وهذا ما فعله االحتال فعا في حرب اإلبادة التي يشنها ضد الشعب الفلسطيني؛ إذ عمد على قصف وتخريب وتدمير كل ما يتعلق بذاكرة الغزين.

 ?? (عبد الرحيم الخطيب / األناضول) ?? في رفح، 21 يونيو 2024
(عبد الرحيم الخطيب / األناضول) في رفح، 21 يونيو 2024

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar