Al Araby Al Jadeed

تركيا البراغماتي­ة في الساحل األفريقي

- محمد طيفوري

حل منتصف الشهر املاضي (يوليو/ تموز) وفـــــد تـــركـــي رفـــيـــع املـــســـ­تـــوى بـــقـــيـ­ــادة وزيــــر الـخـارجـي­ـة، هــاكــان فــيــدان، فــي منطقة غرب أفــريــقـ­ـيــا، وتــحــديـ­ـدا فـــي الــنــيــ­جــر، فـــي زيـــارة رسمية، كشفت عن منظور تركيا إلى القاّرة األفـريـقـ­يـة باعتبارها سـاحـة استراتيجية، يــعــبــد الـتـمـوقـ­ع الـجـيـد فـيـهـا الــطــريـ­ـق نحو الـريـادة عامليا. كما اكتنفت الـزيـارة رسائل عـــديـــد­ة بـعـضـهـا مــوجــه لــلــداخـ­ـل واألكــثــ­ريــة نــحــو الــــخـــ­ـارج؛ إقـلـيـمـي­ـا ودولــــيـ­ـــا، مـــا يـؤكـد تصميم أنــقــرة عـلـى إيــجــاد مــوطــئ قـــدم في غرب القارة، بهدوء ورويــة هناك، على غرار مـا حــدث فـي الـشـرق األفـريـقـ­ي، حتى غنمت قاعدة عسكرية في الصومال عام .2017 فـي توقيت الــزيــار­ة وطبيعة الـوفـد املشارك فيها أكـثـر مــن مــؤشــر عــن نـوعـيـة الحضور الـــتـــر­كـــي فــــي اإلقــــلـ­ـــيــــم، فـــزمـــن­ـــيـــا تــــأتـــ­ـي بـعـد أســـــبــ­ـــوع فــــقــــ­ط مـــــن اإلعــــــ­ــــان عـــــن تـــأســـي­ـــس اتـحـاد «كونفدرالية دول الساحل» مـن ِقبل مــالــي والــنــيـ­ـجــر وبــوركــي­ــنــافــا­ســو؛ الـثـاثـي املنسحب، مطلع الـعـام الــجــاري، مـن تجمع دول اإليـــكــ­ـواس. مــا يـعـنـي تــوزيــعـ­ـا لــــألدوا­ر بناء على اصطفافات جديدة، تعيد صياغة توازنات القوة الدولية واإلقليمية باملنطقة. أما من حيث التركيبة، فممثل الدبلوماسي­ة التركية كان مرفوقا بوزيري الدفاع والطاقة ونـــائـــ­ب وزيـــــر الـــتـــج­ـــارة، إضـــافـــ­ة إلــــى مـديـر املـــخـــ­ابـــرات الــوطــنـ­ـيــة ورئـــيـــ­س الــصــنــ­اعــات الدفاعية، ما يعطي صورة عامة عن املداخل الـــحـــي­ـــويـــة الـــتـــي تــعــتــم­ــدهــا تـــركـــي­ـــا لـتـعـزيـز نـفـوذهـا فــي النيجر، وفــي الــغــرب األفريقي بوجه عام. تــنــظــر تــركــيــ­ا إلــــى الــنــيــ­جــر الـــبـــو­ابـــة املـثـلـى لولوج غرب أفريقيا، فموقعها االستراتيج­ي ومـسـاحـتـ­هـا الــشــاسـ­ـعــة، بـمـا هــي أكــبــر دول الساحل مساحة، يؤهلها لتكون حلقة وصل بني الشمال األفريقي ودول أفريقيا جنوب الصحراء، سيما وأنها تشترك مع سبع دول

في الـحـدود، بما في ذلـك ليبيا التي تمتلك فـيـهـا مـصـالـح كــثــيــر­ة. رهــــان عـــززتـــ­ه وتـيـرة الــتــقــ­ارب الـدبـلـوم­ـاسـي بــني أنــقــرة ونـيـامـي، منذ افتتاح السفارة التركية في عام ،2013 بـالـتـوقـ­يـع عـلـى حــوالــي 30 اتـفـاقـيـ­ة شـراكـة وتــــعـــ­ـاون. وبـــلـــغ ذروتــــــ­ه مـــع تـــولـــي املـجـلـس العسكري، في يوليو/ تموز ،2023 السلطة في البلد، حيث كانت تركيا في خانة الدول املـــعـــ­ارضـــة لــتــلــو­يــح «إيـــــكــ­ـــواس» بــالــتــ­دخــل العسكري في النيجر، لتصبح بذلك حليفا موثوقا به بالنسبة للحكام الجدد في البلد. طموح تزكيه معطيات عديدة تجعل تركيا فـــي ســبــاق مـــع الـــزمـــ­ن لـتـثـبـيـ­ت قـدمـيـهـا في الغرب األفريقي، بــدءًا بالفراغ الــذي تشهده الــبــاد بسبب التغير الـحـاصـل فــي خريطة الــفــاعـ­ـلــيــني الـــدولــ­ـيـــني؛ مـــغـــاد­رة الـتـقـلـي­ـديـني (بــــــاري­ــــــس وواشــــــ­نــــــطــ­ــــن)، ودخـــــــ­ـــول الــــجـــ­ـدد (مـــوســـك­ـــو وبـــــكــ­ـــني)، مــــا يــحــتــم عـــلـــى أنـــقـــر­ة اغــتــنــ­ام الــفــرصـ­ـة بـتـأكـيـد حــضــورهـ­ـا هــنــاك. وقــــد ســبــق لــلــرئــ­يــس الـــفـــر­نـــســـي، إيــمــانـ­ـويــل ماكرون، أن اتهم تركيا، عانية، باالستفادة من «الغضب ما بعد االستعماري» لتقويض العاقات الفرنسية في غرب أفريقيا. ناهيك عن االستفادة من الثروات الطبيعية واملوارد املعدنية الهائلة، هكذا يمنح الحضور املبكر أنقرة حصتها من «الكعك األصفر»، ويقصد بـه مركز اليورانيوم املستعمل فـي تصنيع الـــوقـــ­ود الــــنـــ­ـووي، قــبــل ســقــوطــ­هــا فـــي أيـــدي فاعلني آخــريــن، فالنيجر سـابـع أكـبـر منتج لـــلـــيـ­ــورانـــي­ـــوم فـــي الـــعـــا­لـــم، ومــنــتــ­ج أســاســي لـلـذهـب بـــصـــاد­رات بـلـغـت 2,7 مـلـيـار دوالر عام .2021 إضافة إلى امتاكها احتياطيات مـــهـــمـ­ــة مــــن الـــحـــد­يـــد والــــفــ­ــوســــفـ­ـــات والــــغــ­ــاز الطبيعي. قـــطـــاع الــــدفــ­ــاع الــــــذي يــمــثــل الــــقـــ­ـوة الـــدافــ­ـعـــة لـلـسـيـاس­ـة الــخــارج­ــيــة الــتــركـ­ـيــة فـــي الــبــلــ­دان األفريقية حاضر بقوة أيـضـا، فتركيا رابـع أكبر مـــورد لألسلحة فـي أفريقيا بمبيعات قدرت، عام ،2023 بنحو 328 مليون دوالر. ما يجعل من التحدي األمني (الجرائم املنظمة، التنظيمات املسلحة...) سببا يعزز االندفاع نحو النيجر، حيث البيئة خصبة لصفقات األســـلــ­ـحـــة وتـــــروي­ـــــج الـــصـــن­ـــاعـــة الــعــســ­كــريــة التركية. حقيقة كشفها رئيس الـوزراء، علي األمــــني زيــــن، فـــي ثـنـايـا حـديـثـه مـــع األتـــــر­اك، بــقــولــ­ه: «الـــتـــح­ـــدي األمـــنــ­ـي املـــفـــ­روض علينا يتطلب أن تكون لدينا كل الوسائل الازمة لـضـمـان دفــاعــنـ­ـا، ونـعـلـم أنـكـم قــــادرون على ضـمـان ذلــــك... وهــنــاك أثـــر طـيـب فــي النيجر صنعته تركيا». تــــعــــ­اون دفــــاعــ­ــي تــــؤطـــ­ـره اتـــفـــا­قـــيـــة الـــتـــع­ـــاون العسكري لعام ،2020 ترجح أوساط إعامية مـحـلـيـة أن يــمــتــد نــحــو مــنــح أنـــقـــر­ة تشييد قاعدة عسكرية في منطقة أغاديس، الغنية بــالــيــ­ورانــيــو­م فــي الــشــمــ­ال، عـلـى تــمــاس مع املـــنـــ­اطـــق الــســاخـ­ـنــة فـــي الــــجـــ­ـوار اإلقــلــي­ــمــي، حـيـث تكثر هـجـمـات املـتـمـرد­يـن والـحـركـا­ت املــســلـ­ـحــة. تـــوقـــع تـــؤكـــد­ه مــســاعــ­ي الــشــركـ­ـات الــتــركـ­ـيــة لــلــدخــ­ول بــديــا عـــن شــركــة الـطـاقـة الـــنـــو­ويـــة الـفـرنـسـ­يـة «أورانـــــ­ـــو»، الــتــي أنـهـت الــحــكــ­ومــة الــعــســ­كــريـة تــرخــيــ­ص عـمـلـهـا في سوق اليورانيوم في البلد. يعبد الوجود التركي في النيجر الطريق أمام التمدد نحو بقية األعضاء في الكونفدرال­ية (مالي وبوركينافا­سو)، بدعم هذا التحالف الثاثي بما يرسخ شرعيته في املنطقة. وقد يدفعها نحو توسيع صادراتها من األسلحة (كـمـيـا ونــوعــيـ­ـا)، بـتـعـزيـز قــــدرات التحالف بـــالـــس­ـــاح الــــتـــ­ـركــــي، ملـــواجــ­ـهـــة الــتــنــ­ظــيــمــا­ت املــتــطـ­ـرفــة الــتــي تــهــدد أمـــن منطقة الـسـاحـل واستقرارها، على اعتبار الصناعة الدفاعية حاضرة هناك، فاملسيرات التركية (بيرقدار )TB2 صـــارت قطعا أسـاسـيـة فـي الجيشني املالي البوركيناب­ي. وقد سبق لقائد املجلس العسكري، النقيب إبراهيم تـــراوري، أن أكد دعم األتراك بلده، بقوله «إن الدول األوروبية منعتنا من شراء الساح، لكن تركيا وروسيا فتحتا أمامنا كل األبواب». بـــعـــيـ­ــدا عـــــن الـــنـــي­ـــجـــر وعــــــن الـــكـــو­نـــفـــدر­الـــيـــة الوليدة، زار الوفد التركي توغو؛ ذات املنفذ الــــبـــ­ـحــــري لــلــمــح­ــيــط األطــــلـ­ـــســــي واملــــحـ­ـــاذيــــ­ة مــع لـبـوركـيـ­نـافـاسـو، الـعـضـو فــي التحالف الثاثي، وفي األجندة تقديم الدعم والخبرة العسكريني للجيش التوغولي، واتخاذ مزيد مـــن اإلجــــــ­ــراء ات، بــهــدف الـــرفـــ­ع مـــن مـسـتـوى العاقات االقتصادية بـني البلدين، إضافة إلــــى تـــدابـــ­يـــر تـــعـــزز حـــضـــور الــدبــلـ­ـومــاســي­ــة الثقافية والعلمية في البلد؛ بافتتاح مركز لـــلـــدر­اســـات واألبـــحـ­ــاث الــتــركـ­ـيــة فـــي جامعة لــومــي، وتـدعـيـم األنـشـطـة التنموية لوكالة «تيكا» التركية. تبقى الــزيــار­ة عــاديــة إلــى أبـعـد الــحــدود في ظـاهـر األمـــر، فافتتاح الـسـفـارة التركية في لومي حديث؛ إبريل/ نسيان ،2021 وما تاه من زيارة للرئيس طيب رجب أردوغان البلد، يـفـرضـان على أنـقـرة اليقظة لـدعـم التقارب بني البلدين. وفي التفاصيل، يعود اختيار تـركـيـا تـوغـو تـحـديـدا إلـــى أنـهـا بــوابــة نحو األطلسي غربا، القارة في مقابل بوابة ليبيا على املـتـوسـط شـرقـا. كما أنــه يـأتـي تفاعا مــع بحث لـومـي عــن شــركــاء جــدد بــديــا عن االتــــحـ­ـــاد األوروبـــ­ــــــي، الـــــذي عــلــقــت الــتــعــ­اون األمني معه، بعدما راودتها شكوكها بشأن بـرامـج االتــحــا­د الـدفـاعـي­ـة؛ سيما مـا يتعلق بمكافحة اإلرهــــا­ب، مـا دفعها إلــى االمتناع عــن قــبــول ملحقني عـسـكـريـن­ي ومـدنـيـني في البلد، تنفيذًا ملـبـادرة التكتل املـوحـد لألمن والدفاع لدعم دول غرب أفريقيا املطلة على خليج غينيا. يـكـتـشـف املـتـتـبـ­ع لـسـيـاسـة تــركــيــ­ا فـــي غــرب أفريقيا أنها تقوم على دعامتني أساسيتني: البراغماتي­ة واالنتهازي­ة؛ األولى تجاه الدول األفريقية، بالتعاطي املباشر مـع متطلبات هذه البلدان وحاجياتها، بمنطق عملياتي، بــخــاف الـــوضـــ­ع فـــي الــصــومـ­ـال مــثــا، حيث تسعى إلــى نشر اللغة والثقافة التركيتني. والثانية حيال الدول الغربية، باستغال أي عثرة أو هفوة لهم في املنطقة للتموضع بدال عنهم.

يكتشف المتتبع لسياسة تركيا في غرب أفريقيا أنها تقوم على دعامتين أساسيتين: البراغماتي­ة واالنتهازي­ة

تنظر تركيا إلى النيجر البوابة المثلى لولوج غرب أفريقيا، فموقعها االستراتيج­ي ومساحتها الشاسعة، بصفتها أكبر دول الساحل مساحة، يؤهلها لتكون حلقة وصل بين الشمال األفريقي ودول أفريقيا جنوب الصحراء

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar