بيير سالمة
عندما تقرأ له أو تستمع إليه تتحول قضايا االقتصاد المعقدة إلى ما يشبه القصة التي يرويها قاص متمكن من خيوط الحكاية، فقد تخصص الفرنسي من أصول عربية بيير سالمة، في الدفاع عن اقتصادات أفريقيا وأميركا الالتينية التي خضعت لالستنزاف لعقود
تــدفــع وفــــاة االقــتــصــادي الـفـرنـسـي مــن أصــــول عربية بـيـيـر ســامــة، إلـــى اسـتـحـضـار تــيــار اقــتــصــادي حـول الــعــالــم، سـعـى إلـــى تـخـلـيـص دول الــعــالــم الــثــالــث من وصـمـة «الـتـخـلـف» الـتـي ال تـــزال تاحقها مـنـذ عقود طويلة بغض النظر عن املسميات التي يجري إطاقها بـشـان تحوالتها االقـتـصـاديـة. فلم يكن ينطلي على االقــتــصــادي الـشـهـيـر وصـــف هـــذه الــبــلــدان بـالـنـامـيـة، وهو تصنيف كان يراه سياسيًا بهدف التغطية على وضعية التخلف التي تعاني منها بلدان لم تستطع الصعود حتى اآلن. كان سامة، الذي توفي في التاسع من أغسطس/ آب الجاري، اقتصاديًا ماركسيًا ومديرًا سابقا ملجلة ناطقة باللغة الفرنسية هي Tiers Monde (العالم الثالث) الشهيرة، حيث تخصص في اقتصاد املـــــخـــــدرات والـــعـــنـــف وقـــضـــايـــا الــتــخــلــف فــــي الــعــديــد مــن مـنـاطـق الـعـالـم، رغـــم انـشـغـالـه أكـثـر بـــدول أميركا الاتينية. عندما تقرأ له أو تستمع لبيير سامة الذي رأى النور فــي اإلسـكـنـدريـة فــي الــحــادي عشر مــن أغـسـطـس/ آب ،1942 تتحول قضايا االقتصاد املعقدة إلى ما يشبه القصة التي يرويها قاص متمكن من خيوط الحكاية. يــصــنــف ضــمــن الــرافــضــني لـإمـبـريـالـيـة واملـنـاهـضـني للعوملة بسبب الـفـوارق التي تتسبب فيها بني الـدول وداخل املجتمعات. لم تكن اآلراء التي تصدر عنه مبنية على بناء نظري صارم ال يقبل استحضار الواقع. فقد ساهم سامة في تكوين أجيال من الطلبة والباحثني منحدرين حتى من بلدان عربية، الذين تسلحوا معه بأدوات معرفية ال تقتصر على النظريات االقتصادية، بل معززة باألبعاد التاريخية والسياسية، عند تناول الظواهر االقتصادية. انحيازه لدول العالم الثالث في أفريقيا وآسيا وأميركا الاتينية واالنشغال بتحررها االقتصادي، تجلى لديه منذ شبابه، حيث ناضل ضد الــحــروب فــي الـجـزائـر وفـيـتـنـام. يـــرى متابعو سيرته أن لقاءه بالوزير البرازيلي األسبق سيلسو فورتادو املنفي فـي بـاريـس، جعله يكتشف أميركا الاتينينة التي أضحت مجال تخصصه األثير على مدى عقود.
لم يكتف بالتدريس بصفته أستاذا فخريا في جامعة السوربون بباريس، بل تبنى العديد من القضايا التي يراد من ورائها تحسني حياة الناس، حيث كان عضوًا في املجلس العلمي لجمعية »Attac« منذ تأسيسها، والتي تناضل من أجـل تشجع املـبـادرات التي تفضي إلـى تملك املواطنني للسلطة التي يمارسها أصحاب املال على الحياة السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية في جميع أنحاد العالم. ساهم بيير سامة بمعية مجموعة من االقتصاديني، منهم املصري سمير أمني وأرغيري إيمانويل وأندري غنتر فـرانـك وسلسو فــورتــادو، فـي دق نـاقـوس خطر الهيمنة الــتــي تـسـعـى اإلمـبـريـالـيـة إلـــى فـرضـهـا على شعوب أفريقيا وأميركا الجنوبية. في مساره الدراسي ركز في أبحاثه في السبعينيات من القرن املاضي على التنمية املبنية على استبدال الــواردات في األرجنتني، قــبــل أن يـعـكـف فـــي رســـالـــة الـــدكـــتـــوراه فـــي 1970 على دراســـة حـــدود الـتـراكـم الوطني للرأسمال فـي البلدان نصف الصناعية. تلك أطروحة خلفت أصداء كبيرة في البلدان السائرة في طريق النمو في أميركا الاتينية. في كتاباته كان يؤكد أن الفوارق تشكل تحديًا حقيقا للتنمية، ألن تفاقمها أو الحفاظ عليها في مستويات مرتفعة يــؤدي إلـى مجتمعات قائمة على االستعباد وغير املستقرة، معتبرا أن العاقة بني الفوارق والنمو ال يمكن فهمها دون استحضار متغيرات أخـــرى، من قبيل درجـة انفتاح األســواق ودرجــة تدخل الدولة في املـجـال االقـتـصـادي. فهو كــان دائــم التفكير فـي كيفية جــعــل الــنــمــو عـــامـــا فـــي تـقـلـيـص الـــهـــوة بـــني املــواطــنــة السياسية واملواطنة االجتماعية وتحويل النمو إلى تنمية مـسـتـدامـة. فــي كتبه انشغل بالفقر وتحديات الـــفـــوارق وتــراجــع التصنيع فــي بــلــدان الـعـالـم الثالث واملديونية واقتصاد املخدرات والبلدان الصاعدة. فهو يـرى أن البلدان الصاعدة املمثلة في تكتل «بريكس» تمثل أهمية بالنسبة لاقتصاد العاملي رغم أن الكثير من بلدان هذا التكتل ال يوجد تجانس بينها، كما ينبه إلى مسألة تحول بلدان مثل البرازيل إلى مزود باملواد األولــيــة للصني خـدمـة لصناعتها، مـا قـد يفضي إلى تراجع التصنيع لدى البرازيل.