Al Araby Al Jadeed

طلّاب مصر فئران تجارب

- سامح راشد

ال أدري كم عدد املرات التي غيرت فيها الحكومات املتعاقبة في مصر نظام التعليم قــبــل الــجــامـ­عـي، خـصـوصـًا مــا يتعلق مـنـه بمرحلة الـثـانـوي­ـة الـعـامـة. فـقـد صــارت التعديات على نظامها تقليدًا ثابتًا يتجدد مع كـل وزيــر يحمل حقيبة التعليم، والغريب أن هذا النمط سائد منذ أكثر من 20 عامًا، بل تعود جذور التعديل والعبث في التعليم قبل الجامعي إلى ما يقرب من نصف قرن، ففي منتصف سبعينيات القرن املاضي حـذف أحد األعـوام الدراسية في املرحلة االبتدائية، ثم أعيد إدراجه مجددًا. وتوالت بعد ذلك نسخ متنوعة من التعديات في نظام التعليم قبل الجامعي، انصب بعضها على اللغة األجنبية الثانية في املرحلة اإلعدادية (املتوسطة)، قبل أن ينتقل العبث إلى املرحلة الثانوية بتوزيع متطلبات شهادة إتمام دراستها بني عامني بدال من عام. ثم التراجع عن هذا. وتحولت شهادة الثانوية العامة من محطة مفصلية لتوجيه الطاب إلى التعليم الجامعي، وفقًا لنتائجهم في تلك املرحلة، إلى فأر تجارب لكل وزير تعليم يهبط على الوزارة. وال بد من التذكير بـأن جـل وزراء التعليم في مصر لم يكونوا يومًا من الخبراء التربويني، وال من األكاديمين­ي املتخصصني في التعليم. ففي مدى نصف قرن، لم يحمل هذه الحقيبة وزير متخصص أكاديميًا أو فنيًا (تكنوقراط) سوى اثنني، كما لو كان ذلك استثناء يؤكد قاعدة أن توكل هذه الوزارة إلى غير أهل االختصاص، فالبقية جميعًا إّما قانونيون وإما أطباء وإما أصحاب أّي تخصص آخر بعيد من التربية والتعليم. قبل أسبوعني، أعلن وزيـر التعليم الجديد في مصر تعديات جذرية في املرحلة الثانوية، تمس صميم املحتوى التعليمي (املـواد واملناهج) بحذف بعضها تمامًا، وإدماج أخرى، واستبعاد مواد من املجموع الكلي. وما يدعو إلى الدهشة واالستياء فــي ذلــك أن رئيس الـــوزراء مصطفى مدبولي أعـلـن، مطلع شهر يونيو/ حزيران املاضي، أن أي تعديات على نظام املرحلة الثانوية ستعرض للحوار املجتمعي، عــلــى أن يــشــارك فـيـه مـمـثـلـون لـكـل الـجـهـات والـفـئـات ذات الـصـلـة، بـــدءًا بالخبراء املتخصصني، ومعهم العاملون في املجال من مدرسني وإداريني، إضافة إلى أولياء أمور وشخصيات عامة. جاء هذا التصريح في أعقاب اجتماع عقده مدبولي مع وزيري التعليم والتعليم العالي، فعرض وزير التعليم تصورًا تفصيليًا للتعديات املقترحة. وبعد أسابيع، حـدث التغيير الـــوزاري، وتـولـت حكومة جـديـدة برئاسة مدبولي نفسه، لكنها خلت من الوزير السابق الـذي كان وكيا للوزارة ومشرفًا على التعليم العام وعلى امتحانات املرحلة الثانوية أعوامًا طويلة. وفــي الــوقــت ذاتـــه، كـان للتعليم نصيٌب ُمـهـٌّم مـن جلسات الـحـوار الوطني الجاري منذ أكثر مــن عــام. وطــرحــت تـصـورات لتطويره خصوصًا فـي املرحلة الثانوية. واملدهش أن التعديات التي جاء بها الوزير الجديد أخذت بعضًا من تلك التصورات فقط، فخرجت مشوهة وبا معنى أو مضمون. وباغت الوزير املصريني بها من دون استيفاء ما أعلنه رئيس الحكومة، وما طالب به الحوار الوطني من حوار عام ومناقشة مستفيضة للخروج بتعديات تحظى بتوافق مجتمعي. أمــا عن تفاصيل التعديات ومضمونها، فتكفي معرفة أنها اعتبرت مــواد مثل الجيولوجيا وعلم النفس ال ضرورة لها. وأدمجت الفيزياء مع الكيمياء، وأخرجت اللغة الثانية من املجموع الرسمي املحتسب في الشهادة. لكن الخطورة الحقيقية في إقرارها من دون منطق أو معايير واضحة. وكاملعتاد في أحوال مصر العبثية حاليًا، لن تستمر تلك التعديات الشاذة طويا، إن جرى تطبيقها أصا. لكن األهم أنها ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل التخريب خلف واجهة التجريب في مسار طاب مصر ومصيرهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar