لَم ال يذهب عبّاس إلى القدس؟
فــــاجــــأ الــــرئــــيــــس الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــي، مــحــمــود عــــــبــــــاس، الــــجــــمــــيــــع، عــــنــــدمــــا اقـــــتـــــرح فــي خـــطـــابـــه أمـــــــام مـــجـــلـــس الـــــنـــــواب الـــتـــركـــي ذهــابــه والــقــيــادة الفلسطينية إلـــى غـــزة. جـــاء االقـــتـــراح مــتــأخــرًا كــثــيــرًا، ولــكــن كما يــقــول املــثــل، أفــضــل أن تــكــون مــتــأخــرًا من أال تــأتــي. ليس مــن املــعــروف مــا إذا كانت هــذه الـفـكـرة مــدروســة أم ولــيــدة اللحظة، ولكنها مهمة لو توبعت بصورة حثيثة وذهـــب الـرئـيـس إلـــى غــــزة، مــع شـــك كاتب هــــذه الـــســـطـــور بـــأنـــه ســـيـــذهـــب، ولـــكـــن قد يرسل أحد نوابه أو رئيس الوزراء، وحتى ذلـــك سـيـكـون اخــتــراقــًا سياسيًا مـهـمـًا لو حــــدث، مـــع أنــــه كـــان ســهــا تـنـفـيـذ الـفـكـرة حــني كــان معبر رفــح مـتـوفـرًا مــن الجانب املــصــري. وبــعــد احــتــال إســرائــيــل املعبر، وكــل الــحــدود الفلسطينية الجنوبية مع مصر، أصبحت الطريق الوحيدة إلى غزة بموافقة االحتال اإلسرائيلي ومساعدته، ويشك أن توافق إسرائيل على ذلك. ولــكــن، ومــا دام الرئيس مهتمًا بالذهاب إلـــــى األمـــــاكـــــن الـــحـــســـاســـة الـــتـــي تــتــطــلــب وجــــودًاشخصيًالــلــقــيــادةالفلسطينية، ال بــــــد أن نــــكــــرر هـــنـــا فـــــكـــــرة عــــبــــر عــنــهــا الصحافي ناصر اللحام، تقول بضرورة أن يقوم القادة الفلسطينيون، الذين كان يملك كل منهم آنــذاك بطاقة ،»VIP« التي تخوله الذهاب إلى القدس، وإلى أي مكان «إســـرائـــيـــلـــي»، أو أن يــصــلــي فـــي املسجد األقصى عابرًا جسر األردن. اقتحم الــوزيــر املــتــطــرف إيتمار بـن غفير املــــســــجــــد األقــــــصــــــى، ومـــــعـــــه مــــتــــطــــرفــــون كثيرون خرقوا االتفاقات املعروفة، وهي «الــســتــاتــيــكــو» الــعــثــمــانــي، وهــــو فــرمــان وقـــعـــه الــســلــطــان عــبــد املــجــيــد األول في ،1852 ويحدد حقوق األماكن الدينية في القدس وبيت لحم، واتفاق السام األردني اإلســــرائــــيــــلــــي، الــــــــذي وفــــــــر لــلــهــاشــمــيــني دورًا خــاصــًا فــي رعــايــة األمـــاكـــن الدينية اإلسامية، ثم التفاهم األردني اإلسرائيلي عــــام ،2014 بـــني املـــلـــك عــبــد الـــلـــه ورئــيــس الـــــوزراء اإلســرائــيــلــي بـنـيـامـني نتنياهو، برعاية وزيــر الخارجية األمــيــركــي، جون كيري، الذي نص بوضوح أن حق الصاة لـلـمـسـلـمـني فـــي املــســجــد األقــــصــــى، وحـــق بـــاقـــي الـــشـــعـــوب بــــزيــــارة األقــــصــــى. ولـكـن إيـتـمـار بــن غـفـيـر، وغــيــره مــن املـتـطـرفـني، حــــولــــوا االنـــفـــتـــاح عـــلـــى الـــــزيـــــارة مـــدخـــا لـــلـــصـــاة، ومــــحــــاولــــة فـــــــرض أمـــــــر واقـــــــع. املــســافــةبـــنيمــقــرالــرئــاســةالفلسطينية (املقاطعة) في رام الله واملسجد األقصى في القدس ال تتعدى 20 كيلومترًا، أي إنها تتطلب أقــل من 20 دقيقة من دون وجود تسهيات ومن دون أزمة قلنديا، التي قد تتطلب ساعات. لكن الرئيس، والتنسيق الــذي يسمح لـه بالسفر إلــى الــخــارج عبر األردن، يــمــكــنــه مـــن الـــحـــصـــول عــلــى إذن لـلـوصـول إلـــى الــقــدس، ومــشــاركــة إخـوتـهٍ وأخــــواتــــه الـــصـــاة فـــي املــســجــد األقــصــى. قــد يــكــون هــنــاك بعض الــذيــن يعترضون على الــزيــارة، ولكن يمكن لجم هــؤالء في مــواجــهــة أهــمــيــة زيـــــارة رئـــيـــس فلسطني عاصمة فلسطني. وخــال وجــود الرئيس فــي الـــقـــدس، وبــعــيــد الــصــاة فــي املسجد األقــــصــــى، قـــد يـــكـــون مــهــمــًا، مـــن الـنـاحـيـة الرمزية، أن يزور كنيسة القيامة، ويلتقي رؤســــــاء الـــكـــنـــائـــس. كــمــا قـــد يـــكـــون مـهـمـًا فــي الــقــدس أن يلتقي عــبــاس شخصيات وفعاليات مقدسية، من سياسيني ورجال أعــمــال ونــشــاطــات اجتماعية ومسؤولي شـبـكـة املـسـتـشـفـيـات ونــشــطــاء الـسـيـاحـة وممثلني عن مـدارس القدس وغيرهم من املــرابــطــني فــي الـــقـــدس، رغـــم الـصـعـوبـات، ورغـــم الـشـعـور بـأنـهـم أيــتــام مــن الناحية السياسية. لــزيــارة رئيس دولــة فلسطني الـــقـــدس، وبــعــد زيـــارتـــه مــوســكــو، وانــقــرة أيضًا، دالالت رمزية قوية في املستويات كـــلـــهـــا، فـــهـــي تــــؤكــــد أهـــمـــيـــة الــــقــــدس لـــدى الــشــعــب الـفـلـسـطـيـنـي، ومــركــزيــة املسجد األقصى، كما كنيسة القيامة، في الوجدان الفلسطيني، وتعزز أهمية مبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس. ورغم تأييد كاتب هذه السطور، وبشدة، زيــــــارة الـــرئـــيـــس والـــقـــيـــادة الـفـلـسـطـيـنـيـة
ّّ قطاع غزة املدمر، بهدف وقف نزيف الدم إن أمكن، إال أن تلك الــزيــارة قد تكون من املـسـتـحـيـات مــا دامــــت الــحــرب عـلـى غــزة مــســتــمــرة، ولـــكـــن زيــــــارة الـــقـــدس مـمـكـنـة، وتـــدعـــم املـــقـــاومـــة، الـــتـــي تـــؤكـــد مـــن خــال أدبياتها ومواقفها أهمية األقصى. فهل يـمـكـن ان يــتــحــول يـــوم 23 أغــســطــس/ آب الجاري يومًا تاريخيًا، يزور فيه الرئيس عــــبــــاس الــــقــــدس، ويـــصـــلـــي فــــي األقـــصـــى، ويــــزرو كنيسة الــقــيــامــة، ويـلـتـقـي أبــنــاء ه وبناته املقدسيني؟