Al Araby Al Jadeed

لبنان من انفجار إلى انفجار ومن حرب إلى أخرى

- يقظان التقي

أعـــادت مــجــزرة بـلـدة مـجـدل شـمـس، كبرى الـــتـــج­ـــمـــعــ­ـات الـــــدرز­يـــــة فــــي الــــجـــ­ـوالن الــــذي احتلته إسرائيل عـام ،1967 إطــاق منطق الـتـوتـرا­ت والـحـرب في الشرق األوســط في نــطــاق واســـــع، عـقـب مـقـتـل 12 طــفــا كـانـوا يلعبون كرة القدم. وجدت الجماعة نفسها فــــي قـــلـــب صــــــراع تــــواجــ­ــه فـــيـــه أزمــــــة هـــويـــة حقيقية عـالـقـة بــن حـــزب الـلـه وإســرائــ­يــل، إذ جمعت الحرب السكان الــدروز واليهود لــلــمــر­ة األولـــــ­ـى، فـتـفـتـعـ­ل إســـرائــ­ـيـــل حــادثــة إطـــاق الــصــارو­خ (؟) وتـوجـهـهـ­ا إلضعاف وحشر املقاومة في خانة الدفاع عن النفس، ومـــحـــا­ولـــة إثــــبـــ­ـات عـــــدم مــســؤولـ­ـيــتــهــ­ا عـن القصف من لبنان. يعيش دروز الجوالن في نظام إداري تمييزي تفرضه إسرائيل منذ سيطرتها عـلـى املـنـطـقـ­ة، رغـــم أن املجتمع الدولي يعترف بالجوالن جزءًا من سورية. أجبر االحتال عشرات اآلالف على املغادرة (كـــان فيها ّعــدد قليل مـن املسيحين، لكن كــثــيــرًا مــنــهــم غــــادروه­ــــا فـــي األربــعــ­يــنــيــا­ت والخمسينيا­ت من القرن املاضي)، وحصل آخــرون على حـق اإلقامة الدائمة في العام .1981 ولكن بعد أربعن عامًا، ظـل الــدروز في الجوالن مرتبطن بهويتهم السورية، وتقدمت فئة قليلة منهم )%25( في 2018 للحصول على الجنسية اإلسرائيلي­ة، التي حلت محل تصاريح اإلقامة األكثر تعقيدًا. لـــم يــتــن حــــزب الــلــه الــقــصــ­ف الــــذي انـطـلـق مـــــــن ًٍ أراضلــــب­ــــنــــا­نــــيــــ­ة، وشـــــــك­ـــــــل هــــــديـ­ـــــة نـــمـــوذ­جـــيـــة لــرئــيــ­س الــــــــ­وزراء اإلســرائـ­ـيــلــي بنيامن نتنياهو، الــذي يجيد الـهـرب من االستحقاقا­ت، ومـن املـجـازر التي ارتكبها جـنـوده فـي غـضـون عـشـرة أشـهـر فـي غــزة، وأوقـــعــ­ـت أكــثــر مــن 39 ألـــف فلسطيني من املدنين. ويتساءل أبناء املحلة عن السبب الـذي جعل الحكومة اإلسرائيلي­ة ال تخلي مرتفعات الجوالن كما في منطقة الجليل غـربـًا، حيث غـــادر 80 ألــف سـاكـن منازلهم بعد القصف املنتظم، الذي يقوم به الحزب عـــلـــى الــــقـــ­ـواعــــد الـــعـــس­ـــكـــريـ­ــة اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــة العديدة في مرتفعات الجوالن؟ تــعــلــن إســـرائــ­ـيـــل مــســؤولـ­ـيــتــهــ­ا عـــن مــجــدل شمس، وتدعي مسؤولية الدفاع عنها إزاء استهدافها من الحزب، وتهدد بأنه سيدفع «ثمنًا باهظًا»، فيما يرفض أهلها استثمار دماء أبنائهم في وقوع مزيد من الضحايا. استثمرت إسرائيل في الدماء بنحو يشرح رفضها إعـــادة الـجـوالن إلـى سـوريـة، وهي تستمر فـي إحـــداث وضــع قـائـم فـي منطقة تعد خزانًا كبيرًا للمياه، وحتى العام ،1967 كـانـت ســوريــة، ولـبـنـان، واألردن، تتنافس فــــي الـــســـي­ـــطـــرة عـــلـــى الـــبـــح­ـــيـــرات واألنــــه­ــــار (تـــؤمـــن الــيــوم 250 مـلـيـون مـتـر مـكـعـب من مـيـاه الــشــرب إلســرائــ­يــل). ولـــم يــبــد النظام السوري أي ردة فعل على املوقف األميركي، الــــذي اعــتــبــ­ر الـهـضـبـة جــــزءًا مـــن إســرائــي­ــل (اعتراف ترامب .)2019 لم يسع بشار األسد إلى تسجيل حضوره السياسي في لحظة تميل األمور فيها إلى التفاقم في املنطقة. لسوء الحظ، أهالي مجدل شمس، ضحايا جـــريـــم­ـــة االحــــــ­تــــــال، وهــــــم أيــــضـــ­ـًا ضــحــايــ­ا تـــواطـــ­ؤ الــنــظــ­ام الــــســـ­ـوري، وكــــان يـمـكـن أن يشكل جبهة إسـنـاد لـغـزة، كما فعل حزب الـــلـــه، وضــحــايـ­ـا اإلعـــــا­م الــــذي يــــزرع الـفـن حول األقليات جزءًا من تصاعد التوترات. يقف لبنان على شفا حــرب تتداخل فيها التهديدات والتدخات اإلقليمية والدولية، وستكون كارثة على باد الشام إذا تطورت هــذه الـحـادثـة الـدمـويـة إلــى حــرب مفتوحة بــن إســرائــي­ــل وحـــزب الــلــه، جــــراء عمليتي اغـتـيـال إرهـابـيـت­ـن طـاولـتـا رئـيـس املكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والـــقـــ­يـــادي الــعــســ­كــري فـــي حـــزب الــلــه فـــؤاد شــكــر، الــــذي تــزعــم إســرائــي­ــل الـضـالـعـ­ة في جرائم اإلبــادة واإلرهـــا­ب الامتناهية «أنـه مسؤول عن مقتل األطفال بصاروخ أطلقه الحزب من لبنان». تصعيد جديد، وجد فيه نتنياهو ضالته، يقرب من الحرب الشاملة، ويأمل أن يرد الحزب بالطريقة نفسها، ما يفتح األمورعلى مصراعيها بعدما التزمت إيـــران منذ فـتـرة طويلة بـقـواعـد االشتباك املعمول بها، ما أثـار استياء أنصار حزب الـلـه األكــثــر تــشــددًا فــي الجبهة اللبنانية. سـيـعـانـي لـبـنـان كـثـيـرًا مـــن فــكــرة تحويله غزة وخانيونس، بخاف ما واصل الحزب قوله ألشهر: «إنـه ال يريد حربًا مفتوحة». ومـع أن الـقـدرة على الــردع هي مصدر أمل اللبنانين بـــأن هـنـاك تــــوازن رعـــب يحمي لــبــنــا­ن، وأن إســرائــي­ــل لــم تـعـد قـــــادرة على قصف املدنين من دون عقاب، لكن الفجوة بـــن الـلـبـنـا­نـيـن كــبــيــر­ة، وبــعــض األحــــزا­ب الـرئـيـسـ­ة مـسـتـاءة مــن أســلــوب الــحــزب في التعبيرعن السيادة اللبنانية، ومـن خال تفرده في اتخاذ قرار الحرب والسلم. املخاوف بلغت ذروتها من وضـع ال يمكن السيطرة عليه، ولـبـنـان تـقـوضـه منذ عام 2019 مجموعة متشابكة مـن األزمــــا­ت، إذ تعاني الـبـاد مـن تضخم تـراكـمـي بنسبة ،%5000 وخــســارة أكـثـر مــن نصف الناتج املحلي اإلجـمـالـ­ي، وتعاني مؤسساته من أزمــــة دائـــمـــ­ة مـــن دون مـــبـــاد­رات سـيـاسـيـة، وسط العجز املزمن للسلطات اللبنانية عن حماية مواطنيها، فـي مـا يتعلق بـاألزمـة الحالية، وبإنفجار مرفأ بيروت في الرابع مــــن أغـــســـط­ـــس/ آب ،2020 فـــيـــمـ­ــا يـــحـــقـ­ــق نتنياهو مـهـمـتـه فــي الـقـضـاء عـلـى البشر والحجر في قطاع غزة، وجزئيًا في جنوب لــبــنــا­ن، أقـــلـــه إلـــى اآلن. وثـــمـــة مـــخـــاو­ف من

ليس أمام اللبنانيين إلا التأقلم مع الكوميديا السوداء، وال ُمه ّدئات، والوصفات الموروثة من الحروب الماضية

تفجر أشكال أخرى من العنف. لذلك سارع الــحــزب إلـــى نـفـي مـسـؤولـيـ­تـه عــن املــجــزر­ة لـلـخـروج مـن إحــراجــه وارتـبـاكـ­ه ّوتحصنه بموقف دفاعي (ال يستطيع تحمل تبعات اســــتـــ­ـهــــداف أطــــفـــ­ـال ومــــدنــ­ــيــــن، وال ســيــمــا إذا كـــانـــو­ا ســـوريـــ­ن ودروزًا، وحـــن يـربـط مصيره بطهران (أفسدت معايش املنطقة)، فــي وقــت يـهـدف فيه املــشــرو­ع الصهيوني إلى نزع الشرعية عن دول املنطقة وتفكيك مــجــتــم­ــعــاتــه­ــا. فــقــفــز ولـــيـــد جـــنـــبـ­ــاط إلـــى الواجهة ملتقطًا اللحظة في التركيز على الهوية القومية العربية للدروز، والداعمة للمقاومة وفلسطن، ورفض (في ما يمثله في لبنان) تحويل الدروز إلى حرس حدود لحلف األقليات. مــع هـــذه األوضـــــ­ـاع، مــا زال قـسـم كـبـيـر من اللبنانين يعيشون حياة صيف طبيعية عـــلـــى الــــرغــ­ــم مــــن كـــــل شــــــيء؛ زحـــمـــة مــــرور وحـجـوزات فندقية مكتملة، وأنــاس تكتظ بهم املطاعم. ذكُر الحرب يمّر بشكل عرضي مـن خــال الـطـائـرا­ت الحربية اإلسرائيلي­ة التي تكسر جدار الصوت، كما لو أن شيئًا ال يـــحـــصـ­ــل، وأن الــلــبــ­نــانــيــ­ن ال يــمــوتــ­ون يـومـيـًا. 521 شهيدًا منذ أكـتـوبـر/ تشرين األول .2023 فـيـمـا تــمــتــد املــهــرج­ــانــات من الــواجــه­ــة الـبـحـريـ­ة إلـــى الـجـبـال واألريــــ­اف، التي تحتضن عشرات اآلالف من الاجئن السورين، والنازحن من الجنوب. لـــيـــس أمـــــــا­م الـــلـــب­ـــنـــانـ­ــيـــن إال الـــتـــأ­قـــلـــم مـع الكوميديا السوداء، واملهدئات، والوصفات املوروثة من الحروب املاضية. لبنان شهد العديد من الحروب العسكرية اإلسرائيلي­ة، وينبغي على الغرب، وتحديدًا األميركين والفرنسين والبريطاني­ن، أن يفعلوا كل ما في وسعهم ملنع حدوث غزو إسرائيلي جـديـد فــي لـبـنـان. سيعاني لبنان معاناة شـــديـــد­ة، ولــكــن إســرائــي­ــل لــن تـخـرج سـاملـة، وستنتهي مغامراتها العسكرية في شكل سيئ للدولة اليهودية. وعلى العكس، فإن حزب الله الـذي أعلن النصر مــرات، زاد من شـعـبـيـتـ­ه ونـــفـــو­ذه فـــي لــبــنــا­ن وأنـــحـــ­اء في الـــشـــر­ق األوســـــ­ــط، بــعــد الـــعـــا­م ،2006 ومــن يستطيع أن يضمن عــدم تـــورط إيـــران في الحرب مباشرة، وقد انتخبت للتو رئيسًا إصاحيًا قـام بحملة علنية للتواصل مع الغرب، ومن املؤكد أن خلفه املرشد األعلى علي خامنئي، الــذي يملك السلطة لصنع السام أو الحرب. وسيكون من الحماقة أال يمد الغرب يده لحوار متجدد يمنع الحرب الـشـامـلـ­ة، ويــتــرك نتنياهو يصعد شجرة خبيثة أصلها في الجحيم.

 ?? (جالء مرعي/فرانس برس) ?? مكان سقوط الصاروخ في مجدل شمس، 29 يوليو 2024
(جالء مرعي/فرانس برس) مكان سقوط الصاروخ في مجدل شمس، 29 يوليو 2024

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar