هل تتغيّر قواعد اللعبة بين إسرائيل وإيران؟
مــنــذ وقـــعـــت مـــجـــزرة بـــلـــدة مـــجـــدل شمس فـي الـجـوالن املحتل فـي 27 يوليو/ تموز املاضي، سارع حزب الله إلى نفي ارتكابه الجريمة، إال أن ذلـك النفي لـم يكن مقنعا فـــيـــمـــا يــــبــــدو، ال ألهــــالــــي الـــضـــحـــايـــا، وال لحكومة الكيان الصهيوني املحتل، الذي أراد أن يتظاهر بارتداء عباءة املسؤولية األخاقية عما حـدث، ولكن هيهات، فأنى ملـن يقتل عـشـرات األرواح يوميا فـي غــزة، وفـــي مـنـاطـق أخـــرى مــن فلسطن، ويــدمــر ويشرد البشر، أن يدعي الغيرة األخاقية. ال يــحــتــاج نـتـنـيـاهـو ذرائـــــــع أخـــاقـــيـــة، أو سواها، ليمضي في تنفيذ ما يراه مناسبا لـــلـــخـــروج مــــن مــــأزقــــه الــــخــــانــــق، إذ ربـــمـــا اسـتـطـاعـت آلـــة الـقـتـل اإلسـرائـيـلـيـة حصد مــزيــد مـــن أرواح ســكــان غـــــزة، كـمـا حققت منجزًا تدميريا هائا في البنية التحتية والخدمية لقطاع غزة، ولكنها لم تستطع أن تحصد منجزًا عسكريا يمكن تحويله نـــصـــرًا ســيــاســيــا واضــــــح املـــعـــالـــم. وطــاملــا لــم يتحقق هــذا النصر داخـــل غـــزة، وعلى مـــــرأى مـــن اإلســـرائـــيـــلـــيـــن، فــيــجــب الـبـحـث عن هذا النصر املنشود في أي مكان آخر، ولــعــل نتنياهو يـــدرك أكــثــر مــن غــيــره، أال أحــد يمنحه السبل املــؤديــة إلــى فتوحاته العسكرية كـأذرع إيـران في املنطقة، وعلى رأســــهــــا حـــــزب الـــلـــه الـــلـــبـــنـــانـــي، ومـــــن هـنـا تـأتـي أهمية مـا حصل فـي مـجـدل شمس، لـيـس بـاعـتـبـار أن مــا وقـــع هــو جـريـمـة في حـق اإلنسانية، بل باعتبار تلك الجريمة فرصة يجب أن يثبت نتنياهو من خالها صابته وعدم تهاونه في مكافحة، بل في اسـتـئـصـال، قـــوى الــشــّر فــي املـنـطـقـة، فـقـّرر أن يستهدف أحـد أبـرز القادة العسكرين، بـل األكـثـر قربا مـن حسن نصر الـلـه، فـؤاد شـكـر، صـاحـب لقب الـحـاج محسن، مساء 30 يوليو/ تموز املاضي. وفـــــي غـــمـــرة ردات الـــفـــعـــل اإلعـــامـــيـــة عـلـى اسـتـهـداف شـكـر، وقـبـل أن يـعـلـن حــزب الله رســـمـــيـــا تـــأكـــيـــده مـــقـــتـــلـــه، حــظــيــت حــكــومــة نتنياهو بـهـدف آخـــر، لـعـلـه يـخـتـزل لديها كثيرًا مما تريد إيصاله إلـى اإلسرائيلين واإليــرانــيــن فــي آن مـعـا، ونـعـنـي اغتيالها رئــيــس املـكـتـب الـسـيـاسـي لـحـركـة املـقـاومـة اإلســــامــــيــــة (حـــــمـــــاس)، إســـمـــاعـــيـــل هــنــيــة، وذلـــك أثــنــاء وجـــوده فــي طــهــران للمشاركة فــــي تـــتـــويـــج الـــرئـــيـــس اإليـــــرانـــــي الـــجـــديـــد، مسعود بزشكيان، فهل سيفلح نتنياهو بــإقــنــاع أهــالــي األســــرى اإلسـرائـيـلـيـن بــأن زوال إسماعيل هنية مـن الـوجـود سيعيد أبناءهم إليهم؟ وهل سيقنع اإلسرائيلين بـــــأن مــقــتــل هــنــيــة هـــو بــمــثــابــة نــصــر كبير لــحــكــومــة نــتــنــيــاهــو؟ وكـــذلـــك، هـــل سـيـكـون مقتل هنية، وهو في حماية الحرس الثوري اإليـرانـي وسـط طـهـران، بمثابة إذالل كبير إليران، وإحراج كبير لها أمام شعبها وأمام حلفائها؟... ذلك كله يمكن أن يكون واردًا في الحسبان، بل يمكن للمرء أن يتوقع املزيد، لـيـس لــوجــود مــا يــوجــب اســتــمــرار الـحـرب اإلسرائيلية على أذرع إيران فحسب، بل ألن هذا الشكل من أشكال الحروب هو السبيل الوحيد الذي تتيحه اإلدارة األميركية أمام نـتـنـيـاهـو فـــي الـــوقـــت الــحــاضــر، إذ لـــم تــزل واشـنـطـن تــصــر على أال تتسع الـحــرب في الـوقـت الــراهــن إلــى خـــارج حـــدود غـــزة، وإن كـــان ال بـــد مـــن اســتــطــاالت لــهــا، فـلـتـكـن من خــال استراتيجية مــغــايــرة، تتيح للكيان الصهيوني استثمارات عسكرية فـي أكثر من مكان، على أن توظف تلك االستثمارات فـي غـــزة والــداخــل اإلسـرائـيـلـي مـعـا. وربـمـا أفــلــحــت واشـــنـــطـــن فـــي تــعــزيــز الـطـمـأنـيـنـة لــــدى إيــــــران وأذرعــــهــــا بــاســتــحــالــة الــحــرب
َّ الشاملة، في مقابل أن تتفهم إيــران النزق اإلســرائــيــلــي، وكــذلــك عليها أن تـتـفـهـم أن الــضــبــط األمـــيـــركـــي لـلـحـلـيـف اإلســرائــيــلــي يــوجــب عـلـى طــهــران ومـشـتـقـاتـهـا احــتــواء
ٍَّ هذا النزق، سواء بعدم الرد إن أمكن األمر، أو بـــرد لحفظ مـــاء الــوجــه ال أكــثــر، وربــمــا هــذا مـا يـفـسـر األســبــاب الكامنة وراء عدم ارتقاء الرد اإليراني إلى ما يوازي خسارات طهران الفعلية (يمكن اإلشـارة إلى تهافت الــــــرد اإليــــرانــــي عــلــى اســـتـــهـــداف إســرائــيــل قنصليتها بدمشق، أو تهافت ردود حزب الله على مقتل العشرات من أبـرز قياداته، وبالتالي هل هـذا التهافتُ في َّالــرد يعود إلـــــى الـــــتـــــزام طــــهــــران بـــمـــا يـــســـمـــى قـــواعـــد االشتباك بالفعل، أم ثمة مسألة أخرى؟). املنطق يــؤكــد أن اغـتـيـال هنية فـي حضن إيــــــــــران هـــــو إيــــــــــذان بــــالــــحــــرب الــحــقــيــقــيــة واملباشرة من إسرائيل، وردات فعل إيران تنذر بعزم على االنتقام في الوقت القريب،
ٍّ هذا ما صرح به املرشد اإليراني والرئيس الـــجـــديـــد فــــي آن مـــعـــا، فـــهـــل تــعــنــي وعــــود طـــهـــران بـــالـــرد تـــحـــول إيـــــران مـــن «الـصـبـر االستراتيجي» إلى «الرد االستراتيجي»؟