Al Araby Al Jadeed

متاجر بريطانيا تواجه «وباء السرقة»

الخسائر تتجاوز ملياري إسترليني هذا العام

- لندن ـ عمر عبد الرازق

تقول أرقام رسمية إن حوادث السرقة من المتاجر البريطانية سجلت أرقامًا هي األعلى منذ 20 عامًا، وإن الخسائر تتجاوز ملياري إسترليني هذا العام، ويقول خبراء إنها نتاج لسياسات التقشف التي طبقتها حكومة المحافظين على مدى 20 سنة، وحكومة حزب العمال الجديدة تتعهد بالتصدي للمشكلة

تــــعــــ­د الـــــبــ­ـــقـــــا­الت الــــصـــ­ـغــــيـــ­ـرة أو ‪CORNER SHOPS‬ واحـــــــ­ــدة مـــــن الــــســـ­ـمــــات املــــمــ­ــيــــزة لــلــحــي­ــاة الــبــريـ­ـطــانــيـ­ـة. فـــي كـــل شـــــارع تــقــريــ­بــا تجد واحدًا من هذه الدكاكني يشتري منه السكان املحليون ما يحتاجونه في يومهم من خبز ومـــاء وحليب وصـحـف. لكن زحــف الـفـروع الصغيرة للمتاجر الكبرى مثل «تيسكو» و«ســــيــــ­نــــســــ­بــــري» قـــلـــص أعــــــــ­ـداد الـــدكـــ­اكـــني الـصـغـيـر­ة بــدرجــة كـبـيـرة، ومـــا تبقى منها يواجه اإلغـاق بسبب خوف أصحابها من السرقات املتكررة، التي باتت تسجل أرقاما قـيـاسـيـة مــنــذ جــائــحــ­ة كـــورونــ­ـا. فـــي شـــارع «بورتبيلو» الشهير فـي غــرب لـنـدن، رأيـت مــشــهــدًا يــتــكــر­ر كــثــيــرًا فـــي اآلونـــــ­ة األخـــيــ­ـرة، كــان صـاحـب حـانـوت مـن الجالية الهندية يجري خلف شابني في مقتبل العمر بعصا «الـبـيـسـب­ـول» بعدما ضبطهما «يـسـرقـان» بضاعة مــن على الـــرف ويخبئها أحدهما في حقيبته. عاد الرجل غاضبا إلى متجره بعدما أحبط السرقة، وعندما سألته عما حدث قال لي إنه يفكر في إغـاق الحانوت الـذي يديره مع شقيقه، مشيرًا إلـى أن ذلك أفضل من «أن يقتا أو يطعنا في واحدة من تلك املواجهات» التي تتكرر كل يوم. تــذكــرت كـلـمـات صـاحـب املـتـجـر الـــذي يقف على قدميه ساعات طويلة يحاسب الزبائن ويطالع شاشة كاميرات املراقبة، وأنـا أقرأ التقرير الصادر بعنوان «معدالت الجريمة فــــي إنـــكـــل­ـــتـــرا وويــــلــ­ــز حـــتـــى نـــهـــاي­ـــة مــــارس .»2024 التغير الصادم في هذا التقرير الذي يغطي الفترة من مارس/ آذار 2023 وحتى نـهـايـة مـــارس املــاضــي، تمثل فــي «سـرقـات املـــــتـ­ــــاجــــ­ـر» أي عــــنــــ­دمــــا يـــســـطـ­ــو أشــــخـــ­ـاص على مــواد غذائية أو بضائع فـي غفلة من القائمني على املـتـاجـر ويـهـربـون بها دون سداد ثمنها. هذه الحوادث ارتفعت بمعدل %30 خــال الـعـام املنصرم لتصل إلــى 450 ألـف حادثة، وهـو أعلى معدل منذ عشرين عاما، وتحولت إلى مصدر تهديد للعاملني فـي املـتـاجـر الـكـبـرى وألصــحــا­ب الحوانيت الصغيرة.

خسائر كبيرة

بــالــنــ­ســبــة لــــفــــ­روع املـــتـــ­اجـــر الـــكـــب­ـــرى، الــتــي توظف أكثر من خمسني عاما، واملتوسطة التي توظف ما يربو على 49 عاما، كانت مستهدفة ملا يصل إلـى %49 من الحوادث املــــســ­ــجــــلــ­ــة، أمـــــــا الــــصـــ­ـغــــرى الــــتـــ­ـي ال يـــزيـــد الـعـامـلـ­ون فيها عــن تسعة فــكــان نصيبها %24 مـــن حــــــواد­ث الـــســـر­قـــة، حــســب تـقـريـر لـــــــوز­ارة الــداخــل­ــيــة الــبــريـ­ـطــانــيـ­ـة فـــي نـهـايـة ديسمبر/ كانون األول املاضي. لكن األرقام الرسمية قد تبدو قطرة في بحر باملقارنة بــــاألرق­ــــام الـــتـــي صـــــدرت عـــن «اتـــحـــا­د تـجـار الـتـجـزئـ­ة» فــي بـريـطـانـ­يـا، وهـــو أكـبـر هيئة للمتاجر الكبرى والصغرى بكل أنواعها، والـتـي تتحدث عـن 1300 سـرقـة يوميا من متاجر بريطانيا. يقدر االتـحـاد حجم الخسائر الناجمة عن ســرقــات املــتــاج­ــر مــع نـهـايـة أغــســطــ­س/ آب املاضي، أي قبل االرتفاع القياسي األخير، بحوالي 1.8 مليار جنيه إسترليني أي ما يعادل ملياري دوالر. ومن املتوقع أن ترتفع هذه الخسارة إلى ملياري جنيه إسترليني

مــع نـهـايـة الــعــام الــحــالـ­ـي. ويــاحــظ تقرير لــاتــحــ­اد بـــأن املــتــاج­ــر الــكــبــ­رى والــصــغـ­ـرى أنـفـقـت فــي عـــام 2023 مــا قيمته 1.2 مليار إسترليني لتعزيز إجراءاتها األمنية ملنع السرقات، ورغـم ذلـك فقد أصبحت سرقات املتاجر أكثر جــرأة وعـدوانـيـ­ة مـن ذي قبل، حــســب بــيــان لـلـرئـيـس الـتـنـفـي­ـذي لـاتـحـاد هيلني ديكنسون. لكن أصحاب البقاالت الصغيرة هم األكثر تــضــررًا، فـظـاهـرة الـدكـاكـن­ي الصغيرة التي يـعـرفـهـا كـــل شــــارع فـــي بــريــطــ­انــيــا، لــدرجــة جعلت البريطانين­ي يصفون بادهم بأنها «بلد البقاالت»، آخذة في االنحسار في ظل

مـنـافـسـة غـيـر مـتـكـافـئ­ـة مـــن فــــروع سـاسـل السوبر ماركت، وربما يمثل وباء السرقات الذي تتعرض له الضربة القاضية لبقائها. فبينما تتمكن املتاجر الكبرى من تعويض خــســائــ­ر الــســرقـ­ـة مـــن فــروعــهـ­ـا املــمــتـ­ـدة في أنـــحـــا­ء الـــبـــا­د وزيـــــــ­ادة عــنــاصــ­ر األمـــــن في فـروعـهـا، تضطر الـبـقـاال­ت الـصـغـيـر­ة التي تــدار مـن قبل أســرة واحـــدة إلــى اإلنـفـاق من رأس املـــــال، والـتـخـلـ­ي عـــن األربـــــ­اح لتعزيز إجــراءاتـ­ـهــا األمـنـيـة أو تعويض الـفـاقـد من السرقة. وتشير أرقـــام وزارة الداخلية إلى أن واحـــدة فقط مـن كـل سبع حــاالت سرقة، اكتمل التحقيق فيها بالتوصل إلى الجناة.

الجريمة والعقاب

ويـــأتـــ­ي الــكــشــ­ف عـــن هــــذه األرقـــــ­ـام بــعــد أيـــام مــــن تـــعـــهـ­ــد حـــكـــوم­ـــة الــــعـــ­ـمــــال الــــجـــ­ـديــــدة فـي بــــيــــ­ان ســـيـــاس­ـــاتـــهـ­ــا املـــتـــ­ضـــمـــن فــــي «خـــطـــاب املــلــك» بتبني تـشـريـع جــديــد يـتـصـدى لتلك «الـسـرقـات الـصـغـيـر­ة»، ويجعل مـن التعدي على العاملني فــي املـتـاجـر جريمة قانونية مـــــحـــ­ــددة. هـــــذه الـــضـــغ­ـــوط جــــــاء ت مــــن مـــاك املـتـاجـر الـكـبـرى الــذيــن يـشـكـون مــن تقاعس الـشـرطـة فــي الـتـعـامـ­ل مــع «الــســرقـ­ـات»، وهـو حقيقة واقعة، بعدما قررت حكومة املحافظني في عـام 2014 أال تتابع الشرطة التحقيقات عــنــدمــ­ا تــقــل قــيــمــة الــبــضــ­اعــة املـــســـ­روقـــة عن 200 جـنـيـه إسـتـرلـيـ­نـي 230( دوالرًا)، وكــان الـــهـــد­ف وقـتـهـا أن تـتـفـرغ الــشــرطـ­ـة لـلـجـرائـ­م الــكــبــ­يــرة الــتــي تــؤثــر عــلــى حــيــاة املــواطــ­نــني. يجادل كثيرون في صفحات الــرأي وبرامج املناقشات البريطانية بــأن ارتــفــاع معدالت السرقة من املتاجر ال ينفصل عن السياسات االقتصادية التي أدت لتزايد معدالت الفقر في بريطانيا ودفعت الكثيرين نحو الهامش االقـتـصـا­دي فـي ظـل أزمــة غــاء املعيشة غير املــســبـ­ـوقــة. وحـــســـب رأيـــهـــ­م فــــإن الــســرقـ­ـة من املــتــاج­ــر لـيـسـت أمــــرًا جــديــدًا عـلـى بريطانيا أو أي مجتمع آخـــر، لكنها كـانـت تـحـدث في حـــــــدو­د مـــعـــقـ­ــولـــة مــــن أشــــخـــ­ـاص ال يـــجـــدو­ن قوتهم، وهــي بالتالي تختلف عـن «الـوبـاء» الـراهـن. وتــرى البروفيسور إيميلن تايلور، أســـتـــا­ذة عــلــم الــجــريـ­ـمــة بـجـامـعـة سـيـتـي في لندن، أن «السرقة من املتاجر يمكن أن تمثل مـقـيـاسـًا عـلـى مـــدى صـحـة األمــــة، فـاألسـبـا­ب الكامنة وراءهـــا اجتماعية بـاألسـاس سـواء كانت إدمان املخدرات أو التشرد أو األمراض العقلية، وكلها ظواهر تفاقمت بشدة خال فـتـرة الـجـائـحـ­ة، وقــد حــدث ذلــك على خلفية عــــقــــ­ود مــــن ســــيــــ­اســــات الـــتـــق­ـــشـــف وتــقــلــ­يــص الخدمات االجتماعية وموارد الشرطة». وعـلـقـت تــايــلــ­ور الــتــي تــقــدم بــودكــاس­ــت عبر اإلنــتــر­نــت بـعـنـوان «كـشـف جــرائــم التجزئة» على إجراءات الحكومة عام 2014 التي قللت مـــن أهــمــيــ­ة ســـرقـــا­ت املـــتـــ­اجـــر عــنــدمــ­ا تــكــون قيمتها أقل من 200 جنيه، حيث يتعني على املـــذنــ­ـب فـــي هـــذه الــحــالـ­ـة أن يـعـتـرف بجرمه دون أن يحضر للمحكمة، ويمكنه دفع غرامة تكون عادة أقل من قيمة البضاعة املسروقة. وقالت «خال أبحاثي تحدثت إلى كثير من الــلــصــ­وص الـــذيـــ­ن قـــالـــو­ا إنــهــم طــاملــا جعلوا قيمة السرقة أقل من 200 جنيه فلن يواجهوا عقوبة الـسـجـن». وتطالب تايلور بــأن تمد الخدمة االجتماعية عونها ملدمني املخدرات الـــذيـــ­ن يــمــثــل­ــون الـــعـــد­د األكـــبــ­ـر مـــن مـرتـكـبـي سرقات املتاجر بهدف تمويل إدمانهم. رغم ذلك تحولت سرقة املتاجر إلى «مهنة» بالنسبة لكثير من مرتكبيها، والسبب غالبًا هو «أزمـة تكاليف املعيشة»، فليس نـادرًا أن يـوقـفـك شـخـص فـــي الـــشـــا­رع لـيـتـحـدث إلـيـك بصوت هــادئ عـارضـًا هاتفًا ذكيًا أو ساعة جديدة للبيع بسعر مخفض، هذا النوع من اللصوص يسرقون من منطقة ويبيعون في منطقة أخــــرى. كـمـا أن هــنــاك مــن يــســرق من املتاجر لصالح تجار أصغر ومقابل نسبة معينة من قيمة البضاعة املسروقة.

المتاجر أنفقت في 2023 ما قيمته 1.2 مليار إسترليني لمنع السرقات

 ?? ??
 ?? (مايك كيمب/ )Getty ?? سوق في لندن يوم 16 يناير 2024
(مايك كيمب/ )Getty سوق في لندن يوم 16 يناير 2024

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar