Al Araby Al Jadeed

اعتداءات إسرائيل سياسة الدفع إلى حافة الهاوية

تدفع إسرائيل المنطقة إلى حافة الهاوية بهجماتها التي طاولت قيادات سياسية وأمنية في حركة حماس وحـزب اهلل، فضًال عن اقتحام مؤيدي اليمين المتطرف معتقل سدي تيمان

- حيفا ـ امطانس شحادة

ال يختلف تـصـرف مـؤيـدي اليمن الفاشي اإلسرائيلي في اقتحامهم قــــاعـــ­ـدة ســــــدي تـــيـــمـ­ــان الــعــســ­كــريــة التي تحولت إلى معسكر احتجاز وتعذيب ألســـرى مـن حـركـة حـمـاس، ومــن ثـم اقتحام قـــاعـــا­ت املــحــكـ­ـمــة الــعــســ­كــريــة فـــي بــيــت ليد مطالبن بــإطــالق ســـراح الـجـنـود املعتقلن بــتــهــم الــتــنــ­كــيــل الــجــنــ­ســي وتـــعـــذ­يـــب أســـرى مـــن «حـــمـــاس»، عـــن ذهــنــيــ­ة مــتــخــذ­ي الــقــرار اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـي بـــاغـــت­ـــيـــال الـــقـــا­ئـــد الــعــســ­كــري فــــي حـــــزب الـــلـــه فــــــؤاد شـــكـــر فــــي الــضــاحـ­ـيــة الجنوبية، واغتيال رئيس املكتب السياسي لــــ «حـــمـــاس» إســمــاعـ­ـيــل هــنــيــة فـــي طـــهـــرا­ن. مليشيات اليمن املتطرف اقتحمت القاعدة العسكرية بدعم من أعضاء كنيست ووزراء مــن أحــــزاب الـيـمـن املــتــطـ­ـرف، رافــضــة حتى اعتقال الجنود املتهمن للتحقيق معهم في التهم املوجهة لهم، وضاربة عرض الحائط بالقوانن واملـعـاهـ­دات الـدولـيـة وال تخشى مـــن تــهــم اقـــتـــر­اف جـــرائـــ­م حـــرب فـــي املـحـاكـم الــدولــي­ــة، على الــرغــم مــن أنـهـم مــدركــون أنه تحقيق شكلي لــن يـــؤدي إلـــى لــوائــح اتـهـام جدية، وجاء إلرضاء محكمة العدل الدولية. باختصار، هذه املجموعة الواسعة ال تريد احـــتـــر­ام الــقــانـ­ـون اإلســرائـ­ـيــلــي وال الـقـانـون الدولي. وتقول إنها ال تخشى أي عقاب من القانون اإلسرائيلي ألنها مدركة تمامًا أن أحـــدًا لـن يعاقبها على هــذا الـتـصـرف. فهي فــــوق الـــقـــا­نـــون اإلســرائـ­ـيــلــي ذاتــــه وال تعير القانون الدولي أي احترام. هــذه الذهنية تفسر أيضًا تصرف إسرائيل بما هي دولــة ال تحترم القانون الـدولـي وال مـواثـيـق دولــيــة وال حـقـوق إنــســان أساسية. إســرائــي­ــل اغــتــالـ­ـت فــــؤاد شـكـر فــي الضاحية الــجــنــ­وبــيــة لـــبـــيـ­ــروت، وإســمــاع­ــيــل هـنـيـة في قلب طهران غير مكترثة بأي قانون دولي أو عقاب. هـذه االغتياالت تأتي بعد أن أوضح صــنــاع الـــقـــر­ار فــي إســرائــي­ــل، بـلـسـان رئيس الــوزراء بنيامن نتنياهو وقبله وزيـر األمن يــوآف غـاالنـت وقـيـادات سياسية وعسكرية

أخـرى، أن إسرائيل سترد حتمًا على حادثة مـــجـــدل شـــمـــس. إســـرائــ­ـيـــل اســتــغــ­لــت حــادثــة مــــجــــ­دل شـــمـــس وبــــنـــ­ـت عـــلـــيـ­ــهـــا حـــجـــج الـــــرد العسكري. لكنها دأبــت على التوضيح أنها ال تــريــد لــهــذا الـــرد أن يـــؤدي إلـــى فـتـح حـرب واسعة أو شاملة في الشمال أو املنطقة. كذلك قالت اإلدارة األميركية إنها ال تريد توسع الــحــرب فــي جبهة الـشـمـال أو امــتــداد­هــا إلى حرب إقليمية. واهتمت املؤسسة العسكرية، بـــأذرعــ­ـهـــا املــخــتـ­ـلــفــة، مــنــهــا قــــيــــ­ادات حـالـيـة وقــــيـــ­ـادات ســابــقــ­ة ومـــراكــ­ـز أبـــحـــا­ث عسكرية وأمنية، بالتوضيح أن الجيش اإلسرائيلي غير مهيأ لخوض حرب واسعة في الشمال وأن ثمن ذلـك سيكون هـائـال على إسرائيل، عسكريًا وفــي الجبهة الـداخـلـي­ـة. التقديرات العسكرية اإلسرائيلي­ة كافة ادعت في األشهر األخيرة أن هناك نقصًا في املعدات العسكرية والـــــذخ­ـــــائـــ­ــر، وأن هــــنــــ­اك نـــقـــصـ­ــًا فــــي الـــقـــو­ى البشرية في الجيش اإلسرائيلي، وأن قدرات الـــجـــي­ـــش عـــلـــى الــــحـــ­ـرب فــــي جــبــهــت­ــن لـيـسـت كــبــيــر­ة. ال نــــدري إذا كــانــت هــــذه االدعـــــ­ـاءات تقصد التمويه أم أنها حقيقية، لكن الواضح

لـلـجـمـيـ­ع أن إســرائــي­ــل يـمـكـن أن تــدفــع ثمنًا بـــاهـــظ­ـــًا فــــي حـــــال انـــــــد­الع حـــــرب واســــعــ­ــة مـع حــــزب الـــلـــه قـــد تــتــوســ­ع إلــــى حــــرب إقـلـيـمـي­ـة. إسـرائـيـل غــيــرت فــي الشهر املــاضــي أسلوب الردود على الهجمات التي تلقتها من محور اإلسناد لغزة، إذ ردت بشكل عنيف جدًا على هــجــوم الـحـوثـيـ­ن بــطــائــ­رة مــســيــر­ة عـلـى تل أبــيــب ومـقـتـل إســرائــي­ــلــي، وهـجـمـت هجومًا

إسرائيل تسعى من وراء هذه االغتياالت إلى ترميم صورة الردع

قدرات إسرائيل في تجميع المعلومات والتجسس عالية جدًا

عنيفًا على ميناء الـحـديـدة اليمني ودمــرت مخازن النفط هناك. وفي ردهـا على حادثة مــجــدل شــمــس قــفــزت إســـرائــ­ـيـــل مــــرة واحــــدة على كل درجــات التصعيد واختارت واحـدة من أعلى درجات سلم الردود، بحيث قصفت الضاحية الجنوبية لبيروت وهي تعرف أن في هذا تخطيًا لكافة الخطوط الحمر. فكيف يمكنها اآلن أن ترد بدرجات أقل على أي رد قاس يمكن أن يقوم به حزب الله. تسعى إســرائــي­ــل مــن وراء هـــذه االغـتـيـا­الت والهجمات إلى ترميم صورة الردع املتآكلة مـــنـــذ الـــســـا­بـــع مــــن أكـــتـــو­بـــر/تـــشـــري­ـــن األول املـــاضــ­ـي. وتــرمــي املــؤســس­ــة الـعـسـكـر­يـة إلـى تحسن صورتها أمام املجتمع اإلسرائيلي بعد أن تراجعت بشكل كبير، وتريد تغيير مكانة إسرائيل االستراتيج­ية التي تزعزعت منذ السابع من أكتوبر وما لحقه من هجمات من محور اإلسناد. وتريد أن تثبت أنها ما زالت قادرة على تنفيذ ضربات قاسية فيها درجـات كبيرة من املغامرة، تقترب في هذه الحالة مـن املـقـامـر­ة. بـاإلضـافـ­ة لالعتبارات العسكرية االسـتـرات­ـيـجـيـة هـنـاك اعـتـبـارا­ت ملـصـالـح سـيـاسـيـة لـنـتـنـيـ­اهـو. فـهـو يسعى إلى ترميم مكانته السياسية والحفاظ على التحالف الـحـكـومـ­ي، وال يقل أهمية أنــه ال يريد أن يترك إرثًا سياسيًا سلبيًا، وأن يذكر في كتب التاريخ أنـه كـان مسؤوال عن أكبر إخــفــاق عـسـكـري وأمــنــي بـتـاريـخ إسـرائـيـل. لــذلــك يـــحـــاو­ل أن يـحـقـق مـــا يـمـكـن اعـتـبـاره إسرائيليًا إنــجــازا­ت عسكرية وأمـنـيـة، وأن يوصف بأنه رفض االنصياع ملطالب اإلدارة األمـيـركـ­يـة ولــقــيــ­ادات الـجـيـش اإلسـرائـي­ـلـي ولـلـمـعـا­رضـة اإلسـرائـي­ـلـيـة. مــن هـنـا رفضه الــتــوصـ­ـل إلــــى اتـــفـــا­ق لـــوقـــف الـــنـــا­ر وتـــبـــا­دل األسرى واملخطوفن اإلسرائيلي­ن في غزة. وقـــد بـــات واضـــحـــًا أن االغـــتــ­ـيـــاالت األخــيــر­ة ستوجه ضربة قاتلة لجهود الوساطة وقد تقضي على أي احتمال للتوصل إلى اتفاق بن إسرائيل و«حـمـاس». وهــذا يعني، مرة أخـــــرى، أن إســـرائــ­ـيـــل لـــم تــكــن مـعـنـيـة أصـــال بـالـتـوصـ­ل إلـــى اتــفــاق وأنــهــا تـخـتـار دائـمـا الحلول العسكرية والهروب إلى األمام. إســـرائــ­ـيـــل تـــعـــي تـــمـــام­ـــًا أنـــــه ســـيـــكـ­ــون هــنــاك ردود فـعـل قـاسـيـة عـلـى عـمـلـيـات االغــتــي­ــال، وأنـهـا ربما قامت بنفسها بربط الساحات وتــنــســ­يــق الــــــرد­ود مـــن طـــهـــرا­ن إلــــى صـنـعـاء عبورًا بالضاحية الجنوبية. وقد أوضحت الـتـجـربـ­ة مـنـذ الــســابـ­ـع مـــن أكــتــوبـ­ـر املـاضـي أن قــــدرات إســرائــي­ــل فــي تجميع املعلومات واملـعـطـي­ـات والـتـجـسـ­س عـالـيـة جـــدًا، بحيث كـــانـــت تــمــلــك كـــافـــة املـــعـــ­لـــومـــا­ت واملــعــط­ــيــات حول خطط «حماس» لتنفيذ هجوم السابع مـــن أكــتــوبـ­ـر، وأثــبــتـ­ـت أنــهــا تــعــرف وتــرصــد تـحـركـات الـقـيـادا­ت العسكرية اإليـرانـي­ـة في ســـوريـــ­ة واملــنــط­ــقــة، حـــن اغــتــالـ­ـت الــقــيــ­ادات الـــعـــس­ـــكـــريـ­ــة فــــي الــقــنــ­صــلــيــة اإليــــرا­نــــيــــ­ة فـي دمشق، وها هي تعود وتوضح أن بإمكانها أن تصل ألي شخصية عسكرية أو سياسية في املنطقة. إال أن إسرائيل أثبتت أيضًا أن تقييمها وتفسيرها للمعطيات وردود الفعل وتصرف الطرف املقابل لم يكن دائما دقيقًا، وأخطأت في العديد من الحاالت. فقد فشلت في تفسير نيات حركة حماس، وأخطأت في تقديرها لرد إيران على االغتيال في دمشق. عمليات االغتيال األخيرة ترسل رسالة بأن إسرائيل ال تخشى من حرب واسعة وشاملة في عدة محاور، وأنها مستعدة للسير لغاية حافة الهاوية، وأنها كانت تكذب حن تقول إنــهــا ال تــريــد حــربــًا واســـعـــ­ة، ومــعــهــ­ا أيـضـًا اإلدارة األميركية.

 ?? (عمير كوهين/رويترز) ?? معتقل سدي تيمان، 29 يوليو 2024
(عمير كوهين/رويترز) معتقل سدي تيمان، 29 يوليو 2024

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar