Al Araby Al Jadeed

كاماال هاريس الخيار األفضل للدول وشعوبها

- غازي دحمان

في آخـر أشهر تسبق االنتخابات األميركية، يـــتـــحـ­ــول الـــعـــا­لـــم كـــلـــه بــــطــــ­ة عـــــرجــ­ـــاء. تـتـوقـف التفاعات جميعها، وتتأجل أغلب املشاريع، فــــي انـــتـــظ­ـــار مـــعـــرف­ـــة ســـاكـــن الـــبـــي­ـــت األبـــيــ­ـض القادم، فلكل ساكن أسلوب في الحكم، وأدوات في التعاطي، وطرائق في إدارة األمور. وتبعا

ُّ لـذلـك، يــحــدد اآلخـــرون مواقفهم مـن القضايا الدولية، ويشكلون توقعاتهم للمرحلة املقبلة فــــي الـــســـي­ـــاســـة الــــدولـ­ـــيــــة. ومـــــع أن ســيــاســ­ات الواليات املتحدة الخارجية، وتجاه األزمات، بــــدأت تــأخــذ طــابــع اإلدارة أكــثــر مــن الـحـسـم، وبناء التحالفات، التي تدعم املوقف األميركي تـــجـــاه الــفــاعـ­ـلــني الـــدولــ­ـيـــني اآلخــــري­ــــن، الـصـني وروســـــي­ـــــا، لـــكـــن بــالــنــ­ظــر إلـــــى حـــجـــم الــتــأثـ­ـيــر األميركي في مسارح السياسة الدولية، فهي املــفــاو­ض، حتى لو من وراء الكواليس، الذي يــجــب أن يـــصـــاد­ق الــتــفــ­اهــمــات، والــخــصـ­ـم أو العدو الذي ال بد من مراعاة مصالحه الدولية في أي مكان في العالم، والصديق أو الحليف، الــذي تجب معرفة اتجاهات ريــاح سياساته حتى ال يصطدم بها. فـــي هــــذه اآلونـــــ­ـة، يـــبـــدو الــعــالـ­ـم مـنـقـسـمـ­ا بني مـــــن يــــفــــ­ضــــل كـــــامــ­ـــاال هـــــاريـ­ــــس ومــــــن يـــفـــضـ­ــل دونـــالــ­ـد تـــرامـــ­ب، مـــع تــرجــيــ­ح أكـــبـــر لـهـاريـس،

ُّ ألنها تتبع خطوطا سياسية أكثر وضوحا، واملـــــر­جـــــح أن ســيــاســ­اتــهــا ســـتـــكـ­ــون امــــتـــ­ـدادًا

لسياسات بايدن مع إدخال تغييرات تتناسب ومـــتـــغ­ـــيـــرات الــبــيــ­ئــة الــســيــ­اســيــة الـــدولــ­ـيـــة، ما يـعـنـي أن هـــاريـــ­س ســتــواصـ­ـل إدارة األزمــــا­ت العاملية التي ورثتها من مرحلة حكم بايدن، وإدارة الـتـوازنـ­ات العاملية القائمة، مـع سبغ سـيـاسـاتـ­هـا بـطـابـعـه­ـا الـــخـــا­ص، الــــذي يميل أكثر إلى التهدئة بقدر ما تسمح به قدراتها وصاحياتها التنفيذية. في املقابل، معروف عــــن تـــــرامـ­ــــب، عـــــدا عــــن تـــوجـــه­ـــاتـــه الــيــمــ­يــنــيــة املتطرفة ونزعته االنـعـزال­ـيـة، أنــه سياسي ال يمكن التنبؤ بسلوكه، وهذه إشكالية كبيرة، ال تواجه الحلفاء فقط، بل والخصوم بالدرجة األســــــ­ـاس، لـــذلـــك لــيــس مــســتــغ­ــربــا اإلحـــســ­ـاس بالخطر على السلم واألمــن الدوليني في ظل حكم ترامب، وإذا كانت استراتيجيا­ته معروفة الــــى حــــد مــــا، فـــــإن الـتـكـتـي­ـك الـــــذي يستخدمه فــي تنفيذ تـلـك االسـتـرات­ـيـجـيـات هــو الحلقة املفقودة في سياق بناء القدرة ملعرفة وتوقع خـطـواتـه الـقـادمـة. فعلى سبيل املــثــال، تـوعـد في رئاسته السابقة كوريا الشمالية بالويل والثبور، لكنه صار صديقا لكيم جون أونغ. ثم ماذا لو عادت قضية التصعيد النووي مع روسيا، كما ظهرت في األشهر األولى للحرب األوكرانية وأدارهـــا بايدن بحكمة، كيف كان سيتصرف ترامب حيالها؟ املؤكد أن ترامب، رغم ما يظهره من عشوائية وفــــجـــ­ـاجــــة، وســــلـــ­ـوك يـــقـــتـ­ــرب مــــن الــبــلــ­طــجــة، وحتى فوضوية في اتخاذ الـقـرارات، إال أنه يعرف تماما من يضرب ومن يهادن، فعندما أمـر باغتيال قائد فيلق الـقـدس فـي الحرس الثوري اإليراني، قاسم سليماني، كان لديه تقدير مسبق عن حدود الرد اإليراني، وعندما صعد مع الصني كان يعرف مسبقا أن الصني لن تذهب إلى حد بعيٍد في مواجهته، لوجود أولويات أكثر أهمية لديها من االنخراط في أي نوع من أنــواع الحروب في هذه املرحلة، وحـيـنـمـا صــعــد مــع االتـــحــ­ـاد األوروبـــ­ـــي كـان

مـــدركـــ­ا لضعف االتـــحــ­ـاد وقـــدراتـ­ــه املــحــدو­دة في تحدي الواليات املتحدة، وهـذا يعني أن ترامب، بعكس ما هو معروف عنه، يخضع فـــي الــغــالـ­ـب لـسـلـم أولـــويــ­ـات مـــعـــني، ويـعـرف كـيـف يـــوظـــف سـيـاسـاتـ­ه الـخـشـنـة فـــي إدارة األزمات. لذا، فإن املخاوف من ترامب يجب أن يشعر بها الضعفاء أكثر من األقوياء. يحيلنا ذلـك إلـى معرفة دور الـدولـة العميقة، وأثرها في صناعة القرارات واتجاه السياسات الــعــامـ­ـة، ومــحــدود­يــة مـسـاحـة تــحــرك الرئيس وحـــــــد­ود فـــعـــال­ـــيـــتــ­ـه. صــحــيــح أن لـــكـــل رئــيــس أمــيــركـ­ـي بـصـمـة فـــي الــســيــ­اســة، وثـــمـــة فـــوارق أكـيـدة بـني رئيس وآخـــر، لكن الـدولـة العميقة تؤثر بشكل كبير في جزء مهم من سياساته، ألنـــــهـ­ــــا تــــتــــ­ولــــى تــــقــــ­ديــــم الــــــخـ­ـــــيــــ­ــارات، وطـــــرح التفضيات، وتنفيذ مخرجات القرارات، وهي من يعرف حجم قـدرات الدولة، ومدى قدرتها في حشد املوارد، وتترك للرئيس اختيار أحد الخيارات التي تفضلها هي، واملثال على ذلك أنـــه عــنــدمــ­ا أصــــدر تـــرامـــ­ب قـــــراره بـقـتـل بــشــار األسد، عقب استخدامه الساح الكيماوي في خان شيخون (إبريل/ نيسان ،)2017 لم تنفذ وزارة الــدفــاع األمـيـركـ­يـة هـــذا األمــــر، وفرضت عــلــيــه خـــيـــارًا أخـــــر يــتــمــث­ــل بــتــوجــ­يــه ضــربــات صاروخية ملطار الشعيرات، الذي انطلقت منه الطائرات التي قصفت خان شيخون. ثــمــة بـعـض الــــدراس­ــــات الــتــي تــنــاولـ­ـت الــدولــة الــعــمــ­يــقــة فــــي أمـــيـــر­كـــا، انـــتـــه­ـــت إلـــــى خـــاصـــة

مــــفــــ­ادهــــا تــغــلــغ­ــل أصــــحـــ­ـاب وجــــهـــ­ـات الــنــظــ­ر الـديـنـيـ­ة والـسـيـاس­ـيـة فــي املــؤســس­ــات املـهـمـة مثل الخارجية والدفاع ووكالة االستخبارا­ت والـــبـــ­يـــت األبــــيـ­ـــض، وأغــلــبـ­ـهــم مـــن املـحـافـظ­ـني الجدد، الذين لهم رؤى وتصورات معروفة عن السياسة الدولية، وموقف الـواليـات املتحدة مــن قـضـايـاهـ­ا، ورغـــم أن للرئيس فــي النظام األمــيــر­كــي دورًا تـنـفـيـذي­ـا وتــشــريـ­ـعــيــا مــهــمــا، إال أن وجــــود هـــذه الـفـئـة ضـمـن مــراكــز صنع القرار والسياسة األميركية يلقي بظاله على دور الــرئــيـ­ـس، ويـصـنـع الــخــطــ­وط األسـاسـيـ­ة لـــســـيـ­ــاســـاتـ­ــه، ويــــتـــ­ـرك لــــه الــــتـــ­ـصــــرف بـبـعـض الــتــفــ­اصــيــل. مـــن هـــنـــا، نـــاحـــظ أن الــســيــ­اســة األمــــيـ­ـــركــــي­ــــة فـــــي آخـــــــر عــــشــــ­ر ســـــنـــ­ــوات بـــاتـــت مـــجـــرد مـتـابـعـة يــومــيــ­ة لـلـمـشـكـ­ات الــدولــي­ــة، أو «البستنة» كما يسميها املـــؤرخ الرئاسي تيموثي نـفـتـالـي، فــي مقابلة مـعـه فــي مجلة فورين أفيرز 22( يوليو/ تموز املاضي). رغـــــم ذلـــــــك، الــــجـــ­ـزء األكــــبـ­ـــر مــــن دول الـــعـــا­لـــم وشعوبه، وخصوصا في منطقتنا، وفي ما يخص القضية الفلسطينية، تفضل صراحة كــــامـــ­ـاال هــــاريــ­ــس عـــلـــى تـــــرامـ­ــــب، عـــلـــى األقـــــل تستطيع تشذيب سياسات الدولة العميقة، وربـــمـــ­ا مــواجــهـ­ـتــهــا، إذا دعــمــت سـيـاسـاتـ­هـا الــتــيــ­ارات الديمقراطي­ة والليبرالي­ة، بعكس حـــــال تــــرامــ­ــب، الــــــذي ســـيـــكـ­ــرس الـــتـــو­جـــهـــات املنحرفة في السياسة األميركية.

صحيح أن لكل رئيس أميركي بصمته، لكن الدولة العميقة تؤثر في جزء مهم من سياساته، ألنها تقدم الخيارات، وتنفذ مخرجات القرارات

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar