بحٌث في أحوال العالم عبر عدسٍة واقعية
«جمالية التلّقي في السينما الوثائقية» لقادري
كتاب جديد للزميل الجزائري عبد الكريم قـــادري يصدر حديثا: «جمالية التلقي في الـسـيـنـمـا الــوثــائــقــيــة» (مـــنـــشـــورات جـسـور الثقافة للنشر والتوزيع، السلسلة املعرفية ـ مهرجان أفـالم السعودية، الطبعة األولـى، .)2024 فيه سبعة أبواب مختلفة، لبعضها أقــســام عـــدة أيــضــا. فــي الــبــاب األول مبحث بعنوان «في البدء كان التسجيل والتوثيق»، هنا فقرات منه لتبيان مالمح أساسية يبني قادري عليها قراء ته النقدية للعالقة القائمة بـــني سـيـنـمـا غــيــر جـمـاهـيـريـة (الــوثــائــقــيــة) ومشاهدين ومشاهدات محتملني في مدن مختلفة. «السينما الوثائقية وسلطة املتلقي» يفتتح املـبـحـث هـــذا، إذ يكتب قــــادري الـتـالـي: «إذا أردنــــا تفكيك الـفـيـلـم الـوثـائـقـي إلـــى أجـــزاء، وحل شيفرته التي تربطه بالجمهور، لفهم املعادلة الكلية التي تجمع االثنني بوصفهما مرسا ومستقبال، ال بـد ان نتجاوز اآلليات القديمة، والبحوث الجاهزة، التي تقود ككل مرة إلى تراكمات املاضي الغابر، وما يخزنه مــن حـقـب زمـكـانـيـة منتهية، لـهـا مـبـرراتـهـا ومعطياتها املختلفة، في ظل الظروف التي أوجدتها وتكونت فيها، واملرتبطة أساسا بــأيــديــولــوجــيــات مـــدروســـة بـعـنـايـة فـائـقـة، لنعيد سـؤاال طـرح آالف املــرات، وعن طريق مــئــات األلـــســـن، بـصـيـغ مــتــعــددة ومختلفة، وهـــــو: هـــل قـــامـــت املـــخـــرجـــة األملـــانـــيـــة ليني رفــنــشــتــال بــخــلــق االســـتـــعـــراض الـعـسـكـري بـــمـــســـاعـــدة الـــــحـــــزب االشـــــتـــــراكـــــي الـــقـــومـــي (الـــــنـــــازي) فـــي فـيـلـمـهـا «انـــتـــصـــار اإلرادة» )1935( للقيام بدعاية عسكرية قوية؟». يضيف الزميل قــادري أن هـذا االستعراض الــعــســكــري نــفــســه «مــبــرمــج بــشــكــل مـسـبـق،
يُشِّوه المرء أحيانًا شيئًا ليحصل على روحه الحقيقية
تـــحـــقـــيـــقـــا لـــلـــســـيـــاســـة الــــدعــــائــــيــــة» لــلــحــزب الــــنــــازي، مــمــثــال بـغـوبـلـز «الـــــذي ســعــى إلــى تـحـقـيـق جـمـلـة مـــن الـــبـــرامـــج واإلصـــالحـــات فـــي الـسـيـنـمـا، حــيــث «أكـــــد مـــــرارًا أن الفيلم يجب أن يمارس تأثيرًا محسوسا «كعالقة الـسـبـب والـنـتـيـجـة»، وكــيـف يـجـب أن يـؤثـر على القلوب والـعـقـول، وأن هــدف السينما يـجـب أن يـكـون تحقيق فــن جـمـاهـيـري، فن
يخدم في وقت واحد أهداف الدولة، ويلبي االحــتــيــاجــات الـشـخـصـيـة الـــفـــرديـــة» (إريــــك فرينتشلر، «أملانيا النازية وما بعدها»، في: جيوفري نوويل سميث (محرر)، «موسوعة تاريخ السينما في العالم، السينما الناطقة 1930( ـ ،»)1960 املجلد الثاني، ترجمة أحمد يـــوســـف، مــراجــعــة هـــاشـــم الـــنـــحـــاس، املــركــز القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة األولـى، ،2010 صفحة .)508 فــي مقابل هـــذا، يختار عبد الـكـريـم قــادري مــخــرجــا وثــائــقــيــا آخـــــر، األمـــيـــركـــي روبــــرت فـــالهـــرتـــي، وفــيــلــمــه «نــــانــــوك مـــن الــشــمــال» ،)1922( لطرح السؤال الثاني عما إذا كانت عائلة نـانـوك، «التي تعيش في اإلسكيمو، تــــم تــدريــبــهــا بــشــكــل مــســبــق لــتــظــهــر بــذلــك الشكل في الفيلم»، ثم ينقل عنه قول له غير مباشر عن صناعة الفيلم الوثائقي بشكل عام، «كأنه يدافع عن فيلمه»، إذ يرى أن املرء يضطر غالبا «لتشويه الشيء حتى يحصل عـلـى روحــــه الـحـقـيـقـيـة» (لــــوي دي جـانـتـي، «فهم السينما ـ الفيلم التسجيلي»، ترجمة جعفر علي، «عيون املقاالت»، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، ،1990 صفحة .)24 بــالــنــســبــة إلـــــى مــــؤلــــف الـــكـــتـــاب، فــــــإن طـــرح الـــســـؤالـــني يـــفـــســـر عـــالقـــة الــفــيــلــم الــوثــائــقــي بـــالـــجـــمـــهـــور، وشـــــــرح احــــتــــيــــاجــــاتــــه: «هـــــذا األخير يبحث عن عمل يحاكي ما في قلبه من مآسي وانتكاسات وطموحات، وحتى أحالمه وكوابيسه»، لتكون النتيجة تحقيقا ملقولة «هذا ما يريده الجمهور». ذلك أنه ال يمكن التحدث عن صناعة الفيلم الوثائقي، وإبـراز عالقته بالجمهور «ونتجاهل ليني رفنشتال أو فالهرتي أو غيرهما»، فهؤالء هم «اآلباء املؤسسون». كتاب يقرأ، ففي مضمونه تحليل يحتاج إلى نقاش نقدي.