عواصف اليمين األوروبية تهّدد مراكب الهجرة
حـقـقـت األحــــزاب اليمينية املـتـطـرفـة أحــدث انــــتــــصــــاراتــــهــــا فـــــي انــــتــــخــــابــــات الــــبــــرملــــان األوروبــــــــــــي، وتــــلــــقــــى الــــرئــــيــــس الـــفـــرنـــســـي، إيــمــانــويــل مــــاكــــرون، واملــســتــشــار األملـــانـــي، أوالف شــولــتــز، أكــبــر ضــربــة لــهــمــا، بينما عــززت رئيسة الـــوزراء اإليطالية اليمينية، جـورجـيـا مـيـلـونـي، مكانتها بـفـوز حزبها «إخــــــــوة إيـــطـــالـــيـــا» بـــأغـــلـــب األصـــــــــوات فـي بــالدهــا. وسـيـكـون حــزب الشعب األوروبـــي أكبر تجمع سياسي في البرملان الجديد، ما يدعم أورســـوال فــون ديـراليـن لـواليـة ثانية فـــي رئـــاســـة املــفــوضــيــة األوروبـــــيـــــة، لكنها ستحتاج دعم اليمن إلكمال مسيرتها. وفي ظل هذه النتائج، تواجه دول االتحاد األوروبي خالفات بارزة تشمل عدة جوانب أساسية. في السياسة االقتصادية واملالية، تختلف الـــدول حــول كيفية تـوزيـع مـوازنـة االتــــحــــاد، حــيــث تـــدعـــو دول، مــثــل فــرنــســا، إلـــى زيــــادة اإلنــفــاق عـلـى الــتــحــول األخـضـر والـــدفـــاع، بينما تـفـضـل دول، مـثـل أملـانـيـا وهـــولـــنـــدا، الــتــحــفــظ املــــالــــي. فـــي الـسـيـاسـة الـخـارجـيـة، تتباين املــواقــف تـجـاه روسـيـا والـــصـــن، حـيـث تـتـبـنـى دول شـــرق أوروبــــا موقفًا صارمًا تجاه روسيا، بينما تبقى دول أخرى في حالة تذبذب. كما تتباين الرؤى البيئية بـن الـــدول، فـي مـا يتعلق بـأهـداف خفض الكربون وأزمة الطاقة، حيث تسعى بعض الــدول إلـى تحقيق طموحاٍت بيئيٍة عالية، بينما تعتمد أخرى بشكل كبير على الــوقــود األحــفــوري. تشمل الخالفات أيضًا قـضـايـا الــتــوســعــة وانــضــمــام دول جــديــدة، وســــيــــادة الـــقـــانـــون والـــديـــمـــقـــراطـــيـــة، حيث يتصادم االتـحـاد مـع بولندا واملـجـر بشأن احـتـرام القيم الديمقراطية. وفـي السياسة الصناعية والـتـجـاريـة، تختلف الـــدول بن داعمي التجارة الحّرة واملحافظن. أهــــــــم الــــخــــالفــــات الـــــــبـــــــارزة، والـــــتـــــي يــمــكــن اعـــتـــبـــارهـــا أحــــــد أســــبــــاب صــــعــــود الــيــمــن املـــتـــطـــرف بــشــكــل مــخــيــف فـــي أوروبـــــــا، هي مسألة اللجوء والـهـجـرة، التي اشـتـدت مع أزمــة اللجوء الناتجة عن الـنـزوح السوري عــــام 2015 إثــــر تـــدخـــل روســـيـــا إلــــى جـانـب النظام السوري وتهجير مالين السورين باتجاه الشمال، بسبب القصف والعمليات العسكرية. وصــل حينها إلــى أراضـــي دول االتــحــاد نـحـو 1.3 مـلـيـون مـهـاجـر والجـــئ. كـــانـــت هــــذه أكـــبـــر مـــوجـــة هـــجـــرة فـــي الــقــرن الـــحـــادي والــعــشــريــن، بـعـد هـــجـــراٍت سـابـقـٍة شهدتها أوروبــــا، مثل هـجـرة نحو مليون جزائري إلى فرنسا خالل حرب االستقالل وبعدها. في التسعينيات، تسببت حروب البلقان في نزوح نحو 3.2 مالين شخص من يوغوسالفيا السابقة. استقبلت أملانيا مئات آالف العمال األتـــراك فـي الستينيات والسبعينيات بموجب اتفاقيات العمالة املــهــاجــرة، وأصــبــحــوا جـالـيـة تـــقـــدر بثالثة مــــاليــــن. كـــمـــا شــــهــــدت فـــرنـــســـا وإســـبـــانـــيـــا وهولندا هجرة حوالي 2.1 مليون شخص من املغرب بحثًا عن فرص اقتصادية أفضل. أدت الهجرات إلى أوروبا في القرن العشرين إلى تأثيراٍت سياسيٍة كبيرة. دفعت تدفقات املهاجرين الحكومات إلى صياغ ِة سياسا ِت هــــجــــرٍة ولــــجــــوٍء جــــديــــدة وتـــطـــويـــر بـــرامـــج إعـادة التوطن. زادت موجات الهجرة دعم األحزاب اليمينية املتطرفة في دول أوروبية اســـتـــغـــلـــت مــــخــــاوف الـــســـكـــان مــــن الــهــجــرة للضغط مــن أجـــل ســيــاســات أكــثــر تقييدًا، ما أدى إلـى تـوتـراٍت اجتماعيٍة وسياسية. فـي فـرنـسـا، وقـعـت مـجـزرة أكـتـوبـر )1961( فــي بــاريــس بـحـق الــجــزائــريــن. فــي اململكة املـتـحـدة، عـانـى مـهـاجـرو الكومنويلث من العنف العرقي مثل شغب نوتينغ هيل عام .1958 شهدت أملانيا هجمات دامية عديدة ضد األتــراك واملهاجرين من أصــول تركية، أبرزها حريق زولينغن في 1993 الذي أسفر عــن مـقـتـل خـمـسـة أفــــراد مــن عــائــلــة تـركـيـة، وحريق مولن في 1992 الذي أدى إلى مقتل ثـــالثـــة أتـــــــراك، وســلــســلــة هــجــمــات نـفـذتـهـا مجموعة النازين الجدد )NSU( بن عامي 2000 ،2007و والتي أسفرت عن مقتل عشرة أشخاص معظمهم من األتراك. ولم تحصل موجات عنف بعد موجة الهجرة في 2015 باملستوى نفسه، لكنها أسهمت في زيـادة الــــتــــوتــــرات االجـــتـــمـــاعـــيـــة والـــســـيـــاســـيـــة فـي أوروبا. على سبيل املثال في هاناو بأملانيا، قتل تسعة أشخاص في هجوم على مقاهي الشيشة عام .2020 في السويد، أسفر هجوم مـدرسـة كـرونـان عــام 2015 عـن مقتل ثالثة أشخاص، معظمهم من الطالب املهاجرين. ويمكن أن نضيف هجوم نيوزيلندا، هجوم كرايست تشيرش على مسجدين عام 2019 الـــذي أسـفـر عــن مقتل 51 شـخـصـًا، ارتكبه
ِّ مـــتـــطـــرف يــمــيــنــي مـــتـــأثـــر بـــخـــطـــاب مـــعـــاد لـلـهـجـرة. عـلـى الـصـعـيـد الــســيــاســي، كـانـت الهجرة أحــد األسـبـاب الرئيسية النفصال بــريــطــانــيــا عـــن االتــــحــــاد األوروبـــــــــي، حيث رفعت شعارات تثير خوف البريطانين من وصـول املهاجرين إليهم. في دول االتحاد، كان صعود اليمن املتطرف، واليمن بشكل عــــام، الــثــمــرة األبـــــرز، وتــوجــهــت الــــدول إلـى تشديد سياسة اللجوء لديها إلــى أن كان نـتـيـجـة ذلــــك تــحــديــث مــيــثــاق الـــهـــجـــرة في ربيع العام الجاري، الذي سينهي بتطبيقه عـصـر الـلـجـوء إلـــى الـــقـــارة الـعـجـوز ويــعــزز «قلعة أوروبا». وقالت منظمات أوروبية إن امليثاق الجديد سيكون له تداعيات مدمرة عـــلـــى الــــحــــق فــــي الـــحـــمـــايـــة الـــدولـــيـــة داخــــل االتحاد األوروبي، ويعطي الضوء األخضر لالنتهاكات فـي جميع أنـحـاء أوروبــــا، بما في ذلك التنميط العرقي واالحتجاز الفعلي والـــدفـــع الـعـكـسـي .)pushbacks( ستتحول حــــدود االتـــحـــاد األوروبــــــي الــخــارجــيــة إلــى مـــعـــســـكـــرات احـــتـــجـــاز كـــمـــا يــحــصــل حــالــيــًا فـــي جــــزر بــحــر إيــجــة الــيــونــانــيــة، ولــــن يتم اعتبار طالبي اللجوء على أراضي االتحاد األوروبــــــي بـمـوجـب «االفــــتــــراض الـقـانـونـي لــعــدم الــــدخــــول»، مـــا يــحــرم املــهــاجــريــن من الــحــمــايــة الـــقـــانـــونـــيـــة. حــتــى األطــــفــــال غير املــصــحــوبــن يـمـكـن إخــضــاعــهــم إلجـــــراءات الـحـدود واحتجازهم فعليًا عندما تعتبر السلطات أنهم يشكلون «خطرًا على األمن القومي أو النظام العام». ومن خالل توسيع مبدأ «الـدولـة الثالثة اآلمـنـة»، ستتم زيـادة عمليات الترحيل إلــى دول خــارج االتحاد األوروبــــــي عــلــى أســــاس اتــفــاقــيــات مـــع تلك الدول. كما يتضمن امليثاق زيادة استخدام تقنيات املراقبة في جميع مراحل إجراءات الهجرة واللجوء، ما يمثل خطوة أبعد في املراقبة الجماعية للمهاجرين واألشخاص املــلــونــن. سـيـجـري نـشـر تكنولوجيا أكثر تدخال عند الحدود وفي مراكز االحتجاز، وسيتم جمع البيانات الشخصية لألفراد بكمياٍت كبيرٍة وتبادلها بن قواِت الشرطة عبر االتحاد األوروبـي، أو استخدام أنظمة الـــتـــعـــريـــف الـــبـــيـــومـــتـــري لـــتـــتـــبـــع تـــحـــركـــات األشخاص وزيــادة الرقابة على املهاجرين
غـــيـــر املــــوثــــقــــن. يـــســـمـــح أيــــضــــًا بــمــالحــقــة مــواطــنــن أوروبــــيــــن ومــنــظــمــات أوروبـــيـــة غير حكومية في حـال تقديم مساعدة إلى املـهـاجـريـن طـالـبـي الــلــجــوء. رغـــم التشديد غير املسبوق في اللوائح الجديدة، لم تعول دول أوروبــيــة تـسـلـم فيها اليمن واليمن املــتــطــرف دفــــة الـحـكـم عـلـيـه، وراحــــت تشق طريقها في تشكيِل تحالفاٍت داخل االتحاد يجمعها العداء للمهاجرين. في مايو/ أيار املاضي، عقد وزراء خارجية كل من التشيك، قبرص، الدنمارك، اليونان، إيطاليا، مالطا، وبولندا اجتماعًا في نيقوسيا، عبروا فيه عن التزامهم بإعادة تقييم أساليب التعامل مــع الــالجــئــن الــســوريــن ونــاقــشــوا خططًا تـركـز على إعـــالن مناطق آمـنـة فـي سورية لــــعــــودة املـــهـــاجـــريـــن. تــــطــــورت خـــطـــوات ما يمكن تسميتها «مـحـور قـبـرص» إلـى فتح قـنـوات تـواصــل مـع النظام الـســوري خـارج مـظـلـة االتــحــاد األوروبـــــي. تـحـدثـت تقارير إعالمية عن زيارة رؤساء أجهزة املخابرات اإليطالية والـرومـانـيـة، وحـتـى القبرصية، دمشق لبحث إعادة الالجئن مقابل وعود بتخفيف العقوبات. على املستوى الوطني، تــضــمــن إعـــــالن اتـــفـــاق األحـــــــزاب الـيـمـيـنـيـة الـــهـــولـــنـــديـــة مــــع املـــتـــطـــّرف خـــيـــرت فــيــلــدرز على تشكيل حكومة، تقديم طلب لالتحاد األوروبــــــي، بغية االنــســحــاب مــن اتفاقيات الـهـجـرة وقـوانـيـنـهـا، بــاإلضــافــة إلـــى زيـــادة مـــــدة االنـــتـــظـــار لــلــحــصــول عــلــى الـجـنـسـيـة الـهـولـنـديـة إلـــى عـشـر ســنــوات مــع اشــتــراط التخلي عـن أيـــة جنسية أخـــرى. وسيطلب مــــن املـــهـــاجـــريـــن مـــعـــرفـــة مـــحـــرقـــة الـــيـــهـــود كـجـزء مـن عملية االنــدمــاج. وإعـــالن قانون «أزمــة اللجوء»، ويعني ذلـك إيقاف دراسـة الـطـلـبـات عــامــن. سـبـق ذلـــك إقــــرار الـبـرملـان الفرنسي قـانـون الـهـجـرة بـشـروطـه املثيرة للجدل، وقـبـول أملانيا ترحيل الجئن إلى سورية وأفغانستان، إذا ارتكبوا الجرائم. وثمة خطوات أخرى قد تتخذها البالد بعد
َّ انـتـخـابـات الــعــام املـقـبـل الـتـي يـتـوقـع فيها صعود اليمن إلى سدة الحكم. اســـتـــطـــاع الــيــمــن املـــتـــطـــرف إجــــبــــار الــقــوى الـــســـيـــاســـيـــة األوروبــــــيــــــة عـــلـــى االســـتـــســـالم لــشــروطــه وتــقــديــم تــــنــــازالت ظــنــا مـنـهـا أن ذلــــك يــحــرمــه جـــــزءًا مـــن قــاعــدتــه الـشـعـبـيـة، لكن الحقيقة أن هـذه الـتـنـازالت لـم تــؤد إال إلـى تعزيز نفوذ اليمن املتطرف وإضفاء شــرعــيــة عــلــى أفـــكـــاره ومـــواقـــفـــه املـــتـــشـــددة. وبـــــدال مـــن احـــتـــواء تــأثــيــره، جـــرى تمكينه مـــن االســـتـــمـــرار فـــي نــشــر خــطــاب الـكـراهـيـة وكسب مزيد من املؤيدين في غياب خلفاء لـــويـــنـــســـتـــون تــــشــــرشــــل، تــــشــــارلــــز ديـــغـــول ومارغريت تاتشر، فرانسوا ميتران، وحتى أنجيال ميركل.
استطاع اليمين المتطرف إجبار القوى السياسية األوروبية على االستسالم لشروطه وتقديم تنازالت ظنًا منها أن ذلك يحرمه جزءًا من قاعدته الشعبية
كانت الهجرة أحد األسباب الرئيسية النفصال بريطانيا عن االتحاد األوروبي، حيث رفعت شعارات تثير خوف البريطانيين من وصول المهاجرين إليهم