Al Araby Al Jadeed

كشف حساب االقتصاد في االنتخابات األميركية

- شريف عثمان

يلتقي الرئيس األميركي جو بايدن منافسه املحتمل الجمهوري والـرئـيـس األمـيـركـ­ي الـسـابـق دونــالــد تــرامــب يــوم الخميس في مــنــاظــ­رة سـتـكـون األولـــــ­ى، وجــهــا لـــوجـــه، بـــن املـتـنـاف­ـسـن، منذ أكتوبر/تشرين األول ،2020 عندما التقيا في املناظرة األخيرة في االنتخابات الرئاسية السابقة في ناشفيل بوالية تينيسي، قبل أن يحسم بايدن السباق لصالحه. ورغم االنقسامات الكبيرة التي تسيطر على الناخبن، قبل أقل من خمسة أشهر على موعد االنتخابات، تشير التوقعات إلى أن القضايا االقتصادية، وفي مقدمتها التضخم وخلق الوظائف وإنــتــاج الـنـفـط والـــديــ­ـون، سـيـكـون لـهـا الكلمة العليا فــي حسم النسبة الكبرى من أصوات الناخبن، وهو ما يتوقع أن يظهر في اللقاء املنتظر هذا األسبوع. ويمثل مـعـدل التضخم القضية االقـتـصـا­ديـة املـركـزيـ­ة لحملة الحزبن وممثليهما، وقد أدت أهمية املوضوع إلى إطالق ادعاءات كاذبة من كال الجانبن. وفي حن يتمتع ترامب بميزة واضحة في هذه القضية، إال أنه أطلق في أكثر من مناسبة تصريحات ال تبدو قريبة من الواقع، إذ نقلت وسائل إعالم عنه في مرة قوله إن التضخم «يستنزف ما بن %30 إلـى %50 من كـل دوالر يملكه املواطن». وعلى الجانب اآلخـر، يميل بايدن إلى التمسك بالحقائق، لكنه يقدم في بعض األحيان مبالغاته الخاصة. وفي مقابلة أجريت معه مؤخرًا، كرر ادعاء كاذبا بأن التضخم «كان عند مستوى %9 عندما وصل إلى البيت األبيض». وال شــك أن كــال االدعـــاء­يـــن خــاطــئــ­ان، إذ بـلـغ ارتـــفـــ­اع األســعــا­ر حتى اآلن ما يقرب من %20 إجماال منذ أن أدى بايدن اليمن الدستورية. ومن أجل املقارنة، ارتفعت األسعار بما يقل قليال عـــن %7.8 خــــالل الـــســـن­ـــوات األربـــــ­ع الــتــي قــضــاهــ­ا تـــرامـــ­ب في الرئاسة. وكان معدل التضخم على أساس سنوي عندما تولى بايدن منصبه ،%1.4 وليس 9%، قبل أن يرتفع إلى %9.1 في يــونــيــ­و/حــزيــران .2022 وسـجـل مـعـدل التضخم الـحـالـي على أساس سنوي معدل %3.3 في مايو/أيار، بانخفاض طفيف عن معدل %3.4 الذي تم تسجيله في الشهر السابق. ويـــأتـــ­ي خـلـق فـــرص الـعـمـل قـضـيـة أخــــرى فـــي قـلـب املــنــاظ­ــرات االقــتــص­ــاديــة خـــالل الــفــتــ­رة املـتـبـقـ­يـة قـبـل انـــطـــا­لق االنـتـخـا­بـات الرئاسية، فقد شهدت سوق العمل رحلة شديدة التقلب خالل السنوات األخــيــر­ة. وتشير إحــصــاءا­ت مكتب العمل األميركي إلى أن االقتصاد األميركي أضاف وظائف بشكل مطرد خالل السنوات الثالث األولـى من إدارة ترامب، فيما اعتبر استمرارا لـالتـجـاه الـــذي شـهـدنـاه فــي عـهـد بــــاراك أوبـــامــ­ـا، سـلـف تـرامـب املباشر. لكن في العام األخير لترامب في البيت األبيض ،)2020( واجهت ســوق العمل األميركية اضـطـرابـا­ت شـديـدة خــالل فترة ظهور وانتشار جائحة كوفيد-91، حن أغلق االقتصاد، وفقدت أكثر من 20 مليون وظيفة في شهر واحد. بعد ذلـك بـدأت السوق في التعافي، واستمر ذلـك لفترة طويلة، بالتزامن مع وصول بايدن للبيت األبيض، وإشرافه من ثم على آليات تلك العملية. ويشهد االقتصاد األميركي حاليا انتعاش الـوظـائـف على نحو تـجـاوز مستويات مـا قبل كــوفــيــ­د-91، إذ سجلت الوظائف املضافة أعلى مستوياتها على اإلطالق. وكما حدث في الفترة التي سبقت كل انتخابات للرئاسة خالل العقود الثالثة األخيرة على أقل تقدير، كانت الطاقة قضية أخرى تسيطر على أدمغة الناخبن هذا العام، فقد اعتاد ترامب القول إن بـايـدن «سـحـق» صناعة الـنـفـط، ويـعـد الـجـمـهـو­ري بجعلها أولوية اليوم األول إذا فاز. ويـــرى مـوقـع يـاهـو فـايـنـانـ­س أن قـصـة إنــتــاج الـنـفـط الــخــام في الواليات املتحدة على مدى السنوات الثماني املاضية ليست بهذه البساطة، إذ تنتج الواليات املتحدة حاليا كميات من النفط أكبر مـن أي دولــة أخــرى فـي الـتـاريـخ، وهــو مـا قـد يلقي بظالله غير املريحة لكل من ترامب وبايدن. فبالنسبة لترامب، يتعارض هذا مع ادعائه املتكرر بـأن الـواليـات املتحدة في عهد بايدن «أنهت التنقيب عن النفط وإنتاجه»، خاصة وأن األرقام تظهر أن األخير قد منح تصاريح للتنقيب عن النفط بأعداد تفوق ما فعله سلفه. أما بالنسبة لبايدن، فإن زيادة إنتاج النفط خالل فترة رئاسته لــن تـجـد صـــدى مـحـمـودًا مــن داعــمــيـ­ـه، الــذيــن يشكل املهتمون بالبيئة نسبة ال يمكن إغفالها منهم. وتـأتـي الـديـون األميركية املتضخمة فـي مرتبة متقدمة أيضا ضمن القضايا االقتصادية التي يتوقع لها أن تشعل سباق االنتخابات، فقد دفع كل من املتنافسن «الحدود املستخدمة من بطاقة االئتمان األميركية إلى آفاق جديدة. وارتفع الدين بنحو 8 تريليونات دوالر خالل فترة وجود ترامب في البيت األبيض، بينما أضاف بايدن 6.4 تريليون دوالر أخرى حتى اآلن. وفي اإلجمال، تضخم الدين الوطني األميركي بما يتجاوز %70 على مدى األعوام السبعة ونصف املاضية، وهو الرقم القياسي الذي كان محبطا بعض الشيء بالنسبة لصقور وضع امليزانية داخل الكونغرس األمـيـركـ­ي، رغــم التسليم بــأن العديد مـن الـرؤسـاء السابقن كان لهم دور أيضا في ارتفاع عجز املوازنة األميركية. وكانت تخفيضات ترامب الضريبية لعام ،2017 والتي تعهد بتجديدها إذا فــاز، قـــرارا باهظ التكلفة لـــإدارة األميركية، إذ تظهر الحسابات أن تكلفته لم يتم االنتهاء من سدادها حتى اآلن، بينما يستمر العجز السنوي في تسجيل أعلى مستوياته عـلـى اإلطـــــا­لق. وعــلــى الــجــانـ­ب اآلخــــر، كــانــت بـعـض الـتـحـركـ­ات فـي عهد بـايـدن، كالجهود املبذولة إلعـفـاء الـطـالب مـن ديونهم الـفـيـدرا­لـيـة، وأيــضــا خطة إنــقــاذ أمـيـركـا لـعـام ،2021 مساهما واضحا في ارتفاع العجز، ومن ثم املديونية، في عهده. وأشــــرف بــايــدن عـلـى انـخـفـاض الـعـجـز الـسـنـوي فــي الـسـنـوات األخــيــر­ة، مـع انـتـهـاء صالحية جــزء كبير مـن اإلنــفــا­ق املرتبط بالجائحة، لكن الدين األسـاسـي استمر في االرتـفـاع، حتى أن الفوائد املدفوعة على الديون األميركية تجاوزت ميزانية الدفاع األميركية العمالقة مؤخرا. كل هذه القضايا تؤكد أن كال املتسابقن له إيجابيات وسلبيات في أغلب القضايا االقتصادية، إال أن الصورة العامة لدى الناخب األميركي تميل لتفضيل عودة ترامب إلى البيت األبيض. فهل ينجح بايدن في إنقاذ ما يمكن إنقاذه خـالل الفترة املتبقية؟ أشك في ذلك!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar