Al Araby Al Jadeed

عن الجيش األكثر إجرامًا

- عيسى الشعيبي

في زحمة األخبار املتالحقة تزيغ األبصار، وتقطع األنفاس. غاب عن اإلعالم والرأي

ُّ العام التقرير األممي املهم جدًا، الصادر منذ أسبوع عن لجنة التحقيق املكلفة من مجلس حقوق اإلنسان، التابع لألمم املتحدة، كما لم يحظ املؤتمر الصحافي املطول، الذي عقدته في جنيف مقررة لجنة التحقيق الدولية، بما يستحقه من متابعات، ونقاشات موضوعية، عن فحوى هـذا التقرير، في 250 صفحة حافلة بالوقائع الجرمية املوثقة باألسماء واألماكن والتواريخ املتعلقة باالنتهاكا­ت املرتكبة بأيدي جيش االحتالل في غزة، منذ يوم 7 أكتوبر .)2023( أول ما يثلج الصدر في هذا التقرير، املشغول بمهنية فائقة، إطاحته ترهات قادة االحتالل وسدنة إعالمه، عن امتالكهم أكثر الجيوش أخالقية في العالم، وإنهاء هذه الكذبة التي ازدادت سماجة في غمرة اقتراف جريمة حرب اإلبادة الجماعية، املنقولة من عني املكان بالصوت والصورة، إذ شخص تقرير اللجنة، املؤلفة من رجال قانون محترفني، ومحققني محايدين، الجيش اإلسرائيلي بأنه أكثر الجيوش إجرامًا، نظرًا إلى مقارفته جرائم حرب وجرائم ضد اإلنسانية، بمنهجية متعمدة، رافقتها دعوات تحريض على القتل واالستئصال العرقي، فاضت بها ألسنة قادة املذبحة. ويمكن اعتبار هذا التقرير الذي أسهب من دون تزيد في جالء صورة الواقع الغزي، القائم كما هو، على أنه وثيقة تاريخية عظيمة انصفت الشعب الفلسطيني، وعززت شرعية كفاحه الوطني وعدالة قضيته املركزية، بنحو فاق بكثير ما فعلته كل لجان التحقيق األممية السابقة، األمر الذي يشكل رافعة أخرى من روافع النضال متعدد األشكال في طريق انتزاع الحقوق غير القابلة للتصرف أو التقادم، بما في ذلك الحق في تقرير املصير. وشكل التقرير الصادر في زمن يقظة الضمير العاملي، فرصة مالئمة لالستثمار في سياقاته الواعدة، والبناء على مضامينه الثرية، وثيقة إدانـة غير مسبوقة، في نصها وروحها ضد دولة االحتالل املجنونة، وبنى صك اتهام غير قابل للتأويل والدحض، الـذي يفتح سبيال، أوسـع من أي وقت مضى، ملحاصرة الدولة املارقة، عزلها ونبذها، وربما تعليق عضويتها في األمم املتحدة، ومالحقتها في كل املنظمات الدولية وامليديا واألكاديمي­ا، وقدام الرأي العام، وأمام العدالة الدولية، مقدمة لنزع الشرعية عنها، وتفكيك بنيتها االستعماري­ة اإلجرامية. ولعل أثمن االستخالصا­ت األولية املبثوثة بني ثنايا إحاطة اللجنة األممية، على هامش اجتماع ملجلس حقوق اإلنسان، إشارة اللجنة بوضوح إلى أن أشد ما لدى االحتالل من أسلحة فتاكة، ليست الصواريخ الذكية وال القذائف واملدفعية الدقيقة، وإنما العقلية اإلجرامية املستحكمة في سلوك الضباط والجنود املدججني بنزعة الكراهية السوداء، وبدافع االنتقام. في أي حال، ليست دمغة «أكثر الجيوش إجرامًا في العالم» من بنات أفكار كاتب غاضب أو خيال روائـي، وإنما هي ماركة مسجلة وبـراءة اختراع حصرية، أو قل وصمة عار أبدية لدولة أفلتت العقال آللتها الحربية املتوحشة، ومنحتها رخصة اإلبادة الجماعية على رؤوس األشهاد، وهذه كبيرة أخرى من كبائر قتلة األنبياء واألطفال والنساء، لن تنجو من عقابيلها، ولن يجري التسامح معها أو تناسيها، وبالتالي، ال مفر مـن دفــع استحقاقاته­ا، مهما طــال الـوقـت، ومهما غـرهـا سمك الحائط األميركي اآليــل للسقوط، بعد غــروب شمس الكهول الطاعنني في السن والنفاق والعجرفة، في اإلدارة، ومجلسي الشيوخ والنواب معًا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar