هجمات داغستان... اتهام أوكرانيا وأميركا ليس محل إجماع
على الرغم من أن هجمات داغستان بدت فرصة التهام روسي جديد ألوكرانيا بتدبيرها، غير أن مواقف دعت لالعتراف بوجود مشاكل في الداخل الروسي
شهدت داغستان، طيلة أول من أمس األحد، هجمات دامية استهدف كنيسة أورثوذكسية وكنيسا يـهـوديـا، أودى بحياة 20 شخصا، بينهم 15 من عناصر الشرطة، و64 جريحا، بــاإلضــافــة إلـــى خـمـسـة مــهــاجــمــي. وأعـلـنـت جمهورية داغـسـتـان، ذات الحكم الـذاتـي في روسيا، أمس االثني، الحداد ثالثة أيام على ضحايا الهجوم. وأعلنت السلطات الروسية صباح أمس االثني، انتهاء املرحلة النشطة مــن «عملية مكافحة اإلرهـــــاب» فــي عاصمة جــمــهــوريــة داغـــســـتـــان مــحــج قــلــعــة ومــديــنــة ديربينت، الواقعتي على ساحل بحر قزوين، في منطقة شمال القوقاز الروسي املضطربة، الـــتـــي تــقــطــنــهــا غــالــبــيــة مــســلــمــة، وبـــاشـــرت تحقيقا قضائيا بموجب مــواد فـي القانون الـــجـــنـــائـــي الـــــروســـــي، عـــلـــى أســــــاس «هـــجـــوم إرهـابـي وتخزين وشــراء أسلحة بشكل غير قانوني». وفـي حي ســارع مسؤولون روس إلـــى تـوجـيـه أصــابــع االتـــهـــام نـحـو أوكــرانــيــا وأميركا ودول حلف شمال األطلسي «ناتو» بشأن هجمات داغستان إال أن آخرين رفضوا هــــذا الـــتـــوجـــه. وأشـــــــادت الــجــمــاعــة الــتــابــعــة لتنظيم «داعـــش» في أفغانستان بمجريات هجمات داغــســتــان»، معتبرة أن «إخـــوة في القوقاز أظهروا أنهم ما زالـوا أقوياء»، وفقا لـوكـالـة أسوشييتد بـــرس. غير أنــه لـم يعلن أحــد بعد املـسـؤولـيـة عــن هجمات داغستان صــراحــة. وأظــهــر توقيت هجمات داغستان
وتـــزامـــنـــهـــا بـــأنـــهـــا كـــانـــت مــنــســقــة ومـخـطـط لها سـابـقـا. فـي ديـربـنـت، املـديـنـة السياحية الــتــاريــخــيــة واملـــدرجـــة ضــمــن مـــواقـــع الــتــراث الــــعــــاملــــي لـــلـــيـــونـــســـكـــو وتــــضــــم مـــــا بـــــي 300 400و عـــائـــلـــة يـــهـــوديـــة، أضــــــرم املــهــاجــمــون الـــنـــار فـــي كـنـيـس يـــهـــودي بـعـد إطــــالق الـنـار وقتل ضباط الشرطة املسؤول عن حمايته، حسبما ذكر بيان صدر عن املؤتمر اليهودي الروسي. كما قتل املهاجمون القس نيكوالي كوتيلنيكوف، حسبما أفـــاد متحدث باسم الـكـنـيـسـة األرثــوذكــســيــة الــروســيــة. وشملت أهـــداف املهاجمي أيـضـا كـاتـدرائـيـة صعود العذراء في محج قلعة، ومعبدًا يهوديا، وفقا للمؤتمر اليهودي الروسي. وبالتزامن فتح مسلحون النار أيضا النار على مركز لشرطة املـــرور فـي محج قلعة. ومـسـاء األحـــد أيضا، تــعــرضــت ســـيـــارة لــلــشــرطــة إلطـــــالق نــــار في بلدة سيرغوكاال 80( كيلومترًا جنوبي محج قــلــعــة)، أثـــنـــاء تــوجــه الــشــرطــة للتحقيق مع ماغوميد عمروف رئيس املنطقة التي تحمل اســـم الــبــلــدة، بـعـد ورود أنـــبـــاء عـــن مـشـاركـة اثني مـن أبنائه فـي الهجوم ومقتلهما في محج قلعة. وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها وزارة الـداخـلـيـة الـداغـسـتـانـيـة مسلحي في مـحـج قـلـعـة، وهـــم يطلقون الــنــار ويـجـبـرون الناس على الخروج من سياراتهم. ووصف حاكم داغستان، سيرغي ميليكوف، الحادث بــأنــه «مــحــاولــة لــزعــزعــة اســتــقــرار الــوضــع»، مضيفا في تصريحات صحافية أنـه «نفهم مــن يـقـف وراء تنظيم الـهـجـمـات اإلرهــابــيــة والهدف الـذي كانوا يسعون إليه». وقـال إن قـــوات أجنبية شــاركــت فــي اإلعــــداد للهجوم فـي «مـحـاولـة لتفكيك وحـدتـنـا». مـن جهته، وصف املبعوث الرئاسي املفوض إلى منطقة شـــمـــال الـــقـــوقـــاز الــفــيــدرالــيــة يـــــوري تـشـايـكـا هجمات داغستان بأنها محاولة لتقويض الوضع في املنطقة وشمال القوقاز. وسارع عضو مجلس الدوما (البرملان) الروسي عن جمهورية داغستان عبد الحكيم غادجييف إلى توجيه أصابع االتهام إلى االستخبارات األوكــرانــيــة واســتــخــبــارات دول حـلـف شمال األطــــلــــســــي «نـــــــاتـــــــو». بــــــــــــدوره، كـــــــان رئـــيـــس
لجنة الـعـالقـات الـدولـيـة فـي مجلس الـدومـا (البرملان) الروسي ليونيد سلوتسكي أكثر وضـــوحـــا، وبـــعـــد إشـــارتـــه فـــي مــنــشــور على مـنـصـة تـلـيـغـرام إلـــى أن هـجـمـات داغـسـتـان كــــانــــت «تـــــهـــــدف إلــــــى زرع الـــــذعـــــر وتــقــســيــم شـــعـــب روســـــيـــــا»، شـــــــدد عـــلـــى أن الــــواليــــات املـــتـــحـــدة تــتــحــمــل وزر «دمـــــــاء الـــضـــحـــايـــا». غير أنـه في تصريحات معاكسة قـال عضو مجلس االتحاد (الشيوخ) الروسي دميتري روغـــوزيـــن فـــي قـنـاتـه عـلـى مـنـصـة تـلـيـغـرام: «يعتقد نـائـب مجلس الــدومــا مـن داغستان غادجييف أن أجـهـزة املـخـابـرات األوكـرانـيـة
رفض دميتري روغوزين اتهام أوكرانيا والغرب بالهجمات
ودول ناتو تقف وراء الهجوم اإلرهـابـي في الجمهورية، ولكنني أعتقد أننا إذا أرجعنا كــل هــجــوم إرهـــابـــي يـنـطـوي عـلـى التعصب القومي والديني والكراهية والروسوفوبيا (معاداة الروس) إلى مكائد أوكرانيا وحلف شـمـال األطـلـسـي، فــإن هــذا الـضـبـاب الـــوردي سـيـقـودنـا إلـــى مـشـاكـل كــبــيــرة». وفـــي نهاية تعليقه رأى روغـــوزيـــن أنـــه «فـــي عــي غيرنا نــــرى الــقــشــة، ولـــكـــن فـــي عـيـنـنـا ال نستطيع أن نــــرى الــخــشــبــة. حــــان الـــوقـــت لــنــنــظــر في عيوننا». وكشف تصريح روغوزين املعروف بــمــواقــفــه الــقــومــيــة املـــتـــشـــددة، والـــــذي شغل مــنــاصــب حـكـومـيـة مــهــمــة، عـــن مــوقــف صف من النخب الروسية بشأن عدم املبالغة بدور أوكـــرانـــيـــا والـــغـــرب فـــي الــقــضــايــا الــداخــلــيــة، وضـــــــرورة الــبــحــث عـــن األســــبــــاب الـحـقـيـقـيـة لـــلـــمـــشـــكـــالت. وســـلـــطـــت هـــجـــمـــات داغـــســـتـــان األخــــيــــرة الــــضــــوء عـــلـــى الــــتــــوتــــرات الــعــرقــيــة والــديــنــيــة املــســتــمــرة مــنــذ فـــتـــرة طــويــلــة في روســـيـــا، خـصـوصـا فــي منطقة الــقــوقــاز في البالد. ومن الواضح أن تركيز الكرملي على الحرب في أوكرانيا أضعف االهتمام بضمان األمن في الداخل، ما قد يكون سببا في تكرار سيناريو الهجمات. وفي حي تم حل مشكلة البطالة في شمال القوقاز عبر تجنيد آالف املتطوعي للقتال في أوكرانيا، فإن السلطات ستكون أمـــام استحقاق خطير بعد انتهاء الحرب وهو وجود آالف جديدة من العاطلي مـــن الــعــمــل واملـــهـــرة فـــي اســتــخــدام األسـلـحـة فـــي مـنـطـقـة مــعــروفــة بــحــب سـكـانـهـا اقـتـنـاء األســلــحــة فــي بـيـوتـهـم، وتـسـجـل مستويات مـرتـفـعـة مــن الــفــســاد، إضــافــة إلـــى تقاليدها الــعــشــائــريــة واتــــبــــاع رجـــــال ديــــن مـتـطـرفـي. وقـاتـلـت روســيــا لـسـنـوات طـويـلـة مــحــاوالت تمرد ذات طبيعة انفصالية في منطقة شمال الــقــوقــاز. فـفـي عـــام 1999 تسبب اجـتـيـاح ما بـي 1500 2000و مسلح بقيادة الشيشاني شامل باساييف داغستان، وإعالنهم «والية داغــســتــان اإلســـالمـــيـــة» فـــي حـــرب الـشـيـشـان الثانية ،)2009 1999( بدخول روسيا الحرب وقـــتـــال الـشـيـشـانـيـي. وفـــي مـنـتـصـف العقد املـــاضـــي، غــــادر آالف الـداغـسـتـانـيـي روسـيـا للقتال في صفوف تنظيم داعش في العراق وسورية. ولم يكن الهجوم على مركز دينيي، مـسـيـحـي ويــــهــــودي، حــدثــا نــــــادرًا، فــفــي عــام ،2018 في مدينة كيزليار الداغستانية، فتح مسلح النار على رواد كنيسة خالل مهرجان مـا قبل الـصـوم الكبير، مما أسفر عـن مقتل خمس نساء. وفـي 29 أكتوبر/تشرين األول املــاضــي، هـاجـم مـئـات الداغستانيي طائرة آتــيــة مــن تــل أبــيــب، بـعـد دعــــوات فــي وسـائـل التواصل االجتماعي ملنع نــزول ركابها في مطار محج قلعة الذين حضروا للحماية في روسيا. وأصيب أكثر من 20 شخصا، بينهم عدد من ضباط الشرطة، خالل املواجهات في املطار. كما أن تنظيم داعش أعلن مسؤوليته فـــي مـــــارس/ آذار املـــاضـــي عـــن أســــوأ هـجـوم تعرضت له روسيا منذ عام ،2004 حي سقط أكـثـر مـن 140 شخصا أثـنـاء اقـتـحـام خمسة مسلحي مـركـز كــروكــوس سيتي الـتـجـاري، شمال غربي العاصمة موسكو أثـنـاء حفلة موسيقية.