Al Araby Al Jadeed

بيت التنين

رغبة الُمشاهد في إلقاء الشخصيات من النافذة

- محمد صبحي

«لقد أضجرتموني، أضجرتموني حتى املـــوت». هــذا مـا يقوله امللك إيـــــغــ­ـــون تـــــارغـ­ــــريــــ­ـان (تــــــــو­م غــلــني كــــارنــ­ــي) ألعـــضـــ­اء مــجــلــس­ــه وهــــم يــنــاقــ­شــون استراتيجيا­ت الـحـرب الـقـادمـة. بطريقة ما، قـــد يـــكـــون إيــــغـــ­ـون، فـــي مــرحــلــ­ة مــــا، يــتــحــد­ث نـيـابـة عــن مـشـاهـدي «بـيـت الـتـنـني» House( ‪،)of the Dragon‬ أو على األقـل يصف حالهم أثناء تلك املشاهد. كل ما في األمر أن املوسم الــجــديـ­ـد مــن املـلـحـمـ­ة، وهـــو الــثــانـ­ـي فــي هـذه النسخة السابقة لـ«لعبة الـعـروش»، يعاني عـيـبـا فـشـلـت تـحـسـيـنـ­اتـه الـــواســ­ـعـــة مـقـارنـة بــاملــوس­ــم األول فـــي مـعـالـجـت­ـه: شخصياته، بــاســتــ­ثــنــاء بـعـضـهـا الــقــلــ­يــل، لــيــســت مـثـيـرة لــاهــتــ­مــام واملــتــا­بــعــة. وفــــي مــرحــلــ­ة مـعـيـنـة، ســيــشــع­ــر املــــشــ­ــاهــــد وكــــأنــ­ــه إيــــغـــ­ـون مــتــقــل­ــب املزاج، الذي يغلبه امللل من مشاحنات رجال حـاشـيـتـه مـمـن يـمـكـن اســتــبــ­دالــهــم، وينتظر منهم اتـخـاذ إجـــراء فقط، ســواء كــان انتقاما دمـــويـــ­ا أم تــنــانــ­ني تـنـتـظـر اســتــدعـ­ـاءهــا إلــى املــيــدا­ن للقيام بعملها املــدمــر. هــذه مشكلة الفتة في «بيت التنني»، فمبدعوه ينجزون مــــا يـــجـــب عــلــيــه­ــم فـــعـــلـ­ــه، وعــمــلــ­هــم فــــي بــنــاء املسلسل نفسه يستحق الثناء، فقد تمكنوا مـن الجمع بـني دسـائـس القصر واللحظات العنيفة واملـأسـاو­يـة بـني الجانبني، وبعض مـــشـــاه­ـــد األكــــشـ­ـــن الــــصـــ­ـادمــــة، ولـــكـــن لــديــهــ­م مشكلة ال يمكنهم حـلـهـا: مــن الـصـعـب على شخصياتهم توليد الكثير من التعاطف أو إثــارة مشاعرنا. إذا نجوا، فخير. إذا ماتوا، فـا بـــأس. كما أنـهـا ليست مشكلة املمثلني، ألن مــعــظــم­ــهــم يــــــــؤ­دون عــمــلــه­ــم بـــإتـــق­ـــان. قـد يصعب على املتفرج في بعض األحيان فهم ملــاذا ال تجذبه صراعاتهم. كاتب هــذا املقال يمكنه التفكير في إجابة واحدة محتملة، من دون الجزم بصحتها، ألنها في الواقع، إجابة تناقض معظم األفكار التي لديه حول كيفية صناعة الدراما. هـــي شــخــصــي­ــات ذكـــيـــة ومــــدروس­ــــة بـــإفـــر­اط، وقــــــــ­ـادرة عـــلـــى الــتــفــ­كــيــر قـــبـــل أن تـــتـــصـ­ــرف،

ما يخرج الشخصيات من عاديتها الممارساُت العنيفة غير المتوقعة وال تـنـغـمـس فـــي نـــوبـــا­ت الــغــضــ­ب املـتـقـلـ­بـة والــوحــش­ــيــة، ولـكـنـهـا تتخذ أفـــعـــا­ال منطقية ومــعــقــ­ولــة، عـلـى األقــــل فــي مــا يـخـصـهـا. هـذا «الــــنـــ­ـضــــج» الـــنـــس­ـــبـــي ملـــعـــظ­ـــم األبــــــ­طــــــال، فـي سياق املسلسل الــذي يتوقع فيه املــرء أيضا أفـــعـــا­ال عـظـيـمـة، يجعلهم رمـــاديــ­ـني إلـــى حد مـــا، وسـيـاسـيـ­ني أكــثــر مــن أبــطــال الـعـمـل (أو األشرار)، وبيروقراطي­ني أكثر قوة من امللوك واملـــلــ­ـكـــات مــــع الــــقـــ­ـدرة عـــلـــى تــصــفــي­ــة شـعـب بأكمله مـن أجــل مصالحهم فـقـط. لنتفق أن

جزءًا من نجاح امللحمة التي ابتكرها جورج آر آر مارتن يرجع إلى هذه األفعال الجنونية والـــنـــ­زويـــة، وأن هـــذه األفـــعــ­ـال هــي مــا تجعل املـكـائـد واملـــؤام­ـــرات الـتـي تـجـري فــي املــمــرا­ت وقـــاعـــ­ات االجــتــم­ــاعــات مـزعـجـة ومـقـيـمـة في الـذاكـرة. في «بيت التنني»، كل شخص لديه أســـبـــا­بـــه ومــنــطــ­قــه الــــخـــ­ـاص لــلــطــر­يــقــة الــتــي يتصّرف بها. وحتى عندما يرتكبون جريمة وحـشـيـة يـفـعـلـون ذلـــك عــن طــريــق الـخـطـأ أو ســــوء الـــحـــظ أو كـــقـــرا­ر واع. وهــــذا الــجــانـ­ـب، املــحــمـ­ـود مـــن نــاحــيــ­ة الــبــنــ­اء الــــدرام­ــــي، يقلل مــن مــفــاجــ­أة األحـــــد­اث وتــأثــيـ­ـرهــا. البطلتان الـــرئـــ­يـــســـيـ­ــتـــان، رايــــنــ­ــيــــرا تـــــارغـ­ــــريــــ­ـان (إيـــمـــا دارســي) وآليسنت هايتاور (أوليفيا كـوك)، الصديقتان السابقتان، املتصارعتا­ن على تاج اململكة حاليًا، تبذالن قصارى جهديهما لــلــتــع­ــامــل مـــع نـفـسـيـهـ­مـا بــانــضــ­بــاط ودقـــــة، وتبذالن قصارى جهديهما لتجنب الصراع، وإذا حـــــدث شـــــيء مــــن هـــــذا الـــقـــب­ـــيـــل، يـمـيـل إلـــى أن يــكــون خـطـأ الـــرجـــ­ال األكــثــر انـدفـاعـًا فـــي كـــا املــعــسـ­ـكــريــن. الــتــنــ­اقــض بـــــاد: ضبط النفس والذكاء مفيدان للعالم الحقيقي، لكن ملحمة حرب وفنتازيا مثل هذه تحتاج إلى شخصيات أكثر وحشية قليا. يحتوي «بيت التنني» على عدد قليل من هذه الـشـخـصـي­ـات. إيـــغـــو­ن، فــي أحــســن األحــــوا­ل. وبــــدرجـ­ـــة أقـــــل شــقــيــق­ــه إيـــمـــو­نـــد تـــارغـــ­ريـــان (إيـــــــو­ان مــيــتــش­ــل). عــلــى الـــجـــا­نـــب اآلخـــــر من ســـاحـــة املـــعـــ­ركـــة، يــشــكــل ديـــمـــو­ن تـــارغـــ­ريـــان (مــــــات ســـمـــيـ­ــث) املــــثــ­ــال األقــــــ­ـرب إلـــــى الـــرجـــ­ل العنيف والوحشي، بالرغم من أن شخصيته مرسومة بدقة. ولكن بعيدًا عن هذا الثاثي الشبيه بإيرلينغ هـاالنـد واملتنافسن­ي على نـيـل لـقـب الـــهـــد­اف، بـقـيـة الشخصيات كلها ظـــال رمـــاديــ­ـة يـمـكـن نـسـيـانـه­ـا. عـلـى عكس «لـــعـــبـ­ــة الـــــعــ­ـــروش»، الــــــذي امـــتـــل­ـــك مـجـمـوعـة مــــن الــشــخــ­صــيــات املـــمـــ­يـــزة الـــتـــي ال تــنــســى فــي أمـــاكـــ­ن مختلفة تـكـشـفـت فيها الحبكة، نـأمـل أن يصل عــدد هــذه املجموعة املميزة فـــي املــســلـ­ـســل األحـــــد­ث إلــــى ســتــة (الـخـمـسـة املـذكـورو­ن أعـاه إضافة إلى أوتـو هايتاور، الـذي يلعبه ريـس إيفانز)، في حني أن بقية الـشـخـصـي­ـات الــتــي تـعـبـر أحــــداث املسلسل، بما في ذلك أطفال وأحفاد وشركاء وأشقاء، يمكن بصعوبة تمييز بعضهم مـن بعض. فـي الــواقــع، يمكن تمييز التنانني أكـثـر. في ظــــل غـــيـــاب الــشــخــ­صــيــات الـــتـــي تــتــمــك­ــن من إضفاء طابع درامـي على املكائد السياسية وصـــــراع­ـــــات الـــســـل­ـــطـــة، وهـــــو مــــا يـــحـــدث فـي بعض األحــيــا­ن، خاصة فـي مشهد رائــع في نهاية الحلقة الثالثة، فــإن مـا يخرجها عن عاديتها ليس ســوى تلك األعــمــا­ل القاسية والعنيفة غير املتوقعة التي تختم كل حلقة مـــن الــحــلــ­قــات األربـــــ­ـع األولـــــ­ــى. مــنــذ املــوســم األول، ثمة رغـبـة ملحة فــي االنــتــق­ــام، وهــذه الحقيقة ستصبح بمثابة الدافع للتصعيد األولـــي للصراع. وستظل اآللـيـات متشابهة فــي األحـــــد­اث الـتـالـيـ­ة، حـتـى تـصـبـح الـحـرب املـبـاشـر­ة حتمية عمليًا، خـاصـة مــع وجــود الـــتـــن­ـــانـــني املـــنـــ­تـــظـــرة فــــي األقـــــف­ـــــاص. يــجــري التعامل مع جميع املشاهد القوية والعنيفة بجودة تزيد من الترقب للحلقة القادمة، لكن املسلسل سرعان ما يقع في البني بني حني ينتظر املرء بعض األعمال الوحشية أو غير املتوقعة التي تأتي عادة في آخر 15 دقيقة. وهـكـذا يستمر األمـــر. ثمة نقص فـي التوتر عــنــد كـــل مـنـعـطـف (هـــنـــاك تـــوتـــر ذو طبيعة جـنـسـيـة سـيـلـفـت انــتــبــ­اه كــثــيــر­يــن، مـــن دون الجزم بأهميته الفعلية لتطور األحـداث). ال وجود ألي من التهديدات الخارقة للطبيعة في «لعبة العروش»، وال يشعر أحد بالرغبة في رمي شخص ما من النافذة ملجرد ذلك.

 ?? (إتش بي أو) ?? يحتوي «بيت التنين» على عدد قليل من هذه الشخصيات
(إتش بي أو) يحتوي «بيت التنين» على عدد قليل من هذه الشخصيات

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar