بيت التنين
رغبة الُمشاهد في إلقاء الشخصيات من النافذة
«لقد أضجرتموني، أضجرتموني حتى املـــوت». هــذا مـا يقوله امللك إيـــــغـــــون تـــــارغـــــريـــــان (تــــــــوم غــلــني كــــارنــــي) ألعـــضـــاء مــجــلــســه وهــــم يــنــاقــشــون استراتيجيات الـحـرب الـقـادمـة. بطريقة ما، قـــد يـــكـــون إيــــغــــون، فـــي مــرحــلــة مــــا، يــتــحــدث نـيـابـة عــن مـشـاهـدي «بـيـت الـتـنـني» House( ،)of the Dragon أو على األقـل يصف حالهم أثناء تلك املشاهد. كل ما في األمر أن املوسم الــجــديــد مــن املـلـحـمـة، وهـــو الــثــانــي فــي هـذه النسخة السابقة لـ«لعبة الـعـروش»، يعاني عـيـبـا فـشـلـت تـحـسـيـنـاتـه الـــواســـعـــة مـقـارنـة بــاملــوســم األول فـــي مـعـالـجـتـه: شخصياته، بــاســتــثــنــاء بـعـضـهـا الــقــلــيــل، لــيــســت مـثـيـرة لــاهــتــمــام واملــتــابــعــة. وفــــي مــرحــلــة مـعـيـنـة، ســيــشــعــر املــــشــــاهــــد وكــــأنــــه إيــــغــــون مــتــقــلــب املزاج، الذي يغلبه امللل من مشاحنات رجال حـاشـيـتـه مـمـن يـمـكـن اســتــبــدالــهــم، وينتظر منهم اتـخـاذ إجـــراء فقط، ســواء كــان انتقاما دمـــويـــا أم تــنــانــني تـنـتـظـر اســتــدعــاءهــا إلــى املــيــدان للقيام بعملها املــدمــر. هــذه مشكلة الفتة في «بيت التنني»، فمبدعوه ينجزون مــــا يـــجـــب عــلــيــهــم فـــعـــلـــه، وعــمــلــهــم فــــي بــنــاء املسلسل نفسه يستحق الثناء، فقد تمكنوا مـن الجمع بـني دسـائـس القصر واللحظات العنيفة واملـأسـاويـة بـني الجانبني، وبعض مـــشـــاهـــد األكــــشــــن الــــصــــادمــــة، ولـــكـــن لــديــهــم مشكلة ال يمكنهم حـلـهـا: مــن الـصـعـب على شخصياتهم توليد الكثير من التعاطف أو إثــارة مشاعرنا. إذا نجوا، فخير. إذا ماتوا، فـا بـــأس. كما أنـهـا ليست مشكلة املمثلني، ألن مــعــظــمــهــم يــــــــؤدون عــمــلــهــم بـــإتـــقـــان. قـد يصعب على املتفرج في بعض األحيان فهم ملــاذا ال تجذبه صراعاتهم. كاتب هــذا املقال يمكنه التفكير في إجابة واحدة محتملة، من دون الجزم بصحتها، ألنها في الواقع، إجابة تناقض معظم األفكار التي لديه حول كيفية صناعة الدراما. هـــي شــخــصــيــات ذكـــيـــة ومــــدروســــة بـــإفـــراط، وقـــــــــادرة عـــلـــى الــتــفــكــيــر قـــبـــل أن تـــتـــصـــرف،
ما يخرج الشخصيات من عاديتها الممارساُت العنيفة غير المتوقعة وال تـنـغـمـس فـــي نـــوبـــات الــغــضــب املـتـقـلـبـة والــوحــشــيــة، ولـكـنـهـا تتخذ أفـــعـــاال منطقية ومــعــقــولــة، عـلـى األقــــل فــي مــا يـخـصـهـا. هـذا «الــــنــــضــــج» الـــنـــســـبـــي ملـــعـــظـــم األبــــــطــــــال، فـي سياق املسلسل الــذي يتوقع فيه املــرء أيضا أفـــعـــاال عـظـيـمـة، يجعلهم رمـــاديـــني إلـــى حد مـــا، وسـيـاسـيـني أكــثــر مــن أبــطــال الـعـمـل (أو األشرار)، وبيروقراطيني أكثر قوة من امللوك واملـــلـــكـــات مــــع الــــقــــدرة عـــلـــى تــصــفــيــة شـعـب بأكمله مـن أجــل مصالحهم فـقـط. لنتفق أن
جزءًا من نجاح امللحمة التي ابتكرها جورج آر آر مارتن يرجع إلى هذه األفعال الجنونية والـــنـــزويـــة، وأن هـــذه األفـــعـــال هــي مــا تجعل املـكـائـد واملـــؤامـــرات الـتـي تـجـري فــي املــمــرات وقـــاعـــات االجــتــمــاعــات مـزعـجـة ومـقـيـمـة في الـذاكـرة. في «بيت التنني»، كل شخص لديه أســـبـــابـــه ومــنــطــقــه الــــخــــاص لــلــطــريــقــة الــتــي يتصّرف بها. وحتى عندما يرتكبون جريمة وحـشـيـة يـفـعـلـون ذلـــك عــن طــريــق الـخـطـأ أو ســــوء الـــحـــظ أو كـــقـــرار واع. وهــــذا الــجــانــب، املــحــمــود مـــن نــاحــيــة الــبــنــاء الــــدرامــــي، يقلل مــن مــفــاجــأة األحـــــداث وتــأثــيــرهــا. البطلتان الـــرئـــيـــســـيـــتـــان، رايــــنــــيــــرا تـــــارغـــــريـــــان (إيـــمـــا دارســي) وآليسنت هايتاور (أوليفيا كـوك)، الصديقتان السابقتان، املتصارعتان على تاج اململكة حاليًا، تبذالن قصارى جهديهما لــلــتــعــامــل مـــع نـفـسـيـهـمـا بــانــضــبــاط ودقـــــة، وتبذالن قصارى جهديهما لتجنب الصراع، وإذا حـــــدث شـــــيء مــــن هـــــذا الـــقـــبـــيـــل، يـمـيـل إلـــى أن يــكــون خـطـأ الـــرجـــال األكــثــر انـدفـاعـًا فـــي كـــا املــعــســكــريــن. الــتــنــاقــض بـــــاد: ضبط النفس والذكاء مفيدان للعالم الحقيقي، لكن ملحمة حرب وفنتازيا مثل هذه تحتاج إلى شخصيات أكثر وحشية قليا. يحتوي «بيت التنني» على عدد قليل من هذه الـشـخـصـيـات. إيـــغـــون، فــي أحــســن األحــــوال. وبــــدرجــــة أقـــــل شــقــيــقــه إيـــمـــونـــد تـــارغـــريـــان (إيـــــــوان مــيــتــشــل). عــلــى الـــجـــانـــب اآلخـــــر من ســـاحـــة املـــعـــركـــة، يــشــكــل ديـــمـــون تـــارغـــريـــان (مــــــات ســـمـــيـــث) املــــثــــال األقـــــــرب إلـــــى الـــرجـــل العنيف والوحشي، بالرغم من أن شخصيته مرسومة بدقة. ولكن بعيدًا عن هذا الثاثي الشبيه بإيرلينغ هـاالنـد واملتنافسني على نـيـل لـقـب الـــهـــداف، بـقـيـة الشخصيات كلها ظـــال رمـــاديـــة يـمـكـن نـسـيـانـهـا. عـلـى عكس «لـــعـــبـــة الـــــعـــــروش»، الــــــذي امـــتـــلـــك مـجـمـوعـة مــــن الــشــخــصــيــات املـــمـــيـــزة الـــتـــي ال تــنــســى فــي أمـــاكـــن مختلفة تـكـشـفـت فيها الحبكة، نـأمـل أن يصل عــدد هــذه املجموعة املميزة فـــي املــســلــســل األحـــــدث إلــــى ســتــة (الـخـمـسـة املـذكـورون أعـاه إضافة إلى أوتـو هايتاور، الـذي يلعبه ريـس إيفانز)، في حني أن بقية الـشـخـصـيـات الــتــي تـعـبـر أحــــداث املسلسل، بما في ذلك أطفال وأحفاد وشركاء وأشقاء، يمكن بصعوبة تمييز بعضهم مـن بعض. فـي الــواقــع، يمكن تمييز التنانني أكـثـر. في ظــــل غـــيـــاب الــشــخــصــيــات الـــتـــي تــتــمــكــن من إضفاء طابع درامـي على املكائد السياسية وصـــــراعـــــات الـــســـلـــطـــة، وهـــــو مــــا يـــحـــدث فـي بعض األحــيــان، خاصة فـي مشهد رائــع في نهاية الحلقة الثالثة، فــإن مـا يخرجها عن عاديتها ليس ســوى تلك األعــمــال القاسية والعنيفة غير املتوقعة التي تختم كل حلقة مـــن الــحــلــقــات األربــــــع األولـــــــى. مــنــذ املــوســم األول، ثمة رغـبـة ملحة فــي االنــتــقــام، وهــذه الحقيقة ستصبح بمثابة الدافع للتصعيد األولـــي للصراع. وستظل اآللـيـات متشابهة فــي األحـــــداث الـتـالـيـة، حـتـى تـصـبـح الـحـرب املـبـاشـرة حتمية عمليًا، خـاصـة مــع وجــود الـــتـــنـــانـــني املـــنـــتـــظـــرة فــــي األقـــــفـــــاص. يــجــري التعامل مع جميع املشاهد القوية والعنيفة بجودة تزيد من الترقب للحلقة القادمة، لكن املسلسل سرعان ما يقع في البني بني حني ينتظر املرء بعض األعمال الوحشية أو غير املتوقعة التي تأتي عادة في آخر 15 دقيقة. وهـكـذا يستمر األمـــر. ثمة نقص فـي التوتر عــنــد كـــل مـنـعـطـف (هـــنـــاك تـــوتـــر ذو طبيعة جـنـسـيـة سـيـلـفـت انــتــبــاه كــثــيــريــن، مـــن دون الجزم بأهميته الفعلية لتطور األحـداث). ال وجود ألي من التهديدات الخارقة للطبيعة في «لعبة العروش»، وال يشعر أحد بالرغبة في رمي شخص ما من النافذة ملجرد ذلك.