Al Araby Al Jadeed

يحدث بين الخرطوم وأبوظبي

- معن البياري

دع عنك أن حكومة الـسـودان لم تلجـأ إلـى جامعة الــدول العربية لتشكو حكومة اإلمارات ما تنسبه إليها من دعم عسكري لقوات الدعم السريع املتمردة على الدولة، وأنها ذهبت إلى مجلس األمن، في هذا الخصوص، فليس من مهابة أو شيء من مكانة لدى الجامعة املذكورة يجعلها جهة تؤخذ على محمل الجد، في أمر كهذا، وفــي غـيـره. ليست القصة هـنـا، وإنـمـا فـي اللغة شـديـدة الــوضــوح، فـي االتهامات الكبرى التي تضمنتها أوال، في إبريل/ نيسان املاضي، رسالة بعثتها الخرطوم إلى مجلس األمـن، وثانيًا في البيان الذي تاله مندوب السودان في األمم املتحدة، الحارث إدريــس، الثالثاء املاضي، في املجلس، ما أحـدث سجاال حـادًا مع مندوب اإلمارات، محمد شهاب، في ردود متبادلة بي الرجلي، يمكن االستدالل منها ليس فقط على ما صارت عليه العالقات بي البلدين من تأزم بالغ، وإنما أيضًا على أن السيل بلغ الزبى، عندما تجد أبوظبي، في بيانات رسمية معلنة وفي كالم مندوبها أمام مستمعيه في الهيئة األممية، أن الذي يتحدث أمامه يمثل «طرفًا متحاربًا»، هو القوات املسلحة، في السودان، وال تخلع عليه دولة اإلمارات صفته ممثال لجمهورية الــســودا­ن، أقله كما هو حاله الــذي تتعامل معه األمــم املتحدة نفسها. وهــذا ليس فقط بالغ الشذوذ، ولم يسبق له مثيل في أي من التوترات واألزمات بي دول عربية تصادمت فيما بينها، وإنما هو تطرف في إشهار انحياز دولة عربية وإعالنه ضد دولـة «شقيقة» أخــرى. وعندما يصل الحارث إدريــس إلـى اتهام اإلمـــارا­ت برعاية «اإلرهاب العرقي املمنهج في السودان»، وليس فقط بـ «تأجيج الصراع»، عندما تمد «الدعم السريع» بالسالح، نكون أمام مشهد عربي شديد الداللة على انهيار مريع في القواعد الناظمة للتعامل بي الدول العربية نفسها. صـحـيـح أن مـجـلـس األمــــن، وهــيــئــ­ات وأجـــهـــ­زة أخــــرى فــي األمــــم املــتــحـ­ـدة، شهدت سجاالت، غير مــرة، بي املغرب والجزائر، وحـدث أن اتهم كل منهما اآلخـر بدعم «انفصاليي» في بلد اآلخر، غير أننا لم نصادف أيًا منهما نزع عن ممثلي الدولة األخــرى صفته هـذه، فاعتبره طرفًا في نـزاع داخلي. وصحيح أيضًا أن الحروب اإلعالمية (والدعائية) في منازعاٍت عربيٍة بينيٍة عديدة غير منسية، وفصول لها ما تزال طرية في الذاكرة، ومن األنسب عدم التذكير بها، إال أنها، في األول واألخير، بقيت نهش بعضنا بلحوم بعضنا في اإلذاعات والتلفزات والبيانات واملذكرات، أي ظل النهش، في أغلبه، في مالعب الكالم والتنازع اللفظي، وإن ليست منسية حروب صــدام حسي وحافظ األســد بالوكالة في لبنان، غير أن الــذي تتهم به الخرطوم أبوظبي يصل إلى دعم قوة متمردة على سلطة الدولة بالسالح واملال في غضون حرٍب مستعرة. ولئن نعت مندوب اإلمارات ما ساقها «زميله» السوداني في مجلس األمــن من اتهاماٍت لبلده بأنها «مضحكة ومجنونة»، فإننا ال بد أن سيأتي إلى أفهامنا ما نشرته «نيويورك تايمز»، في يناير/ كانون الثاني املاضي، عن تقرير لألمم املتحدة نفسها (لـم ينشر)، جـاء على تفاصيل «تهريب» اإلمـــارا­ت أسلحة قوية إلى قوات الدعم السريع، املعروفة باسم قوات الدعم السريع، عبر تشاد منذ صيف العام املاضي؛ طائرات من دون طيار مسلحة، ومدافع هاوتزر، وصواريخ مضادة للطائرات، كان يجري إرسالها عبر رحالت شحن سرية وطرق التهريب الصحراوية. وعلى ذمة الصحيفة الكبرى، نقال عن التقرير، عززت تلك اإلمدادات قـوات حميدتي (قائد»الدعم السريع»)، وحققت سلسلة انتصارات له في مسار الحرب. كما ال بد أن سنتذكر مناشدة مندوبة الواليات املتحدة في األمم املتحدة، ليندا تـومـاس غرينفيلد، «جميع الــــدول»، بما فيها اإلمــــار­ات (بــاالســم)، التوقف عن الدعم لطرفي الحرب في الـسـودان. وقد قالت السيدة إن بالدها تواصلت مع «زمالئها» في اإلمــارات في هذا الخصوص. وليست منسية التقارير التي جاءت على بعض الخالفات في عالقات أبوظبي ولندن، بعد تلميحات من األخيرة عن إسناد عسكري ولوجستي تقدمها اإلمارات لقوات حميدتي. ليس هناك من ال يتمنى أن تكون غضبة الخرطوم املشهرة في مجلس األمن في غير محلها، وأن يصح ما تنفيه أبوظبي عن نفسها من اتهامات ثقيلة، غير أن الذي يغري بالتملي فيه هذا اللون املستجد من الخصومات العربية املعلنة ... كما نرى في امللعب السوداني مثال.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar