غزّة تقترع في فرنسا
مع اقتراب موعد الجولة األولى من االنتخابات التشريعية املبكرة في فرنسا يوم 30 يونيو/ حـزيـران الـجـاري، والـتـي جــاءت الـدعـوة إليها بـعـد اإلعــــان االنــتــحــاري/ املــــدروس للرئيس إيمانويل مـاكـرون، حـل املجلس النيابي، إثر فشل حزبه الهجن «النهضة» في انتخابات الــبــرملــان األوروبــــــي أخـــيـــرًا، يتبن للمتابعن يوما إثر يوم أن أبرز املشاركن فيها من أحزاب ومجموعات، وحتى أفراد، ال يمتلكون تصورًا واضــــحــــا لـــبـــرنـــامـــج اقــــتــــصــــادي واجـــتـــمـــاعـــي وسـيـاسـي مـبـنـي عـلـى دراســــة علمية وأرقـــام واقعية، ما عدا اليسار بشكل نسبي وضيق. هــــذا الـــيـــســـار غــيــر املــنــســجــم عـــمـــومـــا، والــــذي تــنــظــم فــي مـجـمـوعـة متناقضة أطــلــق عليها أوال تسمية الجبهة الشعبية الجديدة، تيمنا بـالـجـبـهـة الـشـعـبـيـة الــتــي تــرأســهــا الــيــســاري لـــيـــون بـــلـــوم فــــي ثــاثــيــنــيــات الــــقــــرن املـــاضـــي ـ1936( ،)1938 فقد عهدت أحــزاب اليسار إلى اقـــتـــصـــاديـــن مــتــمــيــزيــن، لــيــســوا بـــالـــضـــرورة جـمـيـعـهـم مـنـتـمـن ألحــــــزاب الـــيـــســـار، لـوضـع تـصـورات لبرامج اقتصادية قابلة للتطبيق، من خـال مقابلتها بأرقام أقـرب ما تكون من الدقة. ومن أبرزهم أستير دوفلو، الحائزة على جـائـزة نوبل فـي االقـتـصـاد فـي .2019 اليمن املتطرف الذي ترتفع أسهمه الخارقة الحارقة بشدة، كما يمن الوسط املنهار نتيجة تحالف رئــيــســه األخـــيـــر مـــع الــيــمــن املـــتـــطـــرف، طــرح برنامجا انتخابيا سرعان ما تراجع عن أبرز نقاطه. وتراجعه هذا ناجم عن أن الطرح، في البداية، كان عشوائيا على مبدأ «من كل بستان زهرة». فهو وعد، من بن وعود كثيفة، بإلغاء ضريبة القيمة املضافة على املواد األساسية، ومــــنــــع الــــحــــجــــاب فـــــي املـــشـــهـــد الـــــعـــــام، ورفـــــع مستوى الـحـد األدنـــى مـن األجـــور، وتخفيض نسبة الضريبة املفروضة على الــوقــود. وفي أول امــتــحــان إعــامــي، تــراجــع رئـيـسـه الـشـاب جــوردان بارديلا، وهو الـذي لم يكمل دراسة أي اخـتـصـاص، عـن كـل هــذه الــوعــود، مرجعا السبب إلى التركة الكارثية التي ستؤول إلى حزبه الفاشي بعد اإلدارة التي اعتبرها كارثية لحزب الرئيس ماكرون منذ وصوله إلى قصر اإلليزيه سنة .2017 وبالتالي، اختار اليمن املتطرف، الذي كان من أبائه املؤسسن أعضاء سابقون في االستخبارات النازية، أن يداعب وتـــرًا اجتماعيا شـديـد الــعــزف، وسـيـئ األداء، عــلــى قــضــايــا األمــــن الـــداخـــلـــي والـــصـــرامـــة في تنفيذ العقوبات ومحاربة الهجرة من خال تـعـزيـز إجــــــراءات الـــحـــدود الــوطــنــيــة. وفـــي كل شــاردة وواردة، سيقفز ممثلوه مستغلن أي حادث أمني، ليشيروا بأصابع االتهام إلى دور األجانب فيها أو من هم من أصول أجنبية. أما الحزب الهجن، واملسمى «النهضة»، لصاحبه الرئيس إيمانويل ماكرون، والذي أطلقت عليه الصحيفة الرصينة كـوريـيـه إنترناشيونال لــقــب «الــــبــــيــــرومــــان»، وهــــو يــعــنــي «الــشــخــص الــذي يستمتع بإشعال الـحـرائـق»، وجديدها أخـــيـــرًا حــــل مــجــلــس الــــنــــواب الــفــرنــســي الـــذي تــرافــق مــع نــجــاح الـيـمـن الـفـاشـي فــي تـصـدر املشهد االنتخابي األوروبي، هذا الحزب فشل أيــضــا فـــي تـقـديـم بــرنــامــج اقــتــصــادي واضـــح املعالم إلخراج فرنسا من أزمتها االقتصادية املتفاقمة، والـتـي سـاهـم فـي تعميق شقوقها هو نفسه، فهو الحاكم منذ .2017 هذا الحزب، ورئـيـسـه كما وزراؤه، متهمون بــوجــود أدلــة فـاضـحـة عـلـى أنــهــم املــســؤولــون األســاســيــون عن االحتمال الكبير لوصول اليمن املتطرف إلــى ســدة الحكم، إذ إنـهـم اسـتـمـروا باملزايدة على يمينية الفاشين في ما يخص التعامل مع ملف الهجرة، إلى درجة أن وزير الداخلية جيرار دارمانان اتهم، في مناظرة تلفزيونية، رئيسة حزب التجمع الوطني الفرنسي مارين لوبن بأنها متساهلة في قضايا الهجرة. في املقابل، شكلت عملية 7 أكتوبر )2023( التي قامت بها حركة حماس في العمق اإلسرائيلي، ومـــا تـاهـا مــن حـــرب دمــويــة وإبــــادة جماعية تــشــنــهــا إســـرائـــيـــل عــلــى مــدنــيــي قـــطـــاع غـــــزة،
فرصة «ذهبية» لكل أطـراف املشهد السياسي الفرنسي، بنسب متفاوتة، لكي تختبئ خلف مــوقــف مــن هـــذه العملية. فـاإلجـمـاع اليميني (على أنواع اليمن املختلفة) على إدانة «إرهاب» حركة حـمـاس، ومــن دون رؤيــة شاملة للنزاع القائم منذ نهاية الـقـرن التاسع عشر، تعزز، مع مرور األيـام، ليصير مهيمنا على الخطاب السياسي اليميني الفرنسي. وبرز التباري بن أقطاب اليمن في كسب ود تل أبيب، والبحث عـــن تـــبـــريـــرات مـخـجـلـة لعملياتها الوحشية فـي األراضـــي الفلسطينية. كما تـعـزز وضـوح صـــــورة الــتــحــالــف الـــوقـــح بـــن يـــمـــ ٍن مــتــطــ ّرٍف فرنسي معروف بعمقه األيديولوجي املعادي لــلــيــهــود مـــع الــيــمــن املـــتـــطـــّرف املــســيــطــر على الحكم في إسرائيل. تدخل غـزة االنتخابات الفرنسية بقوة إذًا، حيث تسعى كل األطراف اليمينية إلـــى اســتــغــال مـأسـاتـهـا لتعزيز فرصها السياسية، من خال التأييد املطلق للسياسات الوحشية اإلسرائيلية، مستندة فــي ذلـــك إلـــى الــحــق فــي الـــدفـــاع عــن النفس. كما أبـــرزت الـحـرب على غــزة التحالف غير املنطقي نظريا والقائم منذ عقود فعليا، بن اليمن املتطرف األوروبي واملعادي تاريخيا لـلـسـامـيـة والــيــمــن املـــتـــطـــرف اإلســرائــيــلــي. ومــن جهة اليسار الفرنسي الـجـديـد، الـذي يـــنـــتـــظـــر لــجــبــهــتــه الـــشـــعـــبـــيـــة الــــجــــديــــدة أن تندثر بعد اإلعــان عن نتائج االنتخابات، يبدو أيضا أن الحرب على غــزة قد منحته أوراقــــــا رابـــحـــة فـــي أوســـــاط الـفـرنـسـيـن من أصول عربية، والذين، على عكس تاريخهم املـــعـــاصـــر، ســيــشــاركــون بـنـسـبـة كــبــيــرة في االقــتــراع لصالح الـيـسـار، كما تفيد نتائج استطاعات الرأي أخيرًا... غزة إذا ستقترع في االنتخابات الفرنسية املقبلة.
تسعى كل األطراف اليمينية في فرنسا إلى استغالل مأساة غزة لتعزيز فرصها السياسية