لماذا إسرائيل في أزمة تاريخية؟
بـعـد 76 عــامــا مــن إنـشـائـهـا عـلـى أنـقـاض حـــقـــوق الــشــعــب الـفـلـسـطـيـنـي وأراضــــيــــه، تــواصــل إســرائــيــل االنــتــقــال مــن أزمــــة إلـى أخــــــرى، وتـــعـــالـــج تــنــاقــضــاتــهــا الــداخــلــيــة العميقة بـمـزيـد مـن االعـــتـــداءات، والنهج الــــعــــدائــــي تــــجــــاه الـــشـــعـــب الــفــلــســطــيــنــي وشـــعـــوب املــنــطــقــة، بـــل كـــل قــــوى الــعــدالــة اإلنــســانــيــة والــحــريــة فـــي الــعــالــم بــأســره، كما رأيـنـا فـي صـــدام قادتها العنيف مع الـــدول والـحـركـات املتضامنة مـع الشعب الـفـلـسـطـيـنـي. وإذا كــانــت جـــرائـــم الــحــرب الثالث التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غـــــزة مــنــذ الــســابــع مـــن أكـــتـــوبـــر/ تـشـريـن األول ،)2023( بما في ذلك جريمة اإلبادة الــجــمــاعــيــة، وقــتــلــهــا فـــي غـــضـــون تسعة شـــهـــور مـــا يــقــتــرب مـــن خــمــســن ألـــفـــا من الفلسطينين، وهـــو عـــدد يــتــجــاوز %50 ممن قتلتهم إسـرائـيـل مـن الفلسطينين فـــي 76 عـــامـــا، إذا كـــانـــت تـــــدل عــلــى شــيء فهو أن عمق األزمة اإلسرائيلية هذه املرة أكبر من كل األزمات التي عاشتها سابقا. ولــيــســت الـــعـــدوانـــيـــة اإلجـــرامـــيـــة املـــؤشـــر الوحيد على ذلـك، فاضطرار إسرائيل أن تخوض حربا ما يزيد على 256 يوما، وما زالـت مستمرة، ضد قوة مقاومة صغيرة فـي بقعة جغرافية صغيرة كقطاع غــزة، مــن دون أن تنجح فــي قـهـرهـا، باملقارنة بإلحاقها الهزيمة بثالثة جيوش عربية كـــبـــرى فــــي بــضــعــة أيــــــام عـــــام ،1967 هـو دلـيـل أقـــوى على مستوى االنــحــدار الـذي وصــلــت إلــيــه نـظـريـة الــجــبــروت والــتــفــوق الـعـسـكـري الـحـاسـم إلســرائــيــل. ... وتمثل إدارة إسرائيل هذه الحرب على غزة دليال آخر قاطعا على عمق األزمة التي تعصف لــيــســت فــقــط بــالــجــيــش اإلســـرائـــيـــلـــي، بل بمجمل املنظومة الصهيونية الحاكمة. ومقابل أسلوب اإلدارة املحكم والتخطيط الـــدقـــيـــق، وســـرعـــة الــتــفــاعــل مـــع األحـــــداث املفاجئة الـــذي شـهـدنـاه فـي حـربـي 1967 ،1973و تــتــخــبــط إســـرائـــيـــل فـــي إدارتـــهـــا الحرب هذه املرة بفعل أربعة عوامل: أوال، عـــدم قـدرتـهـا عـلـى تــجــاوز الـصـدمـة التي أوقـعـهـا حــدث 7« أكـتـوبـر»، والـــذي كشف ضعف التخطيط وسوء التقدير واإلدارة، واألهم سوء (وضعف) اإلدارة السياسية التي كانت غـارقـة فـي أوهـامـهـا. وبــدل أن
ّّ يتكرر ما جرى بعد حرب أكتوبر )1973( بتخلص إسرائيل مـن الـقـيـادات الفاشلة واســــتــــبــــدالــــهــــا، نـــشـــهـــد الـــــيـــــوم تــرســيــخــا لــلــقــيــادات الــســيــاســيــة والــعــســكــريــة الـتـي فشلت فــي 7 أكـتـوبـر. ثـانـيـا: أن إسـرائـيـل تـــديـــر املـــعـــركـــة عــلــى قـــطـــاع غـــــزة بـــدوافـــع االنـــتـــقـــام والـــحـــقـــد األعــــمــــى، ومـــــــرد جـــزء كبير منه يـعـود إلــى إحساسها العميق بـالـفـشـل، وتـشـهـد تــراجــع الـــدهـــاء والــدقــة الــــــذي مـــيـــز حـــروبـــهـــا الـــســـابـــقـــة ملـصـلـحـة مــشــاعــر االنـــتـــقـــام الـبـهـيـمـيـة الـــتـــي كلفت إســــرائــــيــــل وتـــكـــلـــفـــهـــا خـــســـائـــر أخـــالقـــيـــة ومعنوية، وسياسية ال سابق لها .ثالثا: صعود الفاشية إلـى الحكم في إسرائيل
وقــــاعــــدتــــهــــا املــــســــتــــوطــــنــــون فـــــي الـــضـــفـــة الـغـربـيـة، وتغلغلها فــي قــيــادات الجيش واملنظومة األمنية، بحيث أصبحت أشد تحكما في القرارات املتهورة التي تتوالى لتصبح الصيغة املهيمنة فـي السياسة اإلســــرائــــيــــلــــيــــة. رابـــــعـــــا: اســــتــــبــــدال نـمـط الــقــيــادة املنطلق مــن املصلحة الجماعية اإلسرائيلية بقيادة الفرد نتنياهو، املطارد بقضايا الفساد، واملهدد بالسقوط بسبب فـشـلـه املـــاحـــق فـــي 7 أكـــتـــوبـــر، وفــشــلــه في تحقيق أهــــداف الــعــدوان على قـطـاع غــزة. و مـــا زالـــــت املــصــالــح الـشـخـصـيـة املــحــرك الرئيس لقراراته، وذلك سبب إصراره على إطــالــة أمـــد الــحــرب الفاشلة استراتيجيا؛ ألنه يعرف أن انتهاء ها يعني نهاية حياته السياسية. واملفارقة هنا ليست في سلوك نتنياهو نفسه، فذلك متوقع من شخص نرجسي أرعــن، متعصب، ومتطرف، كان مـسـؤوال شخصيا عن إفشال كل محاولة أو اتــفــاق لـلـوصـول إلـــى حــلــول سياسية، حتى لو كانت غير عادلة من وجهة النظر الفلسطينية، وأصبح أشد تطرفا من رمز الــتــطــرف والــعــدوانــيــة اإلسـرائـيـلـيـة أريـيـل شـــارون. املـفـارقـه فـي الــواقــع تكمن فـي أن املنظومة الصهيونية التي تميزت سابقا بالقدرة على تصحيح مسارها، وأخطائها وفشل قادتها، والتضحية بهم حتى لو كانوا رموزًا تاريخية، مثل موشيه ديان، وغولدا مائير، ولو بالقتل كما فعلوا مع إسحاق رابن، تبدو عاجزة عن تصحيح مــســار نـتـنـيـاهـو املـــدمـــر وإيـــقـــافـــه، وربــمــا