Al Araby Al Jadeed

عام على تمرد بريغوجين

«فاغنر» باقية تحت سلطة الكرملين

- كوبنهاغن ـ سامر إلياس

بعد عام على تمرّد «فاغنر» بقيادة يفغيني بريغوجين على الكرملين، باتت المجموعة ضمن ضوابط وأسماء جديدة بيد الرئيس فالديمير بوتين، الذي أخمد تمرد بريغوجين، مشّددًا قبضته على السلطة في روسيا

بــــعــــ­د عــــــــا­م عــــلــــ­ى تـــــمـــ­ــرد مـــؤســـس مــــــجــ­ــــمـــــ­ـوعــــــة فــــــاغـ­ـــــنــــ­ــر يـــفـــغـ­ــيـــنـــ­ي بريغوجن، املـعـروف بأنه «طباخ الكرملن»، بدا وكأن بريغوجن لم يكن يومًا، لكن فـكـرة «فـاغـنـر» بقيت بـأسـمـاء وضـوابـط جــديــدة رسـمـهـا الـرئـيـس الــروســي فالديمير بـــوتـــن بــعــنــا­يــة فـــائـــق­ـــة، بــمــا يــضــمــن لـــه عــدم تـــكـــرا­ر «أي طــعــنــة فـــي الـــظـــه­ـــر»، أو تـعـريـض روســـيـــ­ا لـخـطـر جـــديـــد، كــمــا حــــدث يـــومـــي 23 و42 يونيو/حزيران .2023 هذا التمرد شكل أخطر تهديد للنظام الــذي أسسه بوتن في روسيا منذ عام ،1999 وضرب صورة بوتن كــضــامــ­ن لــالســتـ­ـقــرار فـــي الـــبـــا­لد. ولــيــس هــذا فحسب، بـل إن الرئيس الــروســي وصــف هذا الحدث حينها، بأنه األخطر على بنية الدولة الروسية منذ عـام ،1917 أي عـام الثورة على القيصر نيكوالي الثاني الذي أنهى قرونًا من حكم عائلة رومانوف لإلمبراطور­ية الروسية. اليوم وعلى الرغم من اختفاء أي ذكر ملجموعة فــاغــنــ­ر ومــؤســسـ­ـهــا بــريــغــ­وجــن مـــن نــشــرات األخـــبــ­ـار الــرئــيـ­ـســيــة فـــي الـــقـــن­ـــوات الـحـكـومـ­يـة الــــروسـ­ـــيــــة، إال أن تــــداعــ­ــيــــات أحــــــــ­داث يــومــي 23 و42 يــونــيــ­و 2023 بــقــيــت حــتــى األشــهــر األخــــيـ­ـــرة. وربـــمـــ­ا شـكـلـت إقـــالـــ­ة وزيــــر الــدفــاع ســـيـــرغ­ـــي شـــويـــغ­ـــو الـــشـــه­ـــر املــــاضـ­ـــي، واحـــــدة مـــن الـــخـــط­ـــوات املـــتـــ­أخـــرة، ولـــكـــن األســـاسـ­ــيـــة، ضمن الصفحة األخـيـرة في طـي سيرة تمرد بريغوجن و«فاغنر»، لكن «مسيرة العدالة»، االســــم الــــذي أطــلــقــ­ه بــريــغــ­وجــن عــلــى حــراكــه مع مئات من مقاتليه نحو مدينة روستوف عــلــى الــــــدو­ن، جــنــوبــ­ي روســـيـــ­ا، والحـــقــ­ـًا نحو العاصمة موسكو، لإلطاحة بشويغو ورئيس األركـــــ­ـــــان فــــالـــ­ـيــــري غـــيـــرا­ســـيـــمـ­ــوف، مـــــا زالـــــت مستمرة بآليات ومنفذين جــدد إلرادة سيد الــكــرمـ­ـلــن، وظــهــرت بـعـض مـعـاملـهـ­ا باعتقال وإقــالــة عــدد مــن الــجــنــ­راالت الـكـبـار فــي وزارة الـــدفـــ­اع، مـمـن دأب بـريـغـوجـ­ن عـلـى اتهامهم بالعمل ملصالحهم الـخـاصـة وجـمـع األمـــوال على حـسـاب تسليح الجيش ومـرتـزقـت­ـه. وال يـسـتـبـعـ­د أن يــســقــط مـــزيـــد مـــن الــــــرؤ­وس مع تـعـيـن بــوتــن االقـــتــ­ـصـــادي املـــعـــ­روف أنــدريــه بيلوسوف في منصب وزير الدفاع. شـــكـــل تــــمــــ­رد بـــريـــغ­ـــوجـــن ذروة الـــخـــا­لفـــات املـتـصـاع­ـدة مــع شويغو وغـيـراسـي­ـمـوف منذ خريف .2022 وعلى الرغم من اللهجة القاسية املــمــزو­جــة بـالـشـتـا­ئـم فــي خــطــاب بريغوجن بــحــق الـــرجـــ­لـــن، فــقــد حـــافـــظ الــكــرمـ­ـلــن على صــمــتــه عــلــنــًا، ولــــم تـــصـــدر عــنــه أي إشـــــارا­ت واضحة برفض أو دعم أي من الطرفن. وبدا أن األحداث التي جرت أثناء معارك السيطرة عــلــى بـــاخـــم­ـــوت األوكــــر­انــــيـــ­ـة، الـــتـــي اســتــمــ­رت أشـــــهــ­ـــرًا قـــبـــل الـــســـي­ـــطـــرة عـــلـــيـ­ــهـــا فـــــي مـــايـــو/ أيــــار 2023 عـجـلـت القطيعة بــن بريغوجن ووزارة الــدفــاع. ولــم تتمكن قـــوات فاغنر من السيطرة على وســط املـديـنـة، إال بعد أن أمر بوتن الجيش النظامي بتحصن مواقعها لحراسة أجنحتها مـن هجمات األوكـرانـ­يـن. ومنذ مـــارس/آذار 2023 سمح لــوزارة الدفاع الروسية بالتعاقد مع املساجن واملحكومن لــلــذهــ­اب إلـــى الـجـبـهـة فــي أوكـــرانـ­ــيـــا، مــا حـرم بريغوجن من خزانه البشري األساسي الذي اسـتـمـد مـنـه آالف املـــرتــ­ـزقـــة، بـعـد الــســمــ­اح له بتنفيذ فكرة العفو عن املساجن بعد الخدمة ستة أشهر في أوكرانيا. وبعد االستيالء على باخموت، طالبت وزارة الدفاع الروسية في 10 يونيو 2023 جميع املتطوعن الذين يقاتلون في أوكرانيا بتوقيع عقود مع الوزارة. وأثارت هـذه الخطوات غضب بريغوجن الــذي أدرك أن دوره فـي أوكـرانـيـ­ا انتهى عسكريًا، مـا قد يحرمه من عقود باملليارات لتزويد الجيش بـــاملـــ­ؤن واألطـــعـ­ــمـــة عــبــر شـــركـــا­تـــه. واســتــخـ­ـدم بـــريـــغ­ـــوجـــن ذريــــعــ­ــة قـــصـــف طـــــائــ­ـــرات وزارة الدفاع مواقع لـ «فاغنر» في لوغانسك، إلطالق «مـــســـيـ­ــرة الـــعـــد­الـــة» مـــســـاء 23 يــونــيــ­و .2023 وتـــقـــد­م مــئــات املــرتــز­قــة مـــن «فــاغــنــ­ر» بسرعة الفتة، واستولوا على مقر القيادة العسكرية الجنوبية فـي مدينة روســتــوف على الـــدون، مـقـر قــيــادة العملية العسكرية (الـــحـــر­ب) في أوكرانيا، وواصـلـوا تقدمهم بسرعة من دون مقاومة عمليًا، إلى حد االقتراب من العاصمة مــوســكــ­و عــلــى مــســافــ­ة نــحــو 200 كـيـلـومـت­ـر. وبالسرعة نفسها التي تقدمت بها «فاغنر»، وافـــق بـريـغـوجـ­ن، فـي 24 يونيو ،2023 على إنــــهـــ­ـاء تــــمــــ­رده بـــعـــد وســــاطــ­ــة مــــا زالــــــت مـحـط تــســاؤال­ت عـن دوافـعـهـا وأسبابها وفيما إذا كانت منسقة مـع الكرملن، قــام بها الرئيس البيالروسي ألكسندر لوكاشينكو. ورغم إنهاء بوتن تمرد بريغوجن من دون خـسـائـر بـشـريـة كـبـيـرة، وبـسـرعـة الفــتــة، فـإن النجاح في تمرد أو انقالب، ال يشبه باملطلق النجاة مـن أي منهما. وكشفت األحـــداث عن نـقـاط ســـوداء كثيرة فـي السياسة الروسية، وشــكــلــ­ت أخـــطـــر تــهــديــ­د لــلــنــظ­ــام الـــــذي عمل بوتن على بنائه منذ اعتالئه سدة الحكم في نهاية .1999 وتداعت صـورة بوتن كضامن لــالســتـ­ـقــرار فـــي الــــبـــ­ـالد، وهــــو الـــشـــع­ـــار الـــذي استخدمته بروباغندا الكرملن حن روجت لصالح التعديالت الدستورية التي سمحت لبوتن بـ«تصفير عــداد الـرئـاسـة» فـي 2020 والسماح له بالبقاء، نظريًا، حتى .2036 ورغم تماسك القوات الروسية على خطوط الجبهة، وعجز أوكرانيا عن استخدام الفوضى لشن هـجـوم، فتح الـتـقـدم الـسـريـع لـعـدة مـئـات من املرتزقة نحو العاصمة بسرعة كبيرة أثناء تمرد بريغوجن تساؤالت حول قوة الدفاعات الروسية، ولكن األهـم ربما التساؤالت حول قـوة النظام وتماسكه، وتعزيز املـخـاوف من إمـكـانـيـ­ة صــعــود شخصية قـومـيـة مـتـشـددة

شكل تمرد بريغوجين أخطر محطة في حكم بوتين منذ 1999

تمثّل «فاغنر» أداة مهمة جدًا للسياسة الخارجية الروسية

اعتبر مراقبون أن بوتين أزاح بريغوجين بإيعاز من باتروشيف

مـــن دون خـــبـــرة ســيــاســ­يــة إلــــى رأس الـــهـــر­م، فـــي دولــــة تـمـلـك أكــبــر مـــخـــزو­ن مـــن األسـلـحـة النووية في العالم. بعد ساعات من خطاب نـــــاري اتـــهـــم فــيــه بـــوتـــن «طـــبـــاخ الــكــرمـ­ـلــن» بتوجيه طعنة في الظهر، وتعهده بمحاسبة ومـــعـــا­قـــبـــة جـــمـــيـ­ــع املــــســ­ــؤولــــن عــــن الـــتـــم­ـــرد، بـــــرز تــغــيــي­ــر جــــــذري فــــي املــــوقـ­ـــف مــــع دخــــول لوكاشينكو عـلـى الــخــط، وإعــانــه التوصل إلـــى اتـــفـــا­ق يـنـهـي األزمـــــ­ة الــخــطــ­يــرة، يقضي بانسحاب عناصر «فاغنر» من األماكن التي وصـــلـــو­ا إلـيـهـا مـــن دون مـحـاكـمـة، ومنحهم مــع قـيـاداتـه­ـم مـكـانـا آمـنـا فــي مـعـسـكـرا­ت في بياروسيا. وأعلن املتحدث باسم الكرملن، دمـيـتـري بـيـسـكـوف، أن االتــفــا­ق تــم التوصل إليه «لتجنب إراقة الدماء». وبعد إنهاء تمرد بريغوجن الفاشل، اضطر بوتن، بعد نأي طــويــل، إلـــى الـتـدخـل بشكل مـبـاشـر ملعالجة آثـــار األزمــــة. وكـــان عليه أوال ترميم صورته كقائد قـوي وضامن لاستقرار والتوازنات قبل تسعة أشهر على االنتخابات الرئاسية، الـــتـــي فــــاز فــيــهــا بـــواليــ­ـة خــامــســ­ة فـــي مـــارس املـاضـي. ونظرًا لصعوبة املهمة الكامنة في الـتـأكـيـ­د عـلـى مـتـانـة الــنــظــ­ام، وعـــدم السماح مستقبا بــأي تهديد لـزعـزعـة نـظـام الحكم،

بدا أن بوتن لجأ إلى تبني حل على مراحل. وبعد أيــام فاجأ بوتن العالم باجتماع مع من وجـه «طعنة في الظهر» و43 من قيادات «فاغنر» فـي الكرملن بغياب قـيـادات وزارة الــــدفــ­ــاع، وحـــضـــو­ر رئــيــس الـــحـــر­س الـوطـنـي فـيـكـتـور زولـــوتــ­ـوف، ورئــيــس االسـتـخـب­ـارات الـــخـــا­رجـــيـــة ســـيـــرغ­ـــي نـــاريـــ­شـــكـــن. ولـــــم يــقــر الكرملن بحصول اللقاء فـي 29 يونيو، إال في 10 يوليو/تموز ،2023 حن قال بيسكوف إن بوتن دعا قيادة املجموعة العسكرية إلى اجــتــمــ­اع فـــي الــكــرمـ­ـلــن، حــضــره 35 شخصا يمثلون الصف األول من القيادات العسكرية في «فاغنر»، وضمنهم بريغوجن. وبحسب بـيـسـكـوف، فـــإن بـوتـن «قــــدم تقييما ألعـمـال املجموعة على جبهات الـقـتـال ومشاركتها الـنـشـطـة فـــي الـعـمـلـي­ـة الـعـسـكـر­يـة الــخــاصـ­ـة، كـمـا قـــدم تقييمه ألحــــداث 24 يـونـيـو (تـمـرد بريغوجن املسلح)، واستمع إلـى تفسيرات الــقــادة وعـــرض عليهم مــزيــدًا مــن الـخـيـارا­ت لــلــتــع­ــاون الــــاحــ­ــق». وأضــــــا­ف بــيــســك­ــوف أن «قــــادة فـاغـنـر أكــــدوا والءهــــم الـكـامـل لرئيس الـــدولــ­ـة والـــقـــ­ائـــد األعـــلــ­ـى لــلــقــو­ات املـسـلـحـ­ة». وتـجـنـب بيسكوف اإلجــابــ­ة عــن ســـؤال فيما إذا حــضــرت قــيــادة وزارة الـــدفـــ­اع االجـتـمـا­ع

أم ال، وقــــال «لــيــس لــــدي مـــا أضـيـفـه عـــن هـذا االجـتـمـا­ع». ورغــم عـدم إشــارة بيسكوف إلى مصير قــوات فاغنر، مـن الـواضـح أن حقيقة عقد االجتماع كشفت أن هناك حاجة ملقاتلي «فاغنر» في املعارك في إطار الحرب الروسية على أوكرانيا، خصوصا في ظل تقارير عن أن خسائر روسيا كبيرة بن قتلى وجرحى، وكـــــذلـ­ــــك حــــمــــ­ايــــة املــــنــ­ــاطــــق الـــــحــ­ـــدوديـــ­ــة فــي نوفغورود وبريانسك وكورسك من الهجمات األوكرانية. كما أثبت االجتماع أن الكرملن بدأ بعد صدمة تمرد بريغوجن في التفكير في طرق مواصلة عمل «فاغنر» في الخارج، وفي سورية وأفريقيا على وجه الخصوص. وأظـــهـــ­رت الــوقــائ­ــع الــاحــقـ­ـة أن بــوتــن أنهى الــخــطــ­ر املـــبـــ­اشـــر مـــن تـــمـــرد بــريــغــ­وجــن من دون خسارة جهود «فاغنر» في الحرب على أوكــرانــ­يــا، أو حـمـايـة املـصـالـح الــروســي­ــة في أفــريــقـ­ـيــا، وخـــلـــق فــــرص إضــافــيـ­ـة لتوسعها فــــي هــــــذه الــــــقـ­ـــــارة، ورمـــــــ­م صــــورتــ­ــه كــضــامــ­ن لــاســتــ­قــرار، لـكـنـه كـــان أمــــام مـعـضـلـة أخـــرى وهـــي فــقــدان صـــورة الـقـائـد الـحـاسـم الـــذي ال يمكن أن يغفر الخيانة. وبعد شهرين بالتمام والكمال، سقطت طائرة بريغوجن مع كبار مساعديه، ورغـم وصف الكرملن االتهامات

لـه بقتل بريغوجن بأنها «سـخـافـات»، فإن كثيرًا من املراقبن رأوا أن بوتن بأقل تقدير وافــق على مقترح صديقه، سكرتير مجلس األمن الروسي حينها نيكوالي باتروشيف، على اغتيال بريغوجن، لتضاف الحادثة إلى حـوادث سابقة، ربما لن يعرف منفذوها إال بعد انتهاء حكم بوتن. بــعــد أيـــــام مـــن الـــتـــم­ـــرد، أعـــلـــن الــكــرمـ­ـلــن أنــه سيتم السماح لقوات فاغنر التي لم تشارك فـي التمرد بتوقيع عقود مـع وزارة الـدفـاع. وأنــه لـن تتم محاكمة أولـئـك الـذيـن انضموا إلــــــى الــــقـــ­ـافــــلــ­ــة. وأشـــــــ­ــار بـــيـــسـ­ــكـــوف إلــــــى أن «فاغنر» بشكلها الحالي لـم تعد مـوجـودة. واســــتــ­ــضــــاف لــوكــاشـ­ـيــنــكــ­و آالف املــقــات­ــلــن ممن رفضوا توقيع عقود مع وزارة الدفاع الـــروســ­ـيـــة أو شـــاركـــ­وا فـــي الــتــمــ­رد الــفــاشـ­ـل، لــكــن عـــددهـــ­م حــالــيــ­ا تـــراجـــ­ع حــســب وســائــل اإلعام الغربية إلى نحو مائة فقط، يعملون كـــمـــدر­بـــن. ولـــيـــس مـــعـــرو­فـــا حــتــى اآلن عــدد مقاتلي «فاغنر» ممن وافقوا على االنضمام لـلـجـيـش الــــروسـ­ـــي. وفــــي نــهــايــ­ة سـبـتـمـبـ­ر/ أيلول ،2023 أعلن الجنرال الشيشاني أبتي أالوديــنـ­ـوف عن انضمام مئات املقاتلن من «فـاغـنـر» إلــى صـفـوف قـــوات «أخــمــات» التي أوكلت له مهمة قيادتها. واستفادة من درس الــتــمــ­رد، تــم جـمـع الــعــشــ­رات مــن مجموعات املتطوعن الذين جندتهم الشركات الروسية الضخمة فــي فـرقـة خـاصـة بـاسـم «ريـــدوت» بــــإشـــ­ـراف مـــبـــاش­ـــر مــــن الــــجـــ­ـنــــرال فــاديــمـ­ـيــر ألكسيف، الـــذي ظهر فــي مقاطع فيديو مع بريغوجن حن سيطرت «فاغنر» على مقر قـيـادة الـقـوات املسلحة الروسية الجنوبية. وفـي سبتمبر ،2023 التقى بوتن بحضور يونس بيك يفكوروف نائب وزير الدفاع مع أنـدريـه تروشيف املعرف باسم «ذي الشعر الرمادي» (الشائب) وحينها طلب بوتن من تروشيف تشكيل وقيادة «وحدات تطوعية» للحرب في أوكرانيا، ما يعني أنه بات القائد الفعلي لجميع املتطوعن الروس في الحرب. أظــهــرت الــســنــ­وات األخـــيــ­ـرة أن «فــاغــنــ­ر» تعد

أداة مـــهـــمـ­ــة لـــلـــغـ­ــايـــة لـــلـــسـ­ــيـــاســ­ـة الـــخـــا­رجـــيـــة الروسية في سورية وليبيا وعدد من البلدان األفريقية. ونظرًا ألهميتها، فقد أشرف بوتن شخصيا على إيجاد صيغة الستمرارها بعد وفـاة بريغوجن وضمان أنها ستبقى تحت رعاية الكرملن. وربما كان الــدرس املستفاد مـــن الـــتـــم­ـــرد هـــو أن أي تــشــكــي­ــات عـسـكـريـة روســـيـــ­ة غــيــر نـظـامـيـة فـــي الـــداخــ­ـل والـــخـــ­ارج يـــجـــب أن تــبــقــى تـــحـــت الـــســـي­ـــطـــرة املـــبـــ­اشـــرة للكرملن ووزارة الـدفـاع. ومنذ خريف العام املـــاضــ­ـي، أجـــــرى نـــائـــب وزيـــــر الـــدفـــ­اع يـونـس بيك يـفـكـوروف، رحـــات إلــى سـوريـة والـــدول األفـــريـ­ــقـــيـــ­ة بـــهـــدف إنــــشـــ­ـاء هــيــكــل جـــديـــد مـن التفاعل معها. وعمل يفكوروف بنشاط مع زعماء مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكانت نتيجة عمله أن أعلنت هذه الدول الثاث عن إنـــشـــا­ء تـحـالـف عــســكــر­ي، وهـــو تـحـالـف دول الـــســـا­حـــل. وتـــــم اإلعــــــ­ـان الحـــقـــ­ا عــــن «الــفــيــ­لــق األفريقي» التابع لوزارة الدفاع الروسية. وفي الـبـدايـة، كــان مـن املفترض أن ينضم مرتزقة فـاغـنـر املـــوجــ­ـودون بالفعل فــي هـــذه الـبـلـدان إلـى «الفيلق األفـريـقـ­ي» ويـوقـعـون عـقـودًا مع وزارة الــدفــاع، ولـكـن الحـقـا تـبـن أن «فاغنر» مـا زالـــت تعمل بشكل مستقل فـي جمهورية أفــريــقـ­ـيــا الـــوســـ­طـــى، بــالــتــ­نــســيــق الـــكـــا­مـــل مع وزارة الـــدفـــ­اع بـقـيـادة بــافــل بـريـغـوجـ­ن، ابـن مؤسس املجموعة يفغيني. وفي باقي الدول األفريقية، إضافة إلى سورية وليبيا، أصبح فرع االستخبارا­ت العسكرية الروسية املشرف على عمل مجموعات املرتزقة، تحت مسميات مـــدربـــ­ن وحـــــراس لـلـمـنـشـ­آت الــحــيــ­ويــة. وبـــدا واضحا أن بوتن اختار االنحياز إلى وزارة الــدفــاع عـلـى حـسـاب بـريـغـوجـ­ن، للمحافظة على مؤسسة مهمة في ظل «حرب وجودية» مــــع أوكــــران­ــــيــــا والـــــغـ­ــــرب. ورغــــــم كـــشـــف تــمــرد بريغوجن عن حجم األزمة في إدارة الجيش الـروسـي وبشكل عـام في النخبة العسكرية، قــــرر بـــوتـــن الـــتـــأ­نـــي لـــعـــدم الــــخـــ­ـروج بمظهر الـــــراض­ـــــخ لــــشــــ­روط بـــريـــغ­ـــوجـــن، واهـــتـــ­مـــامـــه بترتيب أوضاع مستقبل املجموعة املهمة في الـسـيـاسـ­ات الـروسـيـة وحـربـهـا مـع أوكـرانـيـ­ا. وبـــدا أن الـتـغـيـي­ـرات فــي وزارة الــدفــاع مقبلة بالتأكيد، ولكن إقالة شويغو وغيراسيموف، حـيـنـهـا، كـــان يمكن أن تــوجــه رســالــة سلبية لسير املـعـارك فـي ظـل الـحـرب على أوكرانيا، وإقــــــر­ارًا بـالـفـشـل وإضـــعـــ­اف الـــــروح املـعـنـوي­ـة للمقاتلن وتــراجــع الــدعــم الشعبي للحرب، والــخــشـ­ـيــة مـــن أن تــفــهــم اإلقــــــ­ـاالت عــلــى أنـهـا ضمن شـروط وافـق عليها بوتن في االتفاق مــع بـريـغـوجـ­ن لــوقــف الــتــمــ­رد وتــقــدم قـواتـه نــحــو مـــوســـك­ـــو. والــــواض­ــــح أن بـــوتـــن انـتـهـز فرصة إعادة تنصيبه رئيسا في مايو املاضي لطي صفحة تمرد بريغوجن الفاشل بإقالة شـويـغـو، بعدما خلصه تفجير طــائــرة قرب موسكو من «طباخ الكرملن». وأطلق بوتن عـمـلـيـة تـطـهـيـر واســـعـــ­ة فـــي الـــــــو­زارة طــاولــت نــوابــا لـشـويـغـو، واتـــهـــ­م عـــدد مــن الــجــنــ­راالت الروس اآلخرين بالفساد، وتم فصل بعضهم من الـــوزارة. وكانت إقالة شويغو دليا على أن الـــكـــر­مـــلـــن كـــــان غـــيـــر راض عــــن الــطــريـ­ـقــة الـــتـــي قــــاد بــهــا شــويــغــ­و الــجــيــ­ش مـــن وجـهـة نظر اقـتـصـادي­ـة، على األقـــل. وبـعـد عــام على تـــمـــرد بــريــغــ­وجــن الـــفـــا­شـــل، بــــدا واضـــحـــ­ا أن فاغنر لـم تعد عـامـا مزعزعا لاستقرار مع انــهــيــ­ار إمـبـراطـو­ريـتـهـا الـكـبـيـر­ة وتقسيمها وإدارة عملها بـإشـراف مباشر مـن الكرملن ووزارة الدفاع.

 ?? ??
 ?? (أركادي بودنيتسكي/األناضول) ?? عنصر من «فاغنر» في روستوف، 24 يونيو 2023
(أركادي بودنيتسكي/األناضول) عنصر من «فاغنر» في روستوف، 24 يونيو 2023

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar