عام على تمرد بريغوجين
«فاغنر» باقية تحت سلطة الكرملين
بعد عام على تمرّد «فاغنر» بقيادة يفغيني بريغوجين على الكرملين، باتت المجموعة ضمن ضوابط وأسماء جديدة بيد الرئيس فالديمير بوتين، الذي أخمد تمرد بريغوجين، مشّددًا قبضته على السلطة في روسيا
بــــعــــد عــــــــام عــــلــــى تـــــمـــــرد مـــؤســـس مــــــجــــــمــــــوعــــــة فــــــاغــــــنــــــر يـــفـــغـــيـــنـــي بريغوجن، املـعـروف بأنه «طباخ الكرملن»، بدا وكأن بريغوجن لم يكن يومًا، لكن فـكـرة «فـاغـنـر» بقيت بـأسـمـاء وضـوابـط جــديــدة رسـمـهـا الـرئـيـس الــروســي فالديمير بـــوتـــن بــعــنــايــة فـــائـــقـــة، بــمــا يــضــمــن لـــه عــدم تـــكـــرار «أي طــعــنــة فـــي الـــظـــهـــر»، أو تـعـريـض روســـيـــا لـخـطـر جـــديـــد، كــمــا حــــدث يـــومـــي 23 و42 يونيو/حزيران .2023 هذا التمرد شكل أخطر تهديد للنظام الــذي أسسه بوتن في روسيا منذ عام ،1999 وضرب صورة بوتن كــضــامــن لــالســتــقــرار فـــي الـــبـــالد. ولــيــس هــذا فحسب، بـل إن الرئيس الــروســي وصــف هذا الحدث حينها، بأنه األخطر على بنية الدولة الروسية منذ عـام ،1917 أي عـام الثورة على القيصر نيكوالي الثاني الذي أنهى قرونًا من حكم عائلة رومانوف لإلمبراطورية الروسية. اليوم وعلى الرغم من اختفاء أي ذكر ملجموعة فــاغــنــر ومــؤســســهــا بــريــغــوجــن مـــن نــشــرات األخـــبـــار الــرئــيــســيــة فـــي الـــقـــنـــوات الـحـكـومـيـة الــــروســــيــــة، إال أن تــــداعــــيــــات أحــــــــداث يــومــي 23 و42 يــونــيــو 2023 بــقــيــت حــتــى األشــهــر األخــــيــــرة. وربـــمـــا شـكـلـت إقـــالـــة وزيــــر الــدفــاع ســـيـــرغـــي شـــويـــغـــو الـــشـــهـــر املــــاضــــي، واحـــــدة مـــن الـــخـــطـــوات املـــتـــأخـــرة، ولـــكـــن األســـاســـيـــة، ضمن الصفحة األخـيـرة في طـي سيرة تمرد بريغوجن و«فاغنر»، لكن «مسيرة العدالة»، االســــم الــــذي أطــلــقــه بــريــغــوجــن عــلــى حــراكــه مع مئات من مقاتليه نحو مدينة روستوف عــلــى الــــــدون، جــنــوبــي روســـيـــا، والحـــقـــًا نحو العاصمة موسكو، لإلطاحة بشويغو ورئيس األركــــــــــان فــــالــــيــــري غـــيـــراســـيـــمـــوف، مـــــا زالـــــت مستمرة بآليات ومنفذين جــدد إلرادة سيد الــكــرمــلــن، وظــهــرت بـعـض مـعـاملـهـا باعتقال وإقــالــة عــدد مــن الــجــنــراالت الـكـبـار فــي وزارة الـــدفـــاع، مـمـن دأب بـريـغـوجـن عـلـى اتهامهم بالعمل ملصالحهم الـخـاصـة وجـمـع األمـــوال على حـسـاب تسليح الجيش ومـرتـزقـتـه. وال يـسـتـبـعـد أن يــســقــط مـــزيـــد مـــن الــــــرؤوس مع تـعـيـن بــوتــن االقـــتـــصـــادي املـــعـــروف أنــدريــه بيلوسوف في منصب وزير الدفاع. شـــكـــل تــــمــــرد بـــريـــغـــوجـــن ذروة الـــخـــالفـــات املـتـصـاعـدة مــع شويغو وغـيـراسـيـمـوف منذ خريف .2022 وعلى الرغم من اللهجة القاسية املــمــزوجــة بـالـشـتـائـم فــي خــطــاب بريغوجن بــحــق الـــرجـــلـــن، فــقــد حـــافـــظ الــكــرمــلــن على صــمــتــه عــلــنــًا، ولــــم تـــصـــدر عــنــه أي إشـــــارات واضحة برفض أو دعم أي من الطرفن. وبدا أن األحداث التي جرت أثناء معارك السيطرة عــلــى بـــاخـــمـــوت األوكــــرانــــيــــة، الـــتـــي اســتــمــرت أشـــــهـــــرًا قـــبـــل الـــســـيـــطـــرة عـــلـــيـــهـــا فـــــي مـــايـــو/ أيــــار 2023 عـجـلـت القطيعة بــن بريغوجن ووزارة الــدفــاع. ولــم تتمكن قـــوات فاغنر من السيطرة على وســط املـديـنـة، إال بعد أن أمر بوتن الجيش النظامي بتحصن مواقعها لحراسة أجنحتها مـن هجمات األوكـرانـيـن. ومنذ مـــارس/آذار 2023 سمح لــوزارة الدفاع الروسية بالتعاقد مع املساجن واملحكومن لــلــذهــاب إلـــى الـجـبـهـة فــي أوكـــرانـــيـــا، مــا حـرم بريغوجن من خزانه البشري األساسي الذي اسـتـمـد مـنـه آالف املـــرتـــزقـــة، بـعـد الــســمــاح له بتنفيذ فكرة العفو عن املساجن بعد الخدمة ستة أشهر في أوكرانيا. وبعد االستيالء على باخموت، طالبت وزارة الدفاع الروسية في 10 يونيو 2023 جميع املتطوعن الذين يقاتلون في أوكرانيا بتوقيع عقود مع الوزارة. وأثارت هـذه الخطوات غضب بريغوجن الــذي أدرك أن دوره فـي أوكـرانـيـا انتهى عسكريًا، مـا قد يحرمه من عقود باملليارات لتزويد الجيش بـــاملـــؤن واألطـــعـــمـــة عــبــر شـــركـــاتـــه. واســتــخــدم بـــريـــغـــوجـــن ذريــــعــــة قـــصـــف طـــــائـــــرات وزارة الدفاع مواقع لـ «فاغنر» في لوغانسك، إلطالق «مـــســـيـــرة الـــعـــدالـــة» مـــســـاء 23 يــونــيــو .2023 وتـــقـــدم مــئــات املــرتــزقــة مـــن «فــاغــنــر» بسرعة الفتة، واستولوا على مقر القيادة العسكرية الجنوبية فـي مدينة روســتــوف على الـــدون، مـقـر قــيــادة العملية العسكرية (الـــحـــرب) في أوكرانيا، وواصـلـوا تقدمهم بسرعة من دون مقاومة عمليًا، إلى حد االقتراب من العاصمة مــوســكــو عــلــى مــســافــة نــحــو 200 كـيـلـومـتـر. وبالسرعة نفسها التي تقدمت بها «فاغنر»، وافـــق بـريـغـوجـن، فـي 24 يونيو ،2023 على إنــــهــــاء تــــمــــرده بـــعـــد وســــاطــــة مــــا زالــــــت مـحـط تــســاؤالت عـن دوافـعـهـا وأسبابها وفيما إذا كانت منسقة مـع الكرملن، قــام بها الرئيس البيالروسي ألكسندر لوكاشينكو. ورغم إنهاء بوتن تمرد بريغوجن من دون خـسـائـر بـشـريـة كـبـيـرة، وبـسـرعـة الفــتــة، فـإن النجاح في تمرد أو انقالب، ال يشبه باملطلق النجاة مـن أي منهما. وكشفت األحـــداث عن نـقـاط ســـوداء كثيرة فـي السياسة الروسية، وشــكــلــت أخـــطـــر تــهــديــد لــلــنــظــام الـــــذي عمل بوتن على بنائه منذ اعتالئه سدة الحكم في نهاية .1999 وتداعت صـورة بوتن كضامن لــالســتــقــرار فـــي الــــبــــالد، وهــــو الـــشـــعـــار الـــذي استخدمته بروباغندا الكرملن حن روجت لصالح التعديالت الدستورية التي سمحت لبوتن بـ«تصفير عــداد الـرئـاسـة» فـي 2020 والسماح له بالبقاء، نظريًا، حتى .2036 ورغم تماسك القوات الروسية على خطوط الجبهة، وعجز أوكرانيا عن استخدام الفوضى لشن هـجـوم، فتح الـتـقـدم الـسـريـع لـعـدة مـئـات من املرتزقة نحو العاصمة بسرعة كبيرة أثناء تمرد بريغوجن تساؤالت حول قوة الدفاعات الروسية، ولكن األهـم ربما التساؤالت حول قـوة النظام وتماسكه، وتعزيز املـخـاوف من إمـكـانـيـة صــعــود شخصية قـومـيـة مـتـشـددة
شكل تمرد بريغوجين أخطر محطة في حكم بوتين منذ 1999
تمثّل «فاغنر» أداة مهمة جدًا للسياسة الخارجية الروسية
اعتبر مراقبون أن بوتين أزاح بريغوجين بإيعاز من باتروشيف
مـــن دون خـــبـــرة ســيــاســيــة إلــــى رأس الـــهـــرم، فـــي دولــــة تـمـلـك أكــبــر مـــخـــزون مـــن األسـلـحـة النووية في العالم. بعد ساعات من خطاب نـــــاري اتـــهـــم فــيــه بـــوتـــن «طـــبـــاخ الــكــرمــلــن» بتوجيه طعنة في الظهر، وتعهده بمحاسبة ومـــعـــاقـــبـــة جـــمـــيـــع املــــســــؤولــــن عــــن الـــتـــمـــرد، بـــــرز تــغــيــيــر جــــــذري فــــي املــــوقــــف مــــع دخــــول لوكاشينكو عـلـى الــخــط، وإعــانــه التوصل إلـــى اتـــفـــاق يـنـهـي األزمـــــة الــخــطــيــرة، يقضي بانسحاب عناصر «فاغنر» من األماكن التي وصـــلـــوا إلـيـهـا مـــن دون مـحـاكـمـة، ومنحهم مــع قـيـاداتـهـم مـكـانـا آمـنـا فــي مـعـسـكـرات في بياروسيا. وأعلن املتحدث باسم الكرملن، دمـيـتـري بـيـسـكـوف، أن االتــفــاق تــم التوصل إليه «لتجنب إراقة الدماء». وبعد إنهاء تمرد بريغوجن الفاشل، اضطر بوتن، بعد نأي طــويــل، إلـــى الـتـدخـل بشكل مـبـاشـر ملعالجة آثـــار األزمــــة. وكـــان عليه أوال ترميم صورته كقائد قـوي وضامن لاستقرار والتوازنات قبل تسعة أشهر على االنتخابات الرئاسية، الـــتـــي فــــاز فــيــهــا بـــواليـــة خــامــســة فـــي مـــارس املـاضـي. ونظرًا لصعوبة املهمة الكامنة في الـتـأكـيـد عـلـى مـتـانـة الــنــظــام، وعـــدم السماح مستقبا بــأي تهديد لـزعـزعـة نـظـام الحكم،
بدا أن بوتن لجأ إلى تبني حل على مراحل. وبعد أيــام فاجأ بوتن العالم باجتماع مع من وجـه «طعنة في الظهر» و43 من قيادات «فاغنر» فـي الكرملن بغياب قـيـادات وزارة الــــدفــــاع، وحـــضـــور رئــيــس الـــحـــرس الـوطـنـي فـيـكـتـور زولـــوتـــوف، ورئــيــس االسـتـخـبـارات الـــخـــارجـــيـــة ســـيـــرغـــي نـــاريـــشـــكـــن. ولـــــم يــقــر الكرملن بحصول اللقاء فـي 29 يونيو، إال في 10 يوليو/تموز ،2023 حن قال بيسكوف إن بوتن دعا قيادة املجموعة العسكرية إلى اجــتــمــاع فـــي الــكــرمــلــن، حــضــره 35 شخصا يمثلون الصف األول من القيادات العسكرية في «فاغنر»، وضمنهم بريغوجن. وبحسب بـيـسـكـوف، فـــإن بـوتـن «قــــدم تقييما ألعـمـال املجموعة على جبهات الـقـتـال ومشاركتها الـنـشـطـة فـــي الـعـمـلـيـة الـعـسـكـريـة الــخــاصــة، كـمـا قـــدم تقييمه ألحــــداث 24 يـونـيـو (تـمـرد بريغوجن املسلح)، واستمع إلـى تفسيرات الــقــادة وعـــرض عليهم مــزيــدًا مــن الـخـيـارات لــلــتــعــاون الــــاحــــق». وأضــــــاف بــيــســكــوف أن «قــــادة فـاغـنـر أكــــدوا والءهــــم الـكـامـل لرئيس الـــدولـــة والـــقـــائـــد األعـــلـــى لــلــقــوات املـسـلـحـة». وتـجـنـب بيسكوف اإلجــابــة عــن ســـؤال فيما إذا حــضــرت قــيــادة وزارة الـــدفـــاع االجـتـمـاع
أم ال، وقــــال «لــيــس لــــدي مـــا أضـيـفـه عـــن هـذا االجـتـمـاع». ورغــم عـدم إشــارة بيسكوف إلى مصير قــوات فاغنر، مـن الـواضـح أن حقيقة عقد االجتماع كشفت أن هناك حاجة ملقاتلي «فاغنر» في املعارك في إطار الحرب الروسية على أوكرانيا، خصوصا في ظل تقارير عن أن خسائر روسيا كبيرة بن قتلى وجرحى، وكـــــذلـــــك حــــمــــايــــة املــــنــــاطــــق الـــــحـــــدوديـــــة فــي نوفغورود وبريانسك وكورسك من الهجمات األوكرانية. كما أثبت االجتماع أن الكرملن بدأ بعد صدمة تمرد بريغوجن في التفكير في طرق مواصلة عمل «فاغنر» في الخارج، وفي سورية وأفريقيا على وجه الخصوص. وأظـــهـــرت الــوقــائــع الــاحــقــة أن بــوتــن أنهى الــخــطــر املـــبـــاشـــر مـــن تـــمـــرد بــريــغــوجــن من دون خسارة جهود «فاغنر» في الحرب على أوكــرانــيــا، أو حـمـايـة املـصـالـح الــروســيــة في أفــريــقــيــا، وخـــلـــق فــــرص إضــافــيــة لتوسعها فــــي هــــــذه الــــــقــــــارة، ورمـــــــم صــــورتــــه كــضــامــن لــاســتــقــرار، لـكـنـه كـــان أمــــام مـعـضـلـة أخـــرى وهـــي فــقــدان صـــورة الـقـائـد الـحـاسـم الـــذي ال يمكن أن يغفر الخيانة. وبعد شهرين بالتمام والكمال، سقطت طائرة بريغوجن مع كبار مساعديه، ورغـم وصف الكرملن االتهامات
لـه بقتل بريغوجن بأنها «سـخـافـات»، فإن كثيرًا من املراقبن رأوا أن بوتن بأقل تقدير وافــق على مقترح صديقه، سكرتير مجلس األمن الروسي حينها نيكوالي باتروشيف، على اغتيال بريغوجن، لتضاف الحادثة إلى حـوادث سابقة، ربما لن يعرف منفذوها إال بعد انتهاء حكم بوتن. بــعــد أيـــــام مـــن الـــتـــمـــرد، أعـــلـــن الــكــرمــلــن أنــه سيتم السماح لقوات فاغنر التي لم تشارك فـي التمرد بتوقيع عقود مـع وزارة الـدفـاع. وأنــه لـن تتم محاكمة أولـئـك الـذيـن انضموا إلــــــى الــــقــــافــــلــــة. وأشـــــــــار بـــيـــســـكـــوف إلــــــى أن «فاغنر» بشكلها الحالي لـم تعد مـوجـودة. واســــتــــضــــاف لــوكــاشــيــنــكــو آالف املــقــاتــلــن ممن رفضوا توقيع عقود مع وزارة الدفاع الـــروســـيـــة أو شـــاركـــوا فـــي الــتــمــرد الــفــاشــل، لــكــن عـــددهـــم حــالــيــا تـــراجـــع حــســب وســائــل اإلعام الغربية إلى نحو مائة فقط، يعملون كـــمـــدربـــن. ولـــيـــس مـــعـــروفـــا حــتــى اآلن عــدد مقاتلي «فاغنر» ممن وافقوا على االنضمام لـلـجـيـش الــــروســــي. وفــــي نــهــايــة سـبـتـمـبـر/ أيلول ،2023 أعلن الجنرال الشيشاني أبتي أالوديــنــوف عن انضمام مئات املقاتلن من «فـاغـنـر» إلــى صـفـوف قـــوات «أخــمــات» التي أوكلت له مهمة قيادتها. واستفادة من درس الــتــمــرد، تــم جـمـع الــعــشــرات مــن مجموعات املتطوعن الذين جندتهم الشركات الروسية الضخمة فــي فـرقـة خـاصـة بـاسـم «ريـــدوت» بــــإشــــراف مـــبـــاشـــر مــــن الــــجــــنــــرال فــاديــمــيــر ألكسيف، الـــذي ظهر فــي مقاطع فيديو مع بريغوجن حن سيطرت «فاغنر» على مقر قـيـادة الـقـوات املسلحة الروسية الجنوبية. وفـي سبتمبر ،2023 التقى بوتن بحضور يونس بيك يفكوروف نائب وزير الدفاع مع أنـدريـه تروشيف املعرف باسم «ذي الشعر الرمادي» (الشائب) وحينها طلب بوتن من تروشيف تشكيل وقيادة «وحدات تطوعية» للحرب في أوكرانيا، ما يعني أنه بات القائد الفعلي لجميع املتطوعن الروس في الحرب. أظــهــرت الــســنــوات األخـــيـــرة أن «فــاغــنــر» تعد
أداة مـــهـــمـــة لـــلـــغـــايـــة لـــلـــســـيـــاســـة الـــخـــارجـــيـــة الروسية في سورية وليبيا وعدد من البلدان األفريقية. ونظرًا ألهميتها، فقد أشرف بوتن شخصيا على إيجاد صيغة الستمرارها بعد وفـاة بريغوجن وضمان أنها ستبقى تحت رعاية الكرملن. وربما كان الــدرس املستفاد مـــن الـــتـــمـــرد هـــو أن أي تــشــكــيــات عـسـكـريـة روســـيـــة غــيــر نـظـامـيـة فـــي الـــداخـــل والـــخـــارج يـــجـــب أن تــبــقــى تـــحـــت الـــســـيـــطـــرة املـــبـــاشـــرة للكرملن ووزارة الـدفـاع. ومنذ خريف العام املـــاضـــي، أجـــــرى نـــائـــب وزيـــــر الـــدفـــاع يـونـس بيك يـفـكـوروف، رحـــات إلــى سـوريـة والـــدول األفـــريـــقـــيـــة بـــهـــدف إنــــشــــاء هــيــكــل جـــديـــد مـن التفاعل معها. وعمل يفكوروف بنشاط مع زعماء مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكانت نتيجة عمله أن أعلنت هذه الدول الثاث عن إنـــشـــاء تـحـالـف عــســكــري، وهـــو تـحـالـف دول الـــســـاحـــل. وتـــــم اإلعـــــــان الحـــقـــا عــــن «الــفــيــلــق األفريقي» التابع لوزارة الدفاع الروسية. وفي الـبـدايـة، كــان مـن املفترض أن ينضم مرتزقة فـاغـنـر املـــوجـــودون بالفعل فــي هـــذه الـبـلـدان إلـى «الفيلق األفـريـقـي» ويـوقـعـون عـقـودًا مع وزارة الــدفــاع، ولـكـن الحـقـا تـبـن أن «فاغنر» مـا زالـــت تعمل بشكل مستقل فـي جمهورية أفــريــقــيــا الـــوســـطـــى، بــالــتــنــســيــق الـــكـــامـــل مع وزارة الـــدفـــاع بـقـيـادة بــافــل بـريـغـوجـن، ابـن مؤسس املجموعة يفغيني. وفي باقي الدول األفريقية، إضافة إلى سورية وليبيا، أصبح فرع االستخبارات العسكرية الروسية املشرف على عمل مجموعات املرتزقة، تحت مسميات مـــدربـــن وحـــــراس لـلـمـنـشـآت الــحــيــويــة. وبـــدا واضحا أن بوتن اختار االنحياز إلى وزارة الــدفــاع عـلـى حـسـاب بـريـغـوجـن، للمحافظة على مؤسسة مهمة في ظل «حرب وجودية» مــــع أوكــــرانــــيــــا والـــــغـــــرب. ورغــــــم كـــشـــف تــمــرد بريغوجن عن حجم األزمة في إدارة الجيش الـروسـي وبشكل عـام في النخبة العسكرية، قــــرر بـــوتـــن الـــتـــأنـــي لـــعـــدم الــــخــــروج بمظهر الـــــراضـــــخ لــــشــــروط بـــريـــغـــوجـــن، واهـــتـــمـــامـــه بترتيب أوضاع مستقبل املجموعة املهمة في الـسـيـاسـات الـروسـيـة وحـربـهـا مـع أوكـرانـيـا. وبـــدا أن الـتـغـيـيـرات فــي وزارة الــدفــاع مقبلة بالتأكيد، ولكن إقالة شويغو وغيراسيموف، حـيـنـهـا، كـــان يمكن أن تــوجــه رســالــة سلبية لسير املـعـارك فـي ظـل الـحـرب على أوكرانيا، وإقــــــرارًا بـالـفـشـل وإضـــعـــاف الـــــروح املـعـنـويـة للمقاتلن وتــراجــع الــدعــم الشعبي للحرب، والــخــشــيــة مـــن أن تــفــهــم اإلقـــــــاالت عــلــى أنـهـا ضمن شـروط وافـق عليها بوتن في االتفاق مــع بـريـغـوجـن لــوقــف الــتــمــرد وتــقــدم قـواتـه نــحــو مـــوســـكـــو. والــــواضــــح أن بـــوتـــن انـتـهـز فرصة إعادة تنصيبه رئيسا في مايو املاضي لطي صفحة تمرد بريغوجن الفاشل بإقالة شـويـغـو، بعدما خلصه تفجير طــائــرة قرب موسكو من «طباخ الكرملن». وأطلق بوتن عـمـلـيـة تـطـهـيـر واســـعـــة فـــي الـــــــوزارة طــاولــت نــوابــا لـشـويـغـو، واتـــهـــم عـــدد مــن الــجــنــراالت الروس اآلخرين بالفساد، وتم فصل بعضهم من الـــوزارة. وكانت إقالة شويغو دليا على أن الـــكـــرمـــلـــن كـــــان غـــيـــر راض عــــن الــطــريــقــة الـــتـــي قــــاد بــهــا شــويــغــو الــجــيــش مـــن وجـهـة نظر اقـتـصـاديـة، على األقـــل. وبـعـد عــام على تـــمـــرد بــريــغــوجــن الـــفـــاشـــل، بــــدا واضـــحـــا أن فاغنر لـم تعد عـامـا مزعزعا لاستقرار مع انــهــيــار إمـبـراطـوريـتـهـا الـكـبـيـرة وتقسيمها وإدارة عملها بـإشـراف مباشر مـن الكرملن ووزارة الدفاع.