Al Araby Al Jadeed

حكم الساحة يطلق صافرة النهاية

- عيسى الشعيبي

بعد تسويف نحو أربعة أشهر، مدد خاللها وقت املباراة مرات، وغادر في غضونها املتفّرجون مقاعدهم في املدّرجات، وخفت تدريجيًا حرارة الهتافات على جانبي االستاد، أطلق حكم الساحة، أخيرًا، صافرة النهاية، معلنًا اختتام املباراة الساخنة التي امتدت زمنًا أطول من كل املباريات السابقة على مدار 76 سنة، تخللت بعضها منافسات قصيرة، أحيانًا من شوط واحد، سجل فيها الفريق، املدرب جيدًا واملجهز بأفضل املعدات، أغلب األهداف الحاذقة من دون رد، وفاز في معظمها، وجمع كل النقاط املؤهلة لالحتفاظ بالكأس. كان حكم الساحة، الحاضر من دون دعوة في سائر املباريات الدولية، رغم أن «فيفا» لم تنتدبه أصال (نظرًا إلى ما درج عليه من سلوكيات فاضحة، وتجاوزات بالجملة)، قد كلف نفسه بنفسه عناء قيادة اللقاء املديد في امللعب الغزي الصغير، لغاية مبيته في نفس الصهيوني الكبير، وبالفعل، صدقت التوقعات املسبقة عن الحكم العجوز، فبدا على الشريط األخضر املستطيل طرفًا أكثر منه حكمًا، يصرف النظر عن مخالفات فريقه املفضل، ويكثر من إيقاع الجزاءات على املنتخب الذي كان قد فاز في الجولة قبل أن تبدأ، وحسم النتيجة في ست ساعات فقط، من صباح 7« أكتوبر» املجيد. على أي حال، ها هو الحكم ذاته، سيد البيت األبيض بشحمه ولحمه، حامي حمى الدولة العبرية بالباع والذراع، يطلق، بعد ألي شديد، صافرة النهاية، ويعلن، بعظمة لسانه، أن الوقت قد حان الختتام املقابلة الوحشية، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حطام الدولة املعزولة املنهكة، وذلك، بعد أن رأى جو بايدن، بأم عينه، أن الفريق الذي منحه الدعم والعتاد، والوقت الـالزم لهز الشبكة، وعـول عليه كثيرًا إلعـادة ترميم الصورة املكسورة، واستعادة هيبة الردع، قد فوت الفرصة، وراح يراوح في مكان، وغاص في رمال غزة. بكالم آخر، لقد استنفدت الحرب على غزة أغراضها، وفقدت زخمها، حتى وإن راوغ املطلوب ملحكمة الجنايات الدولية وكابر لبعض الوقت، وتفلت من نتيجتها املكتوبة بالخط األحمر على الحائط املمتد من إصبع الجليل إلى رفح، وهي أن غزة الباسلة، وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته األسطورية، قد ربحوا الحرب، أبى من أبى، وأنهم صنعوا بلحمهم الحي، بتضحياتهم الهائلة،

ًّ بعذاباتهم الشديدة، ملحمة العصر بكل جـدارة، حققوا املعجزة شبه املستحيلة، غيروا وجه الشرق األوسـط، فرضوا أنفسهم حقيقة نهائية، وجعلوا من الكوفية والعلم الفلسطيني، معًا، أيقونة لدى الرأي العام الغربي والحركة الطالبية العاملية. من غير حماسة زائــدة، أو انجراف وراء الفكر الرغائبية، أحسب أن هذا املكسب بوقف الحرب املجنونة، املتحقق بثمن باهظ جدًا، سيما وأن املقاومة ال تزال واقفة على رجليها، يعد في حد ذاتـه هزيمة لالحتالل، وأن هذا اإلنجاز، الـذي يشارف ضفاف نصر تاريخي مستحق، لن يتوقف عند حدود وقف الحرب اإلجرامية، ملا تنطوي عليه هذه املعطيات من مغزى، وما تطلقه من ديناميات مرتقبة في املدى املنظور، وأهمها تحرير مئات القادة وآالف الـكـوادر من الحركة األسـيـرة، ناهيك عن تسريع مفاعيل هذه املتغيرات على الواقع املــأزوم في الجانب اآلخـر، بما في ذلك، مركبات الوعي والرواية واملفاهيم والسردية، وكل ما استقر في تلك العقلية املسكونة بالعجرفة وبالفكر الفاشية. قـد نــرى عـمـا قـريـب العجب العجاب فـي املجتمع املــصــاب، منذ طـوفـان األقـصـى، بالهستيريا، وقـد نستمتع بمشاهدة حفلة مـشـادات وتمزقات ولـوم وردات فعل ماجنة، يشارك فيها أولئك املجانني، الذين استولوا على املصحة العقلية قبل نحو عـام وأكـثـر، حني رفعوا قطعان الجنائيني املطلوبني للقضاء؛ اللصوص وزعــران التالل واألوبــاش والكاهانين­ي إلى سدة الحكم، من أمثال بن غفير وسموتريتش، والنواب، الذين قدم أحدهم طلبًا الى الشرطة العتقال بايدن حال وصوله مإلى طار اللد، ألنه أذاع مشروع وقف إطالق النار قبل أن تجيز نشره الرقابة العسكرية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar