ثمانية أشهر لفضح العالم
ندخل الشهر الثامن من الحرب املجنونة التي تشنها دولة الكيان اإلسرائيلي على غـــــزة، لــيــس هــنــاك مـــن يـجـهـل الـــيـــوم عـــدد الشهداء، الذين يصل عددهم إلى نحو 38 ألفًا، وربما أكثر، وال أعداد الجرحى الذين ال يبدو أن هناك قدرة على إحصائهم، فهم بأعداد مهولة، وربما عجزت، حتى الدوائر املتخصصة فـي غـــزة، عـن إحصائهم. أمـا املــــشــــردون والـــنـــازحـــون فـيـمـكـن أن تـقـول إنــهــم كــل أهــل الـقـطـاع (أكــثــر مــن مليونني ونصف مليون قبل الحرب الهمجية). أما األنظمة العربية، فحتى السؤال الخجول واملـــعـــجـــون بـــذلـــه يــخــجــل مــنــهــم، ومــــن أن نسأل أين هم، ربما هي املنظومة الوحيدة الـتـي ال تستحق حـتـى أن يـوجـه لها هذا الــنــوع مــن األســئــلــة، أيـــن أنـتـم مـمـا يجري فــي غــــــزة؟... فـثـمـة أنـظـمـة تحلم كـمـا قــادة االحـتـالل أن يستيقظوا صباحًا ويجدوا أن غــزة وأهلها قـد غرقا فـي البحر، غرقا إلى األبد، فهما بالنسبة لهم صداع مزمن. الــــــيــــــوم، ونـــــحـــــن نـــفـــتـــتـــح شــــهــــر اإلجـــــــــرام اإلسـرائـيـلـي الـثـامـن على غـــزة، يـجـدر بنا أن نعيد ترتيب أفكارنا، أن نعيد ترتيب أولـــويـــاتـــنـــا، أفــــــــرادًا وشـــعـــوبـــًا ومــثــقــفــني، فــهــذا الــعــالــم غـــابـــة، مــتــوحــش، ال يعترف إال بـالـقـوي، ال يقيم وزنـــًا لـشـيء أكـثـر من مصالحه، فلقد خدعنا الغرب عقودًا خلت، يوم أن سوق نفسه نصيرًا لإلنسانية، يوم أن أقنعنا أن فظائع الـحـربـني العامليتني األولــــى والـثـانـيـة ال يـجـب أن تــتــكــرر، يـوم أن ســـوق لنا مجلسًا أطـلـق عليه مجلس األمن، ثم اكتشفنا أنه متخصص بصيانة أمـنـهـم هــم ال أمـــن الــشــعــوب األخـــــرى، تلك الــــتــــي يـــحـــتـــاجـــهـــا الـــــغـــــرب إلدامـــــــــة عـجـلـة نـهـضـتـه، شــعــوب املــــــوارد، الــتــي يــجــب أن تبقى تحت هيمنته. تتذكرون قبل أعوام فقط، يوم كانت الطائرات الروسية تقصف املـــدن والـبـلـدات الـسـوريـة؟ يــوم كـانـت تلك الطائرات تبيد الحجر والشجر والبشر؟ يـــــوم كـــانـــت تـــســـاعـــد أحـــــد أكـــثـــر األنــظــمــة ديكتاتورية وقمعًا ووحشية فـي دمشق في قتل شعبه وتهجيره؟... يومها، كانت أميركا، األم الرؤوم، تسارع بني حني وآخر إلى مجلس األمن في محاولة منها إلصدار قـــــرار أمـــمـــي ضــــد نـــظـــام دمـــشـــق الــقــمــعــي، حـــيـــنـــهـــا، كـــانـــت تـــجـــد املـــــنـــــدوب الـــروســـي يـسـارع لرفض الــقــرار، معلنًا الفيتو على مشاريع تدين األسد. سنوات قليلة، فتبدأ عملية تبادل األدوار، تسارع روسيا إلى مجلس األمــن إلدانــة دولــة الكيان على ما ترتكبه من مجازر في حق الفلسطينيني، لــتــجــد هــــذه املــــــرة يـــد املــــنــــدوب األمــيــركــي أســـرع بـالـرفـض و«الـفـيـتـو» عـلـى أي قــرار يــديــن دولــــة الـــكـــيـــان، حــتــى لـــو كــــان إدانــــة غير ملزمة. وكأنهم يلعبون بنا وعلينا، وكأنهم يتقاسمون دمنا، ويأكلون لحمنا على موائدهم من دون استحياء، من دون خجل، من دون أي شعور بأنهم يكذبون ويــنــافــقــون ويـــزيـــفـــون الـــواقـــع والـحـقـائـق، وكــــــــأن هـــــذه الـــشـــعـــوب مـــــجـــــرد مــجــمــوعــة حمقى، أو بلهاء، عليهم أن يصدقوا هذه التمثيليات السمجة كلها، وهذه املشاهد املكررة واألدوار البائسة. علينا أن نعيد النظر في كل شيء حولنا، هـذا عالم كـاذب خــداع، تسيره رأسمالية مـــتـــوحـــشـــة وعــــقــــد تــــاريــــخ وخــــــوف عـلـى مستقبل املصالح، يدوس كل ما يمكن أن يقف حجرة عثرة في وجه وحشيته، هذا عالم متوحش إلى الحد الذي تخجل منه كل صفات التوحش، التي مـرت وستمر. عالم يدعم القتلة، يدعم املجرمني، عالم ال يـكـفـي أن نــنــزع عـنـه صـفـة اإلنـسـانـيـة، ولكن، أن تبدأ حركة مجتمعية من داخل القاعدة الشعبية من أجل التغيير، وهو ما بدأ فعليًا في املجتمع الغربي، وإذا ما استمر هذا الحراك فإننا يمكن أن نشهد
ونحن نفتتح شهر اإلجرام اإلسرائيلي الثامن على غزة، يجدر بنا أن نعيد ترتيب أفكارنا
عــاملــًا أقــــل وحــشــيــة. ثـمـانـيـة أشــهــر وغـــزة تذبح، ثمانية أشهر وفيض الدماء التي تــشــرب مـنـهـا تـــربـــة غــــزة مـــوجـــع، ثمانية أشــــهــــر وهـــــــذا الــــعــــالــــم، بــــكــــل مـــؤســـســـاتـــه ومنظماته، يقف في جانب إسرائيل، في جـانـب نتنياهو، حـتـى وإن أبـــدت بعض املنظمات انـزعـاجـهـا، فـهـذا عـالـم تحكمه أميركا، أو إن شئت الــدقــة، إسرائيل هي الــتــي تـحـكـم أمـــيـــركـــا، فـلـقـد خــرجــت هــذه الـــدولـــة اللقيطة عـلـى كــل مــبــادئ الــكــون، وباتت تستبيح كل شيء، فهي ال تحترم مـنـظـمـة وال تـعـتـرف بـــدولـــة، وال تــقــر أي صيغة تفاهم للتعايش اإلنساني. تـــرى بـــأي وجـــه سيقابل هـــذا الـعـالـم غــزة غـــــــدًا، بـــعـــد أن تــــتــــوقــــف نــــيــــران الــــعــــدوان
ّّ الـهـمـجـي؟ بــــأي وجـــه سـنـقـابـل نــحــن، أمـــة الـــعـــرب واإلســــــــالم، أهــــل غــــــزة؟ بـــــأي وجــه سنقول لهم إنــا كنا معكم، ولــكــن... ولكن ماذا؟ وذلك لعمري! أصعب سؤال يمكن أن يوجهه إلينا طفل غزي صغير خرج للتو من ركام بيته املهدم جراء صواريخ الحقد الصهيونية.