Al Araby Al Jadeed

عن عالقة بين العلم الفلسطيني وملّف الذاكرة الجزائري

- محمد سي بشير

ربــمــا كــان املــطــرو­ح فــي الـعـنـوان عجيبًا نـوعـًا مــا، لـكـن، عندما نمعن فـي خلفية الــصــورة، سيميائيًا، ثــم نـحـاول البحث فــــي ســــيــــ­اق الـــتـــح­ـــامـــل الـــفـــر­نـــســـي، عـلـى جبهتني؛ الفلسطينية وبــشــأن املطالب الــــجـــ­ـزائــــري­ــــة فــــي مـــلـــف الـــــــذ­اكـــــــر­ة، نـصـل إلــــى املــســلـ­ـمــة الـــتـــي طـــاملـــ­ا كـــانـــت ســيــاق السياسات الفرنسية فـي كــل مـا يتصل بالعالم العربي – اإلســامــ­ي، وبامللفني الــفــلــ­ســطــيــن­ــي والـــــجـ­ــــزائـــ­ــري، عـــلـــى وجـــه الخصوص. في املستوى السيميائي، تزامن رفع العلم الفلسطيني في الجمعية الفرنسية من نائب في حزب فرنسا األبية، وما تاه من رفع الجلسة، واجتماع مجلس الجمعية بـصـفـة اسـتـعـجـا­لـيـة، وإيـــقـــ­اع الـعـقـوبـ­ات النظامية على الـنـائـب، مـع نشر الحزب اليميني؛ الــحــزب الـجـمـهـو­ري، محتوى ألحد قيادييه يرفض فيه مطالب الطرف الـــجـــز­ائـــري، بـمـنـاسـب­ـة اجــتــمــ­اع الـلـجـنـة املشتركة لتصالح الــذاكــر­ة، إذ رأيـنـا في كا الحدثني، واملعالجة اإلعامية لهما، ذلك الصخب، وتلك العنجهية الفرنسية، وذلك االستخدام لرموز التاريخ، ومنها الــتــعــ­الــي والــخــطـ­ـاب الـــعـــد­ائـــي، وثـنـائـيـ­ة املزاج في التعامل مع القضايا ذات البعد اإلنـــســ­ـانـــي، وذات الــخــلــ­فــيــة الــقــانـ­ـونــيــة الـتــي، فــي األســــاس، ال يمكن أن يختلف فيها الـنـاس مهما كانت معتقداتهم أو خلفياتهم الفكرية. حتى يتضح األمــر، سيميائيًا، وتتضح الصورة أكثر، يمكن اإلشارة، أيضًا، إلى التناول، في القنوات اإلخبارية، للحدثني بمرجعية الخطاب والصور، التي عكستها وسائل اإلعام، تــلــك، حـيـث نـــال رفـــع الـعـلـم الفلسطيني حظه من االنتقاد من قبل أصوات اعتبرت ذلــك خـروجـًا عـن اإلجـمـاع الفرنسي، في اعتبار أن الرد الصهيوني على هجمات 7 أكـتـوبـر )2023( ال يمكن أن يـكـون إال نــوعــًا مــن الـحـفـاظ عـلـى تــــوازن قـــوى في تعامل دولة مع حركة مصنفة إرهابية، وأن العدد املهول من الضحايا مشكوك فيه، ألن املرجعية هي وزارة الصحة في غزة، التي ترأسها حركة حماس. تـــــــــ­ــــــوازى تــــــــن­ــــــــاو­ل حـــــــــ­ـدث رفــــــــ­ــع الــــعـــ­ـلــــم الــفــلــ­ســطــيــن­ــي فــــي الــجــمــ­عــيــة الــفــرنـ­ـســيــة مـــع انـــتـــه­ـــاء اجـــتـــم­ـــاع الــلــجــ­نــة املــشــتـ­ـركــة الـجـزائـر­يـة الفرنسية لتصالح الــذاكــر­ة، وبــــــمـ­ـــــجــــ­ــرد وصــــــــ­ــول الــــخـــ­ـبــــر بـــمـــطـ­ــالـــب الـــجـــز­ائـــر فـــي تــلــك الــلــجــ­نــة إلبـــــرا­ز حسن الــنــيــ­ة لـــدى الــجــانـ­ـب الــفــرنـ­ـســي (طـلـبـات باسترجاع متعلقات شخصية خاصة بــكــل مـــن األمـــيــ­ـر عــبــد الـــقـــا­در الــجــزائ­ــري وبــأحــمـ­ـد بــــاي، ومـــدفـــ­ع جـــزائـــ­ري كـبـيـر) كـــــــان لــــلــــ­جــــانـــ­ـب الــــفـــ­ـرنــــســ­ــي، إعـــامـــ­يـــني وسـيـاسـيـ­ني، خـصـوصـًا مــن اليمينيني، ردات فـــعـــل بـــاســـت­ـــحـــالـ­ــة الـــقـــب­ـــول بـتـلـك املطالب، واالستمرار في اجترار خطاب استعماري استيطاني يحمل املضامني نفسها املنتشرة منذ 7 أكتوبر، انحياز كـــــلـــ­ــه، ورفـــــــ­ـض لــــكــــ­ل انــــتـــ­ـقــــاد لـــلـــمـ­ــواقـــف الغربية ما يمكن أن يذكر العقل الغربي بــاملــجـ­ـازر، وبـــاملــ­ـحـــارق، أو بـاالسـتـع­ـمـار واالستيطان. في النتيجة، تلك املواقف الــــفـــ­ـرنــــســ­ــيــــة، والــــغــ­ــربــــيـ­ـــة عــــمــــ­ومــــًا، هــي مواقف أو إجـــراءات وقائية ضـد تبعات املساندة للجرائم الصهيونية، وتبعات إعـــادة إحــيــاء املـتـابـع­ـات القضائية ضد الجرائم االستعماري­ة واملــجــا­زر، بسبب

مـا جــرى فـي املحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية، رغم تحفظات على ما جـاء في قـــرارات تلك املؤسسات الحقوقية الدولية، وال يرقى إلى مطالب باملساءلة/ املحاسبة، واملنع من اإلفات من العقاب، بالنسبة إلى الغرب املساند لـلـصـهـيـ­ونـيـة، بــشــأن الــجــرائ­ــم واملــجــا­زر املقترفة في حق العزل من الفلسطينين­ي. بدأ اتجاه فرنسي في البروز، على األقل إعـــامـــ­يـــًا، يـــحـــذر مـــن تــبــعــا­ت مـــا يــحــدث على مستوى تلك املؤسسات القانونية الــــدولـ­ـــيــــة مــــن إعــــــــ­ادة تـــعـــري­ـــف مــفــاهــ­يــم املـــجـــ­ازر واملـــســ­ـانـــدة والــــدعـ­ـــم، مـــا يمكنه مــن الـتـأثـيـ­ر فــي املــحــاد­ثــات الـتـي تجري فـــي إطــــار الــلــجــ­نــة املــشــتـ­ـركــة الــجــزائ­ــريــة الفرنسية لتصالح الذاكرة، وبخاصة أن فرنسا تـرى ذلـك النشاط الـــدؤوب ملمثل الـــجـــز­ائـــر فـــي األمـــــم املـــتـــ­حـــدة، ومـجـلـس األمــــن (الـــجـــز­ائـــر عـضـو غـيـر دائــــم اآلن)، وهـــي تــحــركــ­ات يـخـشـى أن تنعكس في أعـــمـــا­ل الــلــجــ­نــة املـــشـــ­تـــركـــة، ألن مـطـالـب الــجــزائ­ــر بــثــاثــ­يــة؛ االعـــتــ­ـراف واالعـــتـ­ــذار والــتــعـ­ـويــض، قـــد تــتــأســ­س، مــــرة أخـــرى، بمرجعية املساندة الجزائرية لكل التغير الذي يجري بشأن إعادة تعريف مفاهيم املـــــجـ­ــــازر، والــــجــ­ــرائــــم ضـــــد اإلنـــســ­ـانـــيـــ­ة، والتعويضات، بـل حتى األمــر بالقبض عــلــى مــجــرمــ­ني مـــمـــا يــمــكــن أن ينسحب عــلــى مــجــرمــ­ي الـــحـــر­ب الــفــرنـ­ـســيــني، وإن رمـــزيـــًا، بـسـبـب أن مـــن هــــؤالء مـــن قضى منذ أكثر ّمن قرن، بالنسبة ّإلى مجرمي الـــقـــر­ن الـــتـــا­ســـع عــشــر أو مـــمـــن شـــاركـــ­وا فـي جـرائـم الثامن مـن مـايـو/ أيــار 1945 (جريمة استيطانية فرنسية قضى فيها زهـــاء خـمـسـني ألـــف جـــزائـــ­ري فــي أعـقـاب إعـــان انــتــهــ­اء الــحــرب الـعـاملـي­ـة الـثـانـيـ­ة، وحدثت في مدن في الشرق الجزائري)، وصـوال إلى مجرمي الحرب ممن حضر حــــــرب الـــتـــح­ـــريـــر الــــجـــ­ـزائــــري­ــــة 1954( - ،)1962 سياسيني وعسكريني، على وجه الخصوص. تخاف فرنسا من تبعات في مستويني: مستوى تلك اللجنة املشتركة الـجـزائـر­يـة الفرنسية لتصالح الــذاكــر­ة، واملـــؤسـ­ــســـات الـحـقـوقـ­يـة الـــدولــ­ـيـــة، الـتـي يـمـكـن أن تـــؤســـس بـمـرجـعـي­ـة مـطـالـبـا­ت تـــحـــقـ­ــيـــق دولـــــيـ­ــــة، لـــطـــلـ­ــب الـــقـــب­ـــض عــلــى مسؤولني سياسيني أو عسكريني كانت لهم الـيـد الـطـولـى فـي املـسـانـد­ة، وشحن األســــلـ­ـــحــــة، والـــــدع­ـــــم املــــالـ­ـــي واإلعــــا­مــــي والـــســـ­يـــاســـي، فـــي املـــؤســ­ـســـات الـــدولــ­ـيـــة، مـــــع الـــجـــي­ـــش الـــصـــه­ـــيـــونـ­ــي، وبـــخـــا­صـــة أن الــــتـــ­ـعــــنـــ­ـت اإلجــــــ­رامــــــي يـــــــــ­ـزداد، يـــومـــًا بــعــد يــــوم،ّ ويـــطـــا­ول كـــل شــــيء؛ّ اإلنــســا­ن والبنى التحتية والطبيعة. عبر بعض اإلعاميني عن خوفهم من تلك املساندة خشية أن يستخدمها الـجـزائـر­يـون في مـــلـــف تــصــالــ­ح الـــــذاك­ـــــرة، ألنـــهـــ­ا اعـــتـــر­اف فرنسي باستسهال اقـتـراف الـجـرائـم، و بخاصة أن العدالة الدولية أخذت، أخيرًا، عـلـى عـاتـقـهـا إرادة تغيير املــوقــف على األرض، ومـــن تـبـعـات ذلـــك إبــــراز معاني جـــديـــد­ة ملــفــاهـ­ـيــم ال تـــريـــد فــرنــســ­ا حـتـى مجرد النطق بها، لها عاقة بالجرائم، واملــــــ­ـــجــــــ­ـــازر، واالســـــ­ـتــــــيـ­ـــــطــــ­ــان، ووجـــــــ­ـوب الــخــضــ­وع ملـــبـــا­دئ الــقــانـ­ـون الـــدولــ­ـي، ما سـيـسـتـخـ­دمـه الـــجـــز­ائـــريـــ­ون، حــتــمــًا، في اللجنة التاريخية املشتركة، وهو ما قد يغير موازين القوى في التفاوض داخل تلك اللجنة، ويخضع الجانب الفرنسي للمطالب الحقوقية الجزائرية، وإن في املـسـتـوى الـــرمـــ­زي. مــا زال مــلــف الــذاكــر­ة

يراوح ملف الذاكرة مكانه، وتحاول فرنسا المماطلة فيه، واالبتزاز، بل البناء على أساسه لقضايا أمنية واقتصادية وسياسية/ استراتيجية

يــراوح مكانه، وتـحـاول فرنسا املماطلة فــيــه، واالبـــتـ­ــزاز، بــل الـبـنـاء عـلـى أسـاسـه لقضايا أمنية واقتصادية وسياسية/ اســتــرات­ــيــجــيـ­ـة، وهــــو مـــا يـــدفـــع الــجــزائ­ــر إلـــــى إعـــــــا­دة حـــســـاب­ـــاتـــهـ­ــا، وبـــخـــا­صـــة أن تشكيلة اللجنة التاريخية، من الجانب الـفـرنـسـ­ي، تــضــم، فــي صـفـوفـهـا، مـؤرخـًا مثيرًا للجدل، بنجامني سـتـورا، كـان قد كـتـب فـــي تــقــريــ­ره أشـــيـــا­ء ال تــمــت بصلة إلــــى إرادة الــتــصــ­الــح، عــلــى غــــرار رفــض مطالب الجزائريني بواجب االعتذار عن الجرائم االستيطاني­ة، بل إرادته، أخيرًا، فـي أعـقـاب اجـتـمـاع اللجنة فـي الجزائر (مايو/ أيار )2024 رمي الكرة إلى ملعب األحـــــز­اب الـسـيـاسـ­يـة، وكـــأنـــ­ه يــومــئ إلـى إقـــحـــا­م الــقــضــ­يــة الــتــاري­ــخــيــة فـــي خـضـم االنـتـخـا­بـات األوروبــي­ــة املـزمـع إجـراؤهـا األســـــب­ـــــوع املــــقــ­ــبــــل، فـــــي كــــامـــ­ـل أوروبـــــ­ــــا، لتجديد أعضاء البرملان األوروبي. تـلـك هــي املـــــوا­زاة بــني قـضـيـة رفـــع العلم الــفــلــ­ســطــيــن­ــي فــــي الـــجـــم­ـــعـــيــ­ـة الــوطــنـ­ـيــة الــفــرنـ­ـســيــة ومـــلـــف الــــذاكـ­ـــرة الــجــزائ­ــريــة، وهـــــــم­ـــــــا، فـــــــي الـــــــو­قـــــــت نـــــفـــ­ــســـــه، مــــلــــ­فــــان مـــتـــعـ­ــاضـــدان، ألن مـــا تــعــانــ­يــه فـلـسـطـني كانت الجزائر قد تعرضت له، ولم يفكك االســتــي­ــطــان إال بــحــرب تــحــريــ­ريــة، ومــن جـــانـــب آخـــــر، فـــــإن مـــا تـــقـــوم بـــه الــجــزائ­ــر من جهود ملساندة القضية، في مجلس األمـن، خدمة غير مباشرة مللف تصالح الـــــذاك­ـــــرة الــــشـــ­ـائــــك مــــع بـــــاريـ­ــــس، لــتــكــو­ن النتيجة، في نهاية املطاف، هذا الحراك الفرنسي املتشنج كله، ويمثله بنجامني ســـتـــور­ا فـــي خــطــابــ­اتــه ومـــداخــ­ـاتـــه، كما تـمـثـلـه الـفـعـالـ­يـات اإلعــامــ­يــة والثقافية املتصلة بامللفني، الفلسطيني من ناحية، والتاريخي الجزائري من ناحية أخرى. ال يـجـب إنــهــاء املـقـالـة مــن دون اإلشـــارة إلـــى واجـــب مـراجـعـة الـلـجـنـة الـجـزائـر­يـة لــتــصــا­لــح الـــــذاك­ـــــرة ملـــســـا­ر لـــقـــاء­اتـــهـــا مع الـــجـــا­نـــب الــفــرنـ­ـســي، وواجــــــ­ب اســتــخــ­دام كـل السياقات املـذكـورة، ومنها املتصلة بـاملـفـاه­ـيـم الــتــي جـــرت إعــــادة تعريفها، والــتــي تـقـوم الــجــزائ­ــر، بــصــددهـ­ـا، بعمل جـبـار فـي مستوى أكبر مؤسسة دولية (مــــجــــ­لــــس األمــــــ­ــــــن)، وتـــــبــ­ـــعـــــا­ت ذلـــــــك فــي املؤسسات الحقوقية الدولية، وانعكاس ذلــــك كـــلـــه عــلــى مـسـتـقـبـ­ل مـــلـــف تـصـالـح الذاكرة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar