Al Araby Al Jadeed

في أن نهاية الحرب تقترب

- معن البياري

أما وقد صارت القناعة في اإلدارة األميركية بأن الحرب اإلسرائيلي­ة على غزة يجب أن تنتهي، طاملا أنها، بحسب بايدن وفريقه، قد أضعفت حركة حماس التي لن تعود، في أي حال، إلى الحكم في القطاع، ولن تستطيع أن تكرر واقعة 7 أكتوبر (بحسبهما

َُّ أيضًا)، فذلك يجيز تخمني أن عدًا تنازليًا قد يبدأ في غضون أيام باتجاه نهاية ما لعدوان اإلبادة الذي من الخطأ تسميته حربًا. وأن يتكفل رئيس الواليات املتحدة، بشخصه ومن ُرواٍق في البيت األبيض، بإعالن تفاصيل ورقٍة إسرائيليٍة مطروحة للتفاوض من أجل «هدنات» بمراحل وتسليم حركة حماس أسرى وجثثًا لديها، فذلك يمثل نوعًا من االنعطافة في الرؤية األميركية إلى الحرب، من دعم مطلق لها والستمراره­ا، ورفض مشاريع قــرارات في مجلس األمـن دعت إلى وقفها، إلى ضـرورة أن تنتهي، إلفـراج عن رهائن محتجزين، بينهم أميركيون (بحسب إشارته ذات الداللة)، وليعاد إعمار قطاع غزة، ولغير أمر قال عنه بايدن، وأيضا لغير أمر لم يقل عنه بعد. والخالصة هنا أن الحرب، على ما صار الرئيس األميركي ومعاونوه يرون، استنفدت نفسها، ولم يعد في الوسع تحمل أعبائها اإلنسانية واألخالقية، ناهيك عن أن صداعًا تحدثه في الواليات املتحدة نفسها، يجب أن يتوقف في غضون حمالت انتخابية تقترب،

ٍّي أو كما ّأنه لم يعد جائزا لنتنياهو وفريقه ًاملضي فيها بعبثية، وبال أفـٍق سياس تصور لخواتيمها وليومها التالي، فضال عن الشعور بأن الجيش اإلسرائيلي ومعه االستخبارا­ت فشال في تحرير أي من الرهائن في ثمانية شهور، بل وفشال في إنهاء قدرات املحاربني الفلسطينين­ي باملطلق، فاملؤكد أن البيت األبيض عرف بضربات املقاومة وكمائنها أخيرًا من الشمال، من مخيم جباليا وغيره، فضال عن رشقات صاروخية وصلت إلى تل أبيب. ليس ألي منا، نحن املعلقني، أن نتحزر الكيفيات التي ستمضي فيها جولة مفاوضات غير مباشرة جديدة، متوقعة (مرتقبة على األرجح) بني «حماس» وإسرائيل، في القاهرة أو الدوحة، بشأن مراحل تنفيذ «الصفقة» التي يتحمس لها بايدن، وغطى صيغتها اإلسرائيلي­ة ببصماته وتفسيراته (على ما شرح عزمي بشارة). لنا أن نرتاب ونتوقع كمائن وألغامًا من نتنياهو إلرهاق املقاومة في محاوالت ابتزاز في غير شأن. لنا أن

ٍّ نخمن احتماالت الفشل بمقادير احتماالت النجاح. لنا أن نرجح مناورات وأالعيب أميركية في غير تفصيل هنا أو هناك. ولكننا، في أي حال، ال نخطئ لو قلنا إن موعدًا لنهاية حرب اإلبادة يقترب، وإن بهدن على مراحل ثالث أوال، سيبقى نتنياهو على رفضه تسميتها وقفًا إلطالق النار. غير أننا، نحن املعلقني، مطالبون بعدم استعجال حسابات النصر والهزيمة، وبالتريث في رسم مالمح صور غزة في مرحلة ما بعد الحرب، فاملعطيات التي تستجد إنما تتدحرج من ألف إلى ياء بحسب وقائع على األرض وإجراءاٍت عملية، وليس وفق تفاهماٍت على أوراق وحسب. ليس ضربًا في الرمل أن ينكتب هنا أن نتنياهو وقيادة جيش االحتالل لم يعودا وحدهما صاحبي القرار في استمرار الحرب، سيما وأنها باتت حربًا مقصودة لذاتها، يريدها رئيس وزراء العدو، واليمني الفاشي معه، بمدًى مفتوح، وبدماء فلسطينية مستباحة، وبال تصور محسوم لنواتجها املطلوبة، وبأوهام تجعل الغزيني في مدن القطاع وأريافه ومخيماته املدمرة في مهب بـازار من ثرثرات العصابة الحاكمة في تل أبيب، واجتهاد خبراء االستخبارا­ت الفاشلني، بالتوازي مع «خطط» يهندسها موظفون رفيعون في الخارجية األميركية. وذلـك كله، في غضون انكشاف عربي مشهود، يعلن عن نفسه بمقادير العجز املفضوحة أمام فداحة الصالفة اإلسرائيلي­ة املتوحشة التي شاهدها املواطنون العرب ثمانية أشهر. وفي غضون استقالة املؤسسة الفلسطينية الرسمية من املشهد، وتعاطي العالم معها باعتبارها غير ذات صفة، سيما وأن الرئيس محمود عباس يستطيب في مؤتمر القمة العربية في املنامة التصويب ضد حركة حماس، وكأن هذا أولوية األولويات لدى قيادة مسؤولة عن شعب محتل يتعرض لحرب إبادة معلنة أمام أنظار البشرية كلها. ال بأس بمقدار من التفاؤل بأن الحرب في غزة ستبدأ خالل أيام عبورها إلى خواتيمها، وأن معركة شديدة الشراسة يفترض أن تبدأ، بشأن بناء الفلسطينين­ي أنفسهم بعد هذه املحنة املهولة، وبشأن حق أهل غزة في أن يعدوا قتالهم بأناة، ثم يلتقطوا ما تبقى من أنفاسهم، وبشأن بحث مضن عن أفق فلسطيني مختلف، من شديد الوجوب والضرورة أن يخاض الكالم فيه وعنه بصراحة أعلى ... لننتظر.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar