Al Araby Al Jadeed

الحالل والحرام في عقيدة إيران النووية

- مروان قبالن

تزايدت في اآلونة األخيرة التصريحات اإليرانية التي تتحدث عن احتمال توجه النظام إلى تغيير عقيدته النووية، وآخرها ما جاء على لسان كمال خرازي، كبير مستشاري املرشد، علي خامنئي، ومـن القريبني إلـى تفكيره. وعقيدة إيــران النووية تحددها، بحسب النظام، فتوى أصدرها خامنئي عام ،2010 وحرمت «شرعا» إنتاج أسلحة نووية أو حيازتها، كونها أسلحة دمار شامل ال تسمح «أخالقيات» النظام اإليراني بها. املفارقة أن الفتوى جاءت بعد صدور قرار مجلس األمن رقم ،1929 والذي فرض عقوبات غير مسبوقة على إيران دفعتها في نهاية املطاف إلى فتح منشآتها النووية أمام فرق التفتيش الدولية بموجب اتفاق تم التوصل إليه على مرحلتني: األولى في جنيف عام 2013 والثانية في فيينا عام .2015 إلغاء الفتوى املشار إليها يعني أن إنتاج سالح نووي أو حيازته يمكن أن تغدو «حالال»، إذا توافرت شروطه التي أشار إليها خرازي، وعلى رأسها «تعرض إيران لتهديد وجودي» (يقصد بذلك النظام، على األرجــح). بعيدا عن البروباغند­ا، يبدو واضحا من تصريحات خـرازي، وقبله قائد قوة حماية املنشآت النووية اإليرانية، أن القلق بات يستبد بإيران إزاء التحديات التي تعاظمت بعد صدامها العسكري املباشر األول، وغير املتوقع، مع إسرائيل (والتحالف األمني االقليمي- الدولي الذي استنفر ملؤازرة األخيرة). الالفت أن تلميحات إيران إلى

ًِ احتمال تغيير عقيدتها النووية جاء معطوفا على تصريحات تطلقها روسيا منذ مدة باالتجاه نفسه (من دون فتوى طبعا) وتعكس في كلتا الحالتني شعورا حقيقيا بالتهديد في ضوء الضعف البادي في قدرات البلدين التقليدية. وتشهد إيـران منذ الكشف عن وجـود برنامج نـووي سـري لديها مطلع عام 2003

‪ٍٍ ٍٍ‬ نقاش ا حول ما إذا كان الحصول على سالح نووي يمكن أن يسبب هجوما عليها أم يمنعه (حـــرام أم حـــالل). ويـذهـب تـيـار يمثله خصوصا الـحـرس الـثـوري، ودوائـــر فكرية وسياسية مرتبطة بــه، إلــى أن الخيار الـنـووي يمثل ضمانة النظام الوحيدة في مواجهة التهديدات الخارجية. ويــرى هــؤالء أن استخدام الغرب القوة إلطاحة نظامي الرئيسني صـدام حسني ومعمر القذافي ما كان ليحصل لو امتلك النظامان سالح ا، بعكس كوريا الشمالية الـذي دفع امتالك نظامها سالحا

ا الرئيس األميركي السابق، دونالد ترامب، إلى اختيار الدبلوماسي­ة في التعامل معها وبندية. وأما ما يخص هذا التيار فيرتبط دفعه إلى خيار نووي أيضا برؤية إيران لنفسها باعتبارها دولة إقليمية ال تقل أهمية عن باكستان والهند (القوتان النوويتان الجارتان). التيار اآلخـر في النظام االيراني، وإن كان يتفق مع القول إن

ًّ إيران تستحق أن تكون بحكم مكانتها وأهميتها قوة نووية، إال أنه يرى أن ذلك لن يحقق لها األمن الذي تنشده. على العكس، سوف يدفع امتالك إيران سالح ا العالم إلى عزلها ومحاصرتها وتحويلها إلى كوريا شمالية أخرى، ما يزيد الفجوة بني الدولة واملجتمع وقد ينتهي األمر بثورة، بمعنى حصول السيناريو الذي يسعى أنصار السالح الـنـووي إلـى تجنبه، وهـو سقوط النظام، إنما من الـداخـل. ومـا بني التيارين اختار املرشد موضعا وسطا يتمثل في الدفع باتجاه وصـول إيــران الى «دولة عتبة نووية»، أي امتالك القدرة على إنتاج سالح نووي، إنما إبقاء األمر رهن قرار سياسي بخصوص إنتاجه فعليا.

ًِ ويبدو أن إيران تتجه فعال نحو هذا الوضع، مستغلة غياب الرقابة الدولية بعد انهيار االتفاق النووي، عبر زيادة مستوى التخصيب (وجدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية آثــار يـورانـيـو­م مخصب بنسبة 83 فـي املـائـة فـي عــدة مـواقـع إيـرانـيـة قبل عامني). التصريحات املتزايدة بشأن إمكانية تغيير عقيدتها النووية تشير إلـى أن إيـران ربما تستعد إلعــالن نفسها قــوة نووية تحسبا للترتيبات التي تحاول واشنطن فرضها فـي املنطقة والعالم فـي ضــوء حربي غـــزة، وأوكـرانـي­ـا، وسياسات احتواء الصني وتصعيد الهند.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar