Al Araby Al Jadeed

عن رعب نتنياهو من فقدان حكمه وإرثه

- أنطوان شلحت

تتمثل واحدة من القناعات اآلخذة بالرسوخ في إسرائيل في اآلونة األخيرة في أن الحرب على قطاع غزة بموازاة القصف املتبادل مع حزب الله في الجبهة الشمالية مع لبنان هما بمثابة أصعب حرب استنزاف عرفتها إسرائيل في تاريخها، من دون أن يظهر أي حسم في األفق، بجانب قناعة أخرى مؤداها أن من غير املجدي التذكير بوعود رئيس الحكومة بنيامني نتنياهو بشأن «النصر املطلق»، كون الواقع الحقيقي، على املستوى امليداني في األقل، واضح أمام كل من له عينان، وبوسعه أن يحجم هذه الوعود. وبالرغم من ذلك، ما زال نتنياهو راغبًا في إطالة أمد الحرب، وممتنعًا عن التوصل إلى أي تسوية سياسية بشأن «اليوم التالي للحرب». ومثلما أجمل ذلك املحلل العسكري لصحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، ال يوجد في األجواء العامة أي سبب كي يقبل الجمهور اإلسرائيلي مواعظ السياسيني الذين يشرحون له أنه يجب عليه أن يكون متباهيًا في ذكرى «االستقالل» هذا العام التي صادفت أمس الثالثاء، فهذا العام كان األكثر صعوبة وكآبة في تاريخ إسرائيل. وبناء عليه، ال ينبغي للجمهور اإلسرائيلي سوى أن يشعر بالحزن، ويطالب بالتغيير. وال يجد جل املحللني سببا وجيها ملوقف نتنياهو هذا سوى النازع الشخصي الذي يختصر علينا فهم وقائع كثيرة مرتبطة بالحرب وسيرها ونتائجها، ناهيك عن أن من الصعب على نتنياهو أن يبدي مرونة في مواقفه، في ضوء معارضة شركائه مـن اليمني املتطرف لـذلـك، وتهديدهم بإسقاط حكومته. ومــع أن طلب هــؤالء في «الكابينيت األمني» األسبوع املاضي اتخاذ قرار يمنع استئناف محادثات صفقة التبادل رفض، إال إن هامش املرونة السياسية املتاح لنتنياهو ظل ضئيال. ووفقا آلخر ما ظهر في وسائل اإلعالم اإلسرائيلي­ة، فإن التساؤالت بشأن سياسة نتنياهو مع دمغها بأنها مغرضة وموبوءة بالنازع الشخصي، بدأت تتسلل حتى داخل أوساط مؤيدي استمرار العمليات العسكرية للجيش اإلسرائيلي في القطاع. كما يمكن استشعارها من خالل تصاعد قلق عائالت جنود يشارك أبناؤها في العملية العسكرية في رفــح، وفـي االقتحامات في كل من جباليا وحـي الزيتون. وذكـــرت تقارير متطابقة أن منظمات ألهـالـي جنود بــدأت فـي هـذه األيـــام بتوقيع عرائض ضد استمرار الحرب، واملطالبة بصفقٍة سريعٍة إلطالق املخطوفني، على الـرغـم مـن أن فرصها مشكوك فيها. وحـتـى اللحظة، ال تـوجـد مظاهر صارخة لرفض الخدمة العسكرية، ولكن استمرار الحرب والشكوك الكبيرة في السياسة واالعتبارا­ت التي توجهها، يمكن أن تقود إلى ازدياد الرفض، باإلضافة إلى ظواهر رفض توصف بأنها ما زالت رمادية، وعمليات تهرب غير معلنة من الخدمة في الجيش، ألسباب يخفي ظاهرها باطنها وهو الرفض. قـبـل أيـــام مـــعـــدو­دة، تــصــدت لــيــراز مـرغـلـيـت، وهـــي بـاحـثـة متخصصة فــي مجال «السلوك في العصر الرقمي» من جامعة رايخمان في هرتسليا، لتفسير موقف نتنياهو، فــأشــارت بــدايــة إلــى أن نمط سلوكه يشي بـأنـه ذو شخصية شمولية وُرهـابـيـة، وبالنسبة إلـى شخصيٍة كـهـذه، عندما تـواجـه أشـيـاء صعبة تكون من ناحيته مثل املــوت. وبحسب ما تؤكد، نتنياهو يتملكه الرعب في الوقت الحالي. ورعبه هذا يتمظهر على مستوى الوعي والالوعي، ففي وعيه يبدو نتنياهو مرعوبًا من فقدان حكمه، ولكنه على مستوى الالوعي يبدو مرعوبًا من إمكان فقدان معنى حياته وسيرته، والذي يرسخ إرثه. فعلى مدار مسيرته، بنى لنفسه صورة أنه منقذ الشعب اليهودي، وهناك إشــارات قوية إلـى أنـه يؤمن بهذا األمـر قلبًا وقالبًا، كما يؤمن به قسم كبير من مؤيديه املقّربني، ولكن هذا املعنى آخذ بالتنائي عنه رويدًا رويـدًا. وإذا كانت صورة املنقذ مالزمة له في الفترات املاضية فإنها لم تعد كذلك منذ 7 أكتوبر .)2023( وفي قراءة هذه الباحثة، يكمن في هذا السبب األبرز الذي يحتمل أن يفسر فقدان التوازن لديه بني حاجاته وتطلعاته الخاصة وبني حاجات الجمهور اإلسرائيلي العريض وتطلعاته.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar