Al Araby Al Jadeed

المخاطر الجيوسياسي­ة وعض األنامل

- مصطفى عبد السالم

«إنه زمن املخاطر العالية»، كانت هذه هي أكثر كلمة جرى تداولها، أمس، على لسان املشاركني في منتدى الدوحة االقتصادي الذي تنظمه بلومبيرغ ملدة 3 أيام، ويشارك فيه العديد من رؤساء الدول والحكومات، وكبريات املؤسسات املالية. فالعالم عرف في السنوات األخيرة كل أنواع املخاطر، مثال عرف املخاطر الصحية الناتجة عن تفشي كورونا، وما تبعها من انهيارات في األنشطة االقتصادية، وتهاوي املوارد املالية، وعرف املخاطر االقتصادية الناتجة عن التضخم وغالء أسعار السلع األساسية واملواد الخام، وتعقد سالسل التوريد وتباطؤ أنشطة التجارة، وتفشي أزمات الركود والكساد، وإفالس الشركات، والجفاف والتغيرات املناخية. وعرف املخاطر املالية الناتجة عن تطبيق سياسة التشدد النقدي، وسحب السيولة، وإحداث قفزات في أسعار الفائدة، للحيلولة دون تفشي التضخم. لكن العالم بات اآلن غارقًا فيما هو أخطر، املخاطر الجيوسياسي­ة املتنامية التي نشاهدها في صورة حروب وإبادة جماعية ونزاعات وتهجير وجوع وانتعاش صناعة السالح، مخاطر ليست قاصرة على رقعة من األرض، بل تبدأ من حرب غزة واضطرابات الشرق األوسط، وتوترات البحر األحمر، واستمرار حرب أوكرانيا، وال تنتهي عند احتمال اندالع بؤر توتر جديدة. وبعد أن كان العالم ينظر، حتى وقت قريب، إلى التضخم على أنه أكبر تحد لالقتصاد العاملي، بل أكبر مصدر قلق لالقتصادات واألسواق واملستهلكن­ي، بات اآلن ينظر إلى العوامل الجيوسياسي­ة على أنها أكبر خطر يواجه ذلك االقتصاد. وإذا كانت الحكومات والبنوك املركزية واألسواق املالية وكبار املستثمرين حول العالم لديهم القدرة على التعاطي مع املخاطر االقتصادية واملالية، ووضع سيناريوهات قابلة للتطبيق للتعامل معها، عبر أدوات علم االقتصاد، فإنه يبدو عاجزًا عن التعاطي مع تداعيات املخاطر الجيوسياسي­ة، فمخاطر التضخم يمكن احتواؤها عبر سحب السيولة، ورفع الفائدة، كذا يمكن التعامل مع املخاطر املالية والتجارية، أما املخاطر الجيوسياسي­ة فإن املستثمر قلق ويبدو عاجزًا تجاه التفاعل والتعامل معها، ألن أوراق الحل ليست بيده، بل بيد آخرين يخوضون حربًا شرسة قد ال يكون لها عالقة بأمور السياسة واالقتصاد ، وقد تتغير املعادالت على األرض من وقت آلخر، وهذا القلق أمر يمكن مالحظته في مداخالت املشاركني بمنتدى الدوحة. املخاطر السياسية ضاغطة على الجميع، وتخلق حالة من الضبابية والاليقني أمام الحكومات واملستثمري­ن، وتعزز مخاوف األسواق، وتعرقل التدفقات االستثماري­ة، وتضع الجميع أمام خيار عض األنامل.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar