حسن قصيني... قصة مهجر من طيرة حيفا
يجلس حسن قصيني على أريكة منزله في حــي الـكـبـابـيـر عـلـى جـبـل الـكـرمـل فــي حيفا، والـــــذي يــطــل مـــن نــافــذتــه عــلــى بــلــدتــه طـيـرة حيفا وأراضيها والتي هجر منها عندما كان طفا مع عائلته في عام النكبة الفلسطينية ،1948 ليروي لـ«العربي الجديد» فصوال مما عايشه في تلك الفترة والسنوات التي تلتها. يــقــطــن الــقــصــيــنــي الـــيـــوم فـــي حـــي الـكـبـابـيـر بحيفا والـــذي كــان يعتبر جـــزءًا مـن مساحة أراضــــــي الـــطـــيـــرة قــبــل الــنــكــبــة، فــيــمــا أصـبـح بعد النكبة يصنف ضمن مدينة حيفا، كما يـــقـــول. فـــي 16 يــولــيــو/تــمــوز ،1948 سقطت طيرة حيفا وهجر أغلبية أهاليها إلى دول عربية واستقروا في مخيمات الاجئني في لبنان واألردن وسورية. وأتى سقوطها بعد مـقـاومـة شـرسـة وعـقـب سـقـوط مدينة حيفا بثاثة أشـهـر. مـع العلم أن طـيـرة حيفا تقع على بعد 10 كيلومترات جنوب حيفا. كان فـــي قــريــة طــيــرة حـيـفـا يـومـهـا 14 عـــني مـيـاه ومدرستان، إحداها ما زالت إلى اليوم قائمة كمدرسة لكن تحولت للطاب اليهود. وإذا كــانــت إســرائــيــل حــافــظــت عــلــى اســـم الـطـيـرة بالعبرية للبلدة التي أقيمت على أنقاضها، إال أنـهـا بـدلـت العديد مـن مامحها. فمنزل املـخـتـار عـبـد الـلـه الـسـمـان تــحــول إلـــى مركز شـرطـة إسـرائـيـلـيـة، والـجـامـع القبلي تحول إلــــى كــنــيــس. أمــــا شـــواهـــد املــقــبــرة فــمــا زالـــت شامخة وشاهدة على النكبة. يسرد حسن قصيني، وهو اليوم في نهاية العقد السابع من عمره، كيف صمدت عائلته خال عام النكبة في البقاء داخل الوطن على الرغم من أن غالبية عائلته تهجرت خارجه. كما يروي العديد من فصول املواجهات في ذلـــك الــعــام بـنـاء عـلـى مــا أخــبــره إيـــاه والـــده وبـــاقـــي أفـــــراد عــائــلــتــه، فــضــا عـــن ذكــريــاتــه عندما حظيت عائلته بفرصة الـعـودة إلى منزلها في وادي العني بالطيرة سنة 1952 وبقائه فيه حتى أواسط السبعينيات. يقول قـصـيـنـي لـــ«الــعــربــي الـــجـــديـــد»: «عـــــرف أهـل الـطـيـرة، الـتـي تعد مــن أكـبـر قــرى فلسطني، بــاملــقــاومــة، واشـتـبـكـوا مــع الـيـهـود فــي عـدة مـــعـــارك مـنـهـا فـــي جــبــل املــرقــصــة الــــذي هو الـــيـــوم حـــي ديـــنـــي، واســتــشــهــد 56 فــــردًا من أبــنــاء الـبـلـدة فــي عـــام الـنـكـبـة». ويـلـفـت إلـى أنه في عام النكبة، وخـال الحرب، قام أهل
في 16 يوليو 1948 سقطت طيرة حيفا وُه ّجر أغلبية أهاليها
الطيرة بإغاق شــارع حيفا-يافا الــذي كان يعد شـارعـا مركزيا، مـا اضطر اليهود إلى القيام بجولة طويلة عبر وادي فاح حتى يتمكنوا من الوصول إلى حيفا. كـمـا يـتـطـرق إلـــى انـــخـــراط قـــوات عـربـيـة في الــقــتــال داخــــل الــبــلــدة، قـــائـــا: «وصــــل إلينا
جـيـش عــربــي لـكـي يــخــرج أهـــل الـطـيـرة قبل سقوطها، وبــدأ الجنود بالفعل فـي إخـراج كـبـار الـسـن والـنـسـاء واألطــفــال مــن البيوت ونقلهم إلـى بـاب النهر بجانب كفر سمير، وهــــنــــاك كــــانــــوا يــضــعــونــهــم فــــي شــاحــنــات ويــأخــذونــهــم إلـــى قــريــة رمــانــة قـبـل جـنـني». ويـتـابـع: «عـنـدمـا وصـلـت عائلتي إلــى باب النهر كـان لدينا أصحاب من قرية عسفيا، وأصـــروا أن ينزلونا وقـالـوا لنا لن تذهبوا إلـى أي مكان آخـر وســوف تبقون معنا في بـيـتـنـا بـعـسـفـيـا، وبــقــيــنــا فـــي عـسـفـيـا عند أصـــدقـــائـــنـــا ملــــدة أربـــــع ســـنـــوات حــتــى سنة ،1952 وبعدها قـررت عائلتي أن تعود إلى بـيـتـنـا فـــي وادي الـــعـــني بـــالـــطـــيـــرة، وكــانــت البيوت فارغة وال يوجد فيها أحـد. وهكذا بقينا في الطيرة حتى سنة .»1975 كــمــا يــــروي قـصـيـنـي مـــا تـــعـــرض لـــه أهــالــي الــــقــــريــــة مـــــن جـــــرائـــــم عــــلــــى يـــــد عـــصـــابـــات الـــهـــاغـــانـــاه خـــــال عـــــام الـــنـــكـــبـــة، قــــائــــا إنـــه «عــنــدمــا طـلـب الـجـيـش الـعــربــي مــن الـنـاس املـــغـــادرة إلـــى بـــاب الـنـهـر كـــان يـوجـد أنــاس يختبئون في حي عراق الشيخ بالطيرة من نساء وكبار السن. قوات الهاغاناه وصلت إلــى الطيرة بجانب املــدرســة. ووقـــف هناك شخص من القرية الطيرة يلوح ويقول إن الطيرة سلمت، فنزل الناس من حي عراق الــشــيــخ». ويــضــيــف: «ســــرد لـــي مـحـمـد أبــو محمود حجير، وهو من أبناء القرية، أن أمه وشقيقه محمود 10( أعــوام) كانا ينتقان مـــع بــاقــي أهـــالـــي الــقــريــة عــبــر وادي الـعـني بجانب املـدرسـة، وعندما حــاول شقيقه أن
يختبئ وراء أحـــد األحــجــار أطـلـق عناصر الهاغاناه الرصاص عليه، ورغم محاوالته لنقله للعاج في مستشفى حمزة بحيفا إال أنه استشهد في الطريق». وعـن الـعـودة إلـى القرية، يـقـول: «سنة 1952 عــدنــا إلـــى مـنـزلـنـا الـــفـــارغ وسـكـنـا فــيــه، وكـل بيوت الطيرة كانت فـارغـة». ويلفت إلـى أنه «فـــي ذلـــك الـــوقـــت أيــضــا عــــادت عـــدة عـائـات عــربــيــة كـــانـــت قـــد هـــجـــرت مـــن بـــلـــدات أخـــرى ولـــيـــس مـــن الـــطـــيـــرة وســكــنــت بــجــانــبــنــا في املـــنـــازل الـــفـــارغـــة بــالــطــيــرة، وهـــكـــذا تـحـولـنـا إلــى بـلـدة يعيش فيها قـرابـة 200 شخص». ويـــتـــابـــع: «أقــمــنــا فـــي وادي الــعــني بـالـطـيـرة بدون كهرباء وماء وبدون شوارع مرصوفة. ولكن كنا نحصل على املــاء مـن العني وكـان هـنـاك خــط مـواسـيـر مـيـاه مــمــدود مــن العني إلى البيوت منذ ما قبل النكبة. لكن أنا تركت القرية كشاب، فرحلت إلى حيفا سنة .»1965 ويضيف: «في املقابل بقي والدي موسى عبد الــحــي قـصـيـنـي، فــي الــطــيــرة حـتـى منتصف السبعينات وكان يقول لن أخرج من الطيرة، لكن بعد مرضه نقلته إلـى منزلي في حيفا لرعايته وتـوفـي بعمر 106 أعــــوام. وبعدها عـنـدمـا حـاولـنـا الـــدخـــول إلـــى مــنــزل عائلتي في وادي العني بالطيرة منعنا من السلطات اإلسرائيلية، والبيت ما زال قائما لليوم ولكن يـمـنـعـونـنـا مـــن دخـــولـــه». ويـــســـتـــدرك: «تـمـت مــصــادرة جميع أراضـيـنـا بالطيرة وجميع أراضي أهالي الطيرة. أنا اسمي نفسي الجئا في حيفا حتى أعود إلى بلدي».