76 عامًا للنكبة الفلسطينية اضطهاد ومالحقات وتكميم أفواه عرب الداخل
تحّل الذكرى الـ67 للنكبة الفلسطينية، في حين تنّفذ إسرائيل نكبة أخرى بأهل غزة، دفعتها إلى مضاعفة حملة االضطهاد والقمع وكم األفواه التي تمارسها بحق فلسطينيي الداخل الذين يعيشون اليوم في ظل حكم عسكري غير معلن
تحل الــذكــرى الــــ67 لنكبة الشعب الفلسطيني، هذا العام، في ظروف اسـتـثـنـائـيـة بـخـضـم حــــرب إبــــادة عــلــى غـــــزة، دخـــلـــت شــهــرهــا الـــثـــامـــن، وتـعـيـد إلــــى األذهـــــــان وتــــذكــــر بــالــكــثــيــر مـــن مـشـاهـد النكبة الفلسطينية عـــام ،1948 ومـــا شهده الـفـلـسـطـيـنـيـون حـيـنـهـا مـــن نــــزوح وتـشـريـد ودمـــار وشــهــداء وعـــودة إلــى خيم التهجير، بــتــوقــيــع «املـــؤســـســـة» ذاتــــهــــا، ولـــكـــن بــفــارق زمــنــي طـــويـــل. وتـــأتـــي الـــذكـــرى الــــــ67 للنكبة الفلسطينية، اليوم، في ظل سياسة اضطهاد قــومــي وتـكـمـيـم أفــــواه ومــاحــقــات سياسية تــطــاول فلسطينيي الــداخــل املـحـتـل، أعقبت 7 أكــتــوبــر/تــشــريــن األول املــــاضــــي، ويـمـكـن تشبيهها بفترة الحكم العسكري. وعملت السلطات اإلسـرائـيـلـيـة، على فرض ســـيـــاســـة «املــــمــــنــــوعــــات» عـــلـــى فـلـسـطـيـنـيـي الداخل منذ 7 أكتوبر املاضي، والتي شبهها الكثيرون بفرض نــوع مـن الحكم العسكري شمل تكميم األفـــواه واملـاحـقـات السياسية للناشطني الفلسطينيني ومنعهم من التعبير عن رأيهم في وسائل التواصل االجتماعي. وتــم اعتقال املـئـات مـن أبـنـاء وبـنـات الداخل الفلسطيني املـحـتـل والـــقـــدس املـحـتـلـة، وقـد فرضت اإلقـامـة الجبرية على بعضهم ممن تــــم إطـــــاق ســراحــهــم بــعــد الـتـحـقـيـق مـعـهـم. وقـــال رئـيـس قسم األمـــن واملـهـمـات الخاصة في النيابة العامة التابعة لاحتال، شلومي أبــــرامــــســــون، فـــي مــقــابــلــة نــشــرتــهــا صحيفة «كلكليست» أول من أمس االثنني، إنه «منذ 7 أكتوبر حتى نهاية عام ،2023 نقل إلينا 818 طـلـبـا لـفـتـح تـحـقـيـقـات فــي مـلـفـات تحريض كـي نـصـادق عليها، ووافـقـنـا على التحقيق فـــي 63 فـــي املـــائـــة مـــن هـــذه املــلــفــات. وقـدمـنـا حتى نهاية العام املاضي، 132 الئحة اتهام، وأكــثــر مــن 17 الئـحـة اتــهــام أخـــرى فــي الربع األول مـــن عـــام ،2024 وأعــتــقــد أنــنــا سنصل إلــــــى 100 مـــلـــف (كـــــهـــــذا) ســــنــــويــــا». وكـــانـــت غـالـبـيـة الــتــهــم تـتـمـحـور حــــول «الـتـحـريـض والتماهي مع منظمة محظورة»، باإلضافة إلــى تهم «أمـنـيـة» وأخـــرى تقع تحت مسمى قـانـون مكافحة اإلرهــــاب. وكـانـت السلطات اإلسـرائـيـلـيـة منعت الـتـظـاهـرات فــي الـداخـل الفلسطيني املحتل، وشهدت تظاهرة نظمها ناشطون فلسطينيون في مدينة أم الفحم، في 19 أكتوبر املاضي، رفضا للحرب، حملة اعتقاالت نفذها االحتال طاولت 12 معتقا، مــــا زال اثــــنــــان مــنــهــم رهـــــن االعــــتــــقــــال. وفـــي الــســيــاق، يـــرى الــكــاتــب أنـــطـــوان شـلـحـت، أنـه «حتى قبل الحرب اإلسرائيلية الحالية على غـــزة، عـــادت النكبة الفلسطينية إلــى جـدول األعمال في إسرائيل على خلفية أحداث عدة مرتبطة بـهـا، بطريقة مــا. وفــي مـــوازاة ذلـك، استمرت أيضا عمليات الكشف عن وثائق من األرشيف اإلسرائيلي تتطرق إلـى ما ارتكب من مجازر وآثام خال نكبة ،1948 بما جعل هذا املاضي اإلسرائيلي املظلم يلقي بظاله على الحاضر. كما أن هـذا املاضي الظامي ألقى بظاله قبل ذلك على الهبة الفلسطينية الـتـي انـدلـعـت فـي مــايــو/أيــار 2021 وشملت عــلــى نــحــو رئــيــســي مـــا يــعــرف بــاســم «املــــدن املــخــتــلــطــة» داخـــــل أراضــــــي ،1948 وهــــي في األســـــــاس مـــــدن الـــلـــد والـــرمـــلـــة ويــــافــــا وعــكــا وحيفا». ويشرح شلحت أنه «إذا ما توقفنا عند مناسبة إحياء الذكرى الـ57 للنكبة قبل عـــام، يمكن الـقـول إن األصــــوات اإلسرائيلية الـتـي اعترفت بــأن نكبة 1948 كـانـت السبب الوحيد ملا يعرف بـ«قضية األقلية العربية في إسرائيل» كانت قليلة، وظلت الغلبة من نصيب أصــوات خلصت إلـى نتيجة مسبقة األدلجة، فحواها أن إحياء النكبة يشكل أبلغ تعبير عن التمسك باملاضي وعدم االستعداد ملـــجـــاراة الــحــاضــر مــن خـــال نـسـيـان مــا كـان والتطلع من ثم إلى ما سوف يكون. وكــــان مـــن الـــافـــت بـــرأيـــه، عـلـى نــحــو خـــاص أن بــعــض هــــذه األصــــــــوات، بــمــن فــيــهــا تلك املحسوبة على اليمني اإلسرائيلي الجديد، ذهــبــت إلـــى االســتــنــتــاج بـــأن مــشــاركــة حـزب عـربـي فــي االئــتــاف الـحـكـومـي اإلسـرائـيـلـي (رئـــيـــس الــقــائــمــة الــعــربــيــة املـــوحـــدة الـنـائـب فـي الكنيست منصور عـبـاس عـن «الحركة اإلسامية»، الذي وقف وراء حكومة نفتالي بــيــنــيــت ـ يــئــيــر لــبــيــد املــنــتــهــيــة واليـــتـــهـــا)، لـلـمـرة األولــــى فــي تــاريــخ األحـــــزاب العربية التي ال تـدور في فلك األحــزاب الصهيونية، يعتبر دلــيــا واعــــدًا عـلـى اصـطـفـاف مـأمـول لــلــفــلــســطــيــنــيــني فــــي إســــرائــــيــــل، بــــني فــريــق يفضل التمسك باملاضي انطاقا مما حدث فـــي مـرحـلـة الـنـكـبـة عـلـى األقـــــل، وبـــني فـريـق آخـــر حـسـم أمـــره بـــأن يتعامل مــع الـحـاضـر، وبأن يدير ظهره إلى املاضي املرتسم تحت وطأة النكبة على وجه التحديد». ويضيف: «إذ نـــشـــيـــر إلــــــى هــــــذا الـــــجـــــدال الـــــدائـــــر بـني اإلسرائيليني، فلتوضيح جانب من جوانب التفكير اإلسرائيلي في ما يتعلق بالنكبة، وهو الجانب الذي يشي بهروب أصحابه إلى األمــام من مستحقاتها عموما، وخصوصا في ما يرتبط بما يعرف بعاقات األكثرية اليهودية واألقلية الفلسطينية داخل أراضي .»1948 وبــــرأي شـلـحـت، فـــإن «أصــحــاب هـذا التفكير يتجاهلون أن الفلسطينيني أينما كـانـوا ليسوا فـي حـاجـة إلــى أي مـسـبـب في الظاهر كي يسترجعوا نكبتهم، فهي كما قيل ويقال مــرارًا وتـكـرارًا مستمرة في الحاضر، سـواء من خال املواجهة التي يخوضونها مــــع إســــرائــــيــــل، أم مــــن خـــــال املــــواقــــف الــتــي تـسـتـجـد بـــني الـفـيـنـة واألخــــــرى، إن كـــان من طــــرف جـــهـــات عــربــيــة أو دولــــيــــة». ويــتــابــع: «جولة الكفاح التي خاضها الفلسطينيون في عام ،2022 وكذلك الجولة التي سبقتها في عـام 2021 والتي بــدأت من القدس (حي الــشــيــخ جــــــراح) وســـرعـــان مـــا شـمـلـت سـائـر مـنـاطـق فلسطني وال سـيـمـا أراضــــي ،1948 قد تكونان جاءتا باملصادفة متزامنتني مع ذكـــرى الـنـكـبـة الفلسطينية، ولــكــن ال يمكن بـــحـــال مــــن األحــــــــوال عـــــدم رؤيــــــة أن الـسـبـب الواقف وراء هما يعود إلى تلك النكبة، وإلى تداعياتها املستمرة، التي ليس من املبالغة القول إنها بمنزلة الشرارة املتوهجة التي ال تخبو ألي جولة كفاح فلسطينية، بما في ذلــك الـراهـنـة والسابقة، وكـذلـك املقبلة، كما كانت الحال حتى اآلن». ويلفت شلحت إلى أن «األمــــر األكــثــر جـديـة فــي األعــــوام القليلة املــــاضــــيــــة، واآلن فــــي خـــضـــم حـــــرب اإلبــــــادة املـسـتـمـرة عـلـى قــطــاع غــــزة، هــو مــا طـــرأ من مستجد عـلـى مــواقــف الـيـمـني اإلســرائــيــلــي، والـــــذي تــراكــمــت إشــــــارات قـــويـــة لـــديـــه تشي بــأنــه قــــام بــاالنــتــقــال مـــن إنـــكـــار الـنـكـبـة إلــى
شلحت: انتقل اليمين من إنكار النكبة إلى التلويح بتكرارها
كمال خطيب: نعيش في ظل حكم عسكري غير معلن رسميًا
اإلقرار بها وبفظائعها بجانب التلويح علنا باالستعداد لتكرارها، كما انعكس ذلك في تصريحات عـدد من املسؤولني الحكوميني اإلســرائــيــلــيــني والــبــرملــانــيــني». وبـــرأيـــه، فــإن «ذلــك يثبت أن االدعــــاءات التي تتمسك بها الحكومات اإلسرائيلية املتعاقبة وفحواها أن الرواية الفلسطينية للنكبة تمثل تشويها خسيسا لوقائع التاريخ هي ادعاءات باطلة مــن أســاســهــا». وتـحـل الــذكــرى الـــــ67 للنكبة الفلسطينية في ظل حرب غزة التي فرضت نظام حكم عسكري على فلسطينيي الداخل. ويــــقــــول رئــــيــــس لـــجـــنـــة الــــحــــريــــات املــنــبــثــقــة مـــن لـجـنـة املــتــابــعــة، الــشــيــخ كـــمـــال خـطـيـب، إن الـــذكـــرى الـــــ67 للنكبة تــتــزامــن الــيــوم مع الـنـكـبـة الـــجـــديـــدة الــتــي تــقــع عــلــى غــــزة عبر تهجير مليونني مـن سكانها وهـــدم 70 في املائة من مساكنها وهو ما يفوق ما حصل فـــي عــــام .1948 لـكـنـه يـــؤكـــد أنـــهـــا «الـعـقـلـيـة إياها التي آمنت بالقتل والبطش وارتكاب املجازر لتحقيق هدف التهجير هي نفسها التي تـمـارس الـيـوم القتل وارتــكــاب املجازر الجماعية بهدف التهجير». ويضيف: «إنه املــشــهــد ذاتــــــه، لــكــن اخــتــلــفــت فــقــط األســـمـــاء والفتات املجرمني وأسماؤهم، أما السياسة فــهـي ذاتـــهـــا الــتــي كــانــت تـــمـــارس تــمــامــا في عـام 1948 تـمـارس الـيـوم، وإال فكيف لنا أن نــفــســر أن يــتــم تـهـجـيـر مـلـيـونـي إنـــســـان في وضح النهار وعبر البث املباشر، في عملية يشاهدها العالم كله وال يرمش له جفن؟». وبرأيه، فإن األمر يحدث على هذا النحو «ألن هؤالء مقتنعون بأن هذا هو السبيل الوحيد من أجل تحقيق أهدافهم». ويلفت خطيب إلى أن فشل التهجير ألهل غزة إلى خارج حدود الوطن، هو الدرس املستفاد، وإصرارهم على البقاء داخل حدود الوطن وحتى إن هجروا
مــن بيوتهم، وهـــذا فــي حــد ذاتـــه يمثل نقلة نوعية فاجأت املجرم والجزار وأفشلت عليه مشروعه وأفــســدت عليه قصصه»، بحسب تعبيره. ويــشــدد خطيب على أنــه «رغـــم كل ما يحصل سواء في غزة أم في الداخل عبر الـهـدم بالجملة كما حصل فـي الـنـقـب، عقد شعبنا الــعــزم عـلـى أال يـكـون هـنـاك تهجير بعد الــيــوم، وأنـــه أمـــام البطش السلطوي ال خيار إال الصمود والثبات، وإن كـان املـوت، فـــاملـــوت فـــي أرض الـــوطـــن ولــيــس فـــي أرض سواها». ويتابع: «نحن نعيش في ظل حكم عسكري غير معلن رسميا بمعنى املحاسبة على الكلمة وحتى على النية، فهم يريدون تــفــســيــر نــــوايــــانــــا بـــأنـــهـــا تـــعـــاكـــس ســيــاســة الـــحـــكـــومـــة اإلســـرائـــيـــلـــيـــة الــــظــــاملــــة». وحــــول الوضع في الداخل املحتل، يشرح: «نحن في وضع جديد، منعنا من أن نمارس أي نشاط نعبر فيه عـن إنسانيتنا تجاه إنـسـان آخر حتى وإن كان هذا اإلنسان هو شقيقنا وابن عـائـلـتـنـا وابــــن شعبنا فــي قــطــاع غــــزة. لكن أنـا أقـول رغـم هـذا كله، إن املؤسسة اإلداريــة فشلت في أن تحقق هدفها بمحاولة الفصل بـــني أبـــنـــاء شـعـبـنـا فـــي الـــداخـــل وارتــبــاطــهــم وبـــــني ارتـــبـــاطـــهـــم الـــتـــاريـــخـــي والـــعـــقـــائـــدي والــديــنــي بـالـجـزء اآلخـــر مــن أبــنــاء الــوطــن». وعـن الـذكـرى الـــ67 للنكبة الفلسطينية هذا العام في ظل الواقع السياسي الفلسطيني وانـعـكـاسـاتـه ومـعـنـى إحــيــاء ذكـــرى النكبة، يــقــول الــكــاتــب عــــوض عــبــد الـــفـــتـــاح، إن «مــا يـحـصـل اآلن هـــو أشــــد وأخـــطـــر مـــن الـنـكـبـة، وأيضا جريمة اإلبادة التي تنفذها إسرائيل حـالـيـا هــي ربــمــا أيـقـظـت الكثير مــن الـنـاس الـــذيـــن لـــم يــكــونــوا يــعــرفــون مـــا هـــي الـنـكـبـة فـي عــام 1948 وتبعاتها، فجعلتهم الحرب يــعــودون إلـــى تــاريــخ الـنـكـبـة، خـصـوصـا في
الغرب ليفهموا ما حصل، ويدركوا أن النكبة مصيبة ألحقها الــغــرب فــي الفلسطينين، وما يعني أن يشرد شعب وأن يباد شعب». ويعتبر عبد الفتاح أن «مشاهد حـرب غزة أشـد وأخطر من النكبة، فالناس مذهولون ومـــصـــدومـــون مـــن مــشــاهــد الــقــتــل واإلبــــــادة، مـــشـــاهـــد الــــحــــرب فــــي غـــــزة الــــيــــوم اســـتـــمـــرار للنكبة، ألن الـحـركـة الصهيونية لــم تنجح في إبــادة الشعب الفلسطيني بعدما أبادت قــســمــا بـسـيـطـا مــنــه وطــــــردت نــصــفــه خـــارج الــوطــن، وبـقـي الـعـامـل الديمغرافي هاجسا مــســتــمــرًا مــــؤرقــــا لــإلســرائــيــلــيــن والـــحـــركـــة الصهيونية التي وجدت فرصة في 7 أكتوبر لتنفيذ مخططات قديمة». ويشير عبد الفتاح إلى أن املخطط األصلي، هـو إمــا إبـــادة الفلسطينين وطــردهــم وإمـا إخــضــاعــهــم كــلــيــا لــاســتــعــمــار اإلســرائــيــلــي وإبـــقـــاؤهـــم عــبــيــدًا إلــــى األبـــــد مـــن دون حق تقرير املصير، وهــذه البرامج كشفوا عنها بوضوح عشية شن الهجوم، وأخـرجـوا من األدراج أيضا مخططات قديمة تخص غزة»، لكنه يلفت إلى أن «كل ما قامت به إسرائيل حـــتـــى اآلن انـــقـــلـــب عــلــيــهــا، فــصــحــيــح أنــهــا تمكنت من تدمير حياة الشعب الفلسطيني الساكن فـي غــزة وإبقائه فـي حــاالت صدمة لــســنــوات طــويــلــة، ولــكــن إســرائــيــل بــقــدر ما قــامــت بـــه مـــن تــدمــيــرنــا، قـــد دمــــرت نفسها، وهــــــي اســـتـــراتـــيـــجـــيـــا خــــــاســــــرة»، ويـــــــرى أن «الــفــلــســطــيــنــيــن اآلن مـــــوجـــــودون فــــي قـلـب األجندة العاملية وهناك حركة ثورية عاملية لــيــس فــقــط فـــي الــجــامــعــات، بـــل حــركــة وعــي عاملي بالظلم الواقع على الفلسطينين، مع وجــود تقاطع بن قضية فلسطن وقضايا الظلم في العالم، وهو ما يوحد الشعوب في الجامعات والشوارع بالغرب».