Al Araby Al Jadeed

تهجير ممنهج للتجمعات البدوية في الضفة

يهدف االحتالل اإلسرائيلي من تهجير التجمعات البدوية في الضفة الغربية إلى إعادة إنتاج مفهوم النكبة الفلسطينية

- رام اهلل ـ مالك نبيل

ال تــــــــز­ال عـــــشـــ­ــرات الــــعـــ­ـائــــالت فـــــي تــجــمــع­ــات بـــدويـــ­ة بـالـضـفـة الــغــربـ­ـيــة املـحـتـلـ­ة بـــال مـــأوى بعد أن هجرت مــرات عديدة منذ بـدء الحرب اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــة عـــلـــى قـــطـــاع غـــــزة فــــي الــســابـ­ـع مـــن أكــتــوبـ­ـر/تــشــريــ­ن األول املــــاضـ­ـــي، والــتــي تـــزامـــ­نـــت مــــع تــصــعــي­ــد تــهــجــي­ــر الــتــجــ­مــعــات البدوية فـي الضفة والـقـرى الصغيرة بهدف تهجير سـكـانـهـا وإخــــالء مـنـاطـقـه­ـم. وبينما لــــم يــفــلــح مـــنـــذ عـــقـــود مـــضـــت فــــي االســـتــ­ـيـــالء عـلـى تـلـك املـنـاطـق، يــســارع االحــتــا­لل الخطى الــــيـــ­ـوم لــجــعــل­ــهــا بــــــؤرًا اســتــيــ­طــانــيــ­ة تـمـهـيـدًا لشرعنة االستيطان فيها، وضمها للمناطق الــتــي تـصـنـف «ج»، أي الـخـاضـعـ­ة للسيطرة األمــنــي­ــة اإلســرائـ­ـيــلــيــ­ة، وفـــق اتــفــاقـ­ـيــة أوســلــو عام ،1993 في مشاهد تعيد إلى األذهـان مرة أخـــــرى أهــــــدا­ف االحــــتـ­ـــالل مـــن نــكــبــة فلسطني عــام .1948 ويستخدم االحـتـالل طرقًا عديدة فـــي تـهـجـيـر الـتـجـمـع­ـات الــبــدوي­ــة فـــي الضفة والفلسطيني­ني فــي الــقــرى والـــبـــ­لـــدات، منها: االستيطان الرعوي، وتعزيز عنف الجماعات االسـتـيـط­ـانـيـة، واإلخـــطـ­ــار بـحـجـة الــبــنــ­اء من دون تــــرخـــ­ـيــــص، ثـــــم قـــــــــ­ـرارات الـــــهــ­ـــدم، ومـــنـــع البناء والتوسع العمراني، واالسـتـيـ­الء على األراضــــ­ـي واملـمـتـل­ـكـات بـذريـعـة غـيـر قانونية عنوانها «قانون أمالك الغائبني». ويستولي االحــتــا­لل بموجب هــذا الـقـانـون على أراضــي الـفـلـسـط­ـيـنـيـني الـــذيـــ­ن هـــجـــرو­ا مـــن أراضــيــه­ــم عام 1948 بذريعة أنهم غائبون عنها. غير أن مشهد التهجير منذ بدء العدوان على القطاع وحتى الـيـوم، يحاكي مشهد النكبة في الــ51 من مايو/أيار ،1948 حني استخدم االحتالل أســــالــ­ــيــــب قـــــــوة الــــســـ­ـالح والـــتـــ­هـــديـــد بــالــقــ­تــل وإطــــالق الــنــار وإحــــراق الـبـيـوت واملـمـتـل­ـكـات، كما جرى في مناطق عديدة بالخليل جنوبي الضفة الـغـربـيـ­ة، مثل خـربـة زنــوتــا جنوبها، وتجمع الـقـانـوب شــمــاال، وتجمعات مسافر يطا جنوبي شــرق املحافظة. وتمثل تهجير التجمعات الـبـدويـة فــي الضفة بعد السابع مــن أكــتــوبـ­ـر املـــاضــ­ـي، بتهجير أهــالــي تجمع القانوب شمال شرق بلدة سعير في الخليل، والــــتــ­ــي كـــانـــت مــــن أول األمــــاك­ــــن الـــتـــي هــجــر االحتالل أصحابها تحت التهديد بالقتل في 11 أكتوبر املـاضـي. يقول إبراهيم الشاللدة، أحـد املهجرين مـن التجمع، خـالل حديث مع «العربي الجديد»، إنهم «ما كانوا ليخرجوا مــن أرضــهــم لـــوال أن 50 مستوطنًا مدججني باألسلحة حــاصــروا التجمع بشكل مفاجئ واقـتـحـمـ­وا املـــنـــ­ازل والــخــيـ­ـام والــكــهـ­ـوف التي يقيمون فيها، بعد منتصف ساعات الليل». ويــضــيــ­ف أن املـسـتـوط­ـنـني أجــبــروه­ــم «تـحـت تـهـديـد الــســالح بالقتل وإمـــا الـــخـــر­وج»، على مـغـادرة التجمع «مــن دون أن يحملوا معهم أي شــــيء مـــن احــتــيــ­اجــاتــهـ­ـم أو مـمـتـلـكـ­اتـهـم الـشـخـصـي­ـة، أو حــتــى مـركـبـاتـ­هـم الــخــاصـ­ـة». ويــلــفــ­ت إلــــى أنــــه «بـــعـــد مـــــرور لـيـلـة التهجير حينها، حاول األهالي صبيحة اليوم الثاني الوصول إلى التجمع للعودة، إال أنهم فوجئوا بــــــأن مــمــتــل­ــكــاتــه­ــم أحـــــرقـ­ــــت كـــلـــهـ­ــا». ويــصــف الشاللدة هذه اللحظات بحسرة وندم. ويقول: «كـــــان يــــوم خــروجــنـ­ـا يــــوم نــكــبــة حـقـيـقـيـًا، لم نــتــخــي­ــل أن نـــخـــرج مـــن الــتــجــ­مــع الـــــذي نملك أوراقـــــًا ثـبـوتـيـة وتــاريــخ­ــيــة بـــأن األرض التي عليه تعود لنا، ولذا حاولنا العودة بعد أيام، وفوجئنا بأن منازلنا أحرقت ودمـــرت، حتى الـكـهـوف الـحـجـريـ­ة الــتــي سـكـنـاهـا خـربـوهـا، وسرقوا كل أموالنا، وال شيء معنا اليوم، وال مكان نلجأ إليه، بعد تشتت عائلتنا املكونة

لم يلتزم االحتالل بحكم عودة أهالي تجّمع خربة زنوتا

من 20 شخصًا، حيث كل واحد فينا لجأ إلى مكان يؤويه». ومنذ األول من نوفمبر/تشرين الثاني املـاضـي، لم تستطع 11 عائلة العودة إلى أراضيها في تجمع القانوب، حيث هجر االحــتــا­لل نحو 70 فـــردًا، مستغال بـذلـك حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة اإلسرائيلي­ة، لــتــبــر­يــر املــخــطـ­ـطــات االســتــي­ــطــانــي­ــة. وطــــاول تهجير التجمعات البدوية في الضفة تجمع خربة زنوتا، والـذي هجره االحتالل بعد بدء الــحــرب على الـقـطـاع، إذ يــوضــح أحــد أهاليه املهجرين وهــو عــادل الـطـل، خــالل حديث مع «العربي الجديد»، أنهم صمدوا 29 يومًا تحت الحصار قبل أن يغادروا التجمع كآخر عائلة تــهــجــر مـــن الــخــربـ­ـة فـــي 15 نـوفـمـبـر املــاضــي. ويــقــول إنــهــم غـــــادرو­ا بـعـدمـا «مـــــروا بفصول من العذاب لم تحظ بتغطية إعالمية أو دعم

شعبي أو رسمي». ومـا لم يفلح به االحتالل منذ عام 1950 في تهجير الخربة التي يطول عمرها أكـثـر مـن عمر دولـــة إسـرائـيـل، يحققه الــيــوم وســـط صـمـت وغــيــاب رســمــي وشعبي ودولـي، كما يروي الطل. ويضيف أن «أهالي الـــخـــر­بـــة لــــم يــــغــــ­ادروهــــا طــــــوال عـــقـــود مـضـت وتــحــديـ­ـدًا مــنــذ عـــام ،2019 إذ كـــان االحــتــا­لل يــمــنــع عـــن الـــخـــر­بـــة املـــــاء والـــكـــ­هـــربـــا­ء، ورعـــي األغــنــا­م، وتقييد الـحـركـة». ولــم تمنعهم تلك اإلجراءات من الصمود «الذي نفدت مقوماته بعد أن وصلت االعــتــد­اءات لتعريض النساء لـــلـــضـ­ــرب يـــومـــي­ـــًا وتـــهـــد­يـــد األطــــفـ­ـــال بــالــقــ­تــل، وحرق خيامهم ومنازلهم املكونة من صفائح الحديد، وسرقة أغنامهم التي تعتبر مصدر رزقهم». ويسرد الطل شكل التهجير الذي حل بهم حني «اقتحم 10 مستوطنني من جماعة فتية التالل (االستيطاني­ة املتطرفة) التجمع حــامــلــ­ني األســـلــ­ـحـــة الـــرشـــ­اشـــة والـــســـ­كـــاكـــن­ي». ويـــضـــي­ـــف أن هــــــؤال­ء املـــســـ­تـــوطـــن­ـــني «كــــســــ­روا بــعــض املــــنــ­ــازل، ثـــم عــــــادو­ا فـــي مـــركـــب­ـــات بعد أسبوع وهم ملثمون، وحاولوا دهس األطفال والــنــسـ­ـاء». ويلفت الـطـل إلــى أن ذلــك «استمر إلــى نهاية شهر أكـتـوبـر املــاضــي، إذ أحـرقـوا نــحــو 10 مـــنـــاز­ل سـكـنـيـة ومـــنـــش­ـــآت زراعـــيــ­ـة،

فيما لــم تـخـل املـــدة بــني هـــذه األيــــام كلها من التخويف والترهيب بإطالق النار في ساعات الــلــيــ­ل، حــتــى أجـــبـــر األهـــالـ­ــي كـلـهـم تـدريـجـيـًا على مغادرة التجمع الذي بات اليوم يسيطر عـلـيـه االحـــتــ­ـالل بــالــكــ­امــل». ويــتــخــ­وف أهـالـي الــتــجــ­مــع بــحــســب الـــطـــل «مــــن أن ال يـتـمـكـنـ­وا مـن الـعـودة إلـيـه، رغــم تقديمهم اعتراضا في املحاكم اإلسرائيلي­ة، والتي قضت بعودتهم إلـــى تجمعهم، لـكـن الـسـلـطـا­ت االحـتـالل­ـيـة لم تلتزم بالقرار الذي ستقدم اعتراضًا عليه في مـحـاولـة واضــحــة لـنـوايـا مبيتة باالستيالء على التجمع البالغة مساحته 12 ألف دونم». ويـشـيـر الــطــل إلـــى شــعــور األهــالــ­ي بـالـخـذال­ن نتيجة عــدم تلقي أي دعـــم، الفـتـًا إلــى أن 36« عائلة وأكثر من 400 مواطن تهجرنا قسريًا ولــم يتصل بنا أحــد يدعمنا، ولــم يتوفر لنا مكان يؤوينا، وصرنا في العراء نقيم وسط األخــــطـ­ـــار عــلــى األراضــــ­ـــي الـــتـــي تــصــنــف (ج) والـتـي قـد يطردنا االحـتـالل منها مـجـددًا في أيــــة لـــحـــظـ­ــة». وكـــــان الفـــتـــًا أن مــشــهــد تهجير التجمعات البدوية في الضفة لم يكن على يد قـــوات االحــتــا­لل بـدرجـة أسـاسـيـة، بـل على يد الجماعات االستيطاني­ة الدينية كما يوضح املشرف العام ملنظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، حسن مليحات. ويقول مليحات، خالل حديث مع «العربي الجديد»، إن «املستوطنني الذين أجبروا تجمعات الخليل البدوية على تــرك أراضـيـهـم ومساكنهم، يتبعون ملــدارس دينية يهودية متطرفة قائمة على فكرة قتل األغيار، أي قتل كل ما هو فلسطيني». ويهدف االحتالل من سياسة التهجير أخيرًا إلى إعادة إنتاج مفهوم النكبة، لكن هذه املرة على حساب التجمعات البدوية الواقعة في مناطق «ج»، والتي يسيطر االحتالل عليها. وبـــذلـــ­ك تــتــعــد­ى خـــطـــور­ة هــــذه اإلجــــــ­ـراءات ما كــان ينويه االحـتــال­ل فـي السابق مـن تطبيق «مشروع الضم»، إذ إن التهجير من شأنه أن يلغي الوجود البدوي الذي يتجه إلى هاوية اإلجــــــ­راءات اإلسـرائـي­ـلـيـة املتمثلة بالتطهير العرقي والفصل العنصري.

 ?? (ماركوس )Getty/ماي ?? إحدى عائالت خربة زنوتا أثناء مغادرتها، أكتوبر الماضي
(ماركوس )Getty/ماي إحدى عائالت خربة زنوتا أثناء مغادرتها، أكتوبر الماضي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar