ما مصير دعم مصر دعوى جنوبأفريقيا أمام العدل الدولية؟
مع إعالن القاهرة دعم مصر دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، والتي تتهم بريتوريا فيه االحتالل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، تتفاوت التقديرات بشأن قوة اإلعالن وتأثيره
تعلن دول عدة تباعا، أحدثها تركيا ومصر، اعـتـزامـهـا دعـــم دعــــوى جــنــوب أفـريـقـيـا أمــام محكمة العدل الدولية للنظر في انتهاكات إسـرائـيـل اللتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية واملعاقبة عليها في قطاع غزة. وقـــالـــت مـــصـــر، فـــي بـــيـــان صـــــادر عـــن وزارة خارجيتها األحد املاضي، إنها قررت التدخل رســمــيــا لـــدعـــم دعـــــوى جـــنـــوب أفــريــقــيــا ضد إســـرائـــيـــل أمـــــام مـحـكـمـة الــــعــــدل. وأوضـــحـــت الوزارة أن التقدم بإعالن التدخل في الدعوى، «يأتي في ظل تفاقم حدة ونطاق االعتداءات اإلسرائيلية ضد املدنين الفلسطينين في قطاع غــزة، واإلمــعــان فـي اقـتـراف ممارسات ممنهجة ضد أبناء الشعب الفلسطيني من استهداف مباشر للمدنين وتدمير البنية الـتـحـتـيـة فـــي الــقــطــاع، ودفــــع الفلسطينين لــلــنــزوح والـتـهـجـيـر خــــارج أرضـــهـــم، مــا أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة خلقت ظروفا غير قابلة للحياة في قطاع غزة، في انتهاك صــــارخ ألحـــكـــام الــقــانــون الـــدولـــي والــقــانــون الـدولـي اإلنـسـانـي، واتفاقية جنيف الرابعة
لعام 1949 بشأن حماية األشخاص املدنين في وقت الحرب». وطـــــالـــــبـــــت مــــصــــر فــــــي الــــــبــــــيــــــان، إســــرائــــيــــل بـــ«االمــتــثــال اللــتــزامــاتــهــا بـاعـتـبـارهـا الـقـوة الــقــائــمــة بـــاالحـــتـــالل، وتــنــفــيــذهــا لـلـتـدابـيـر املؤقتة الـصـادرة عن محكمة العدل الدولية الــــتــــي تـــطـــالـــب بـــضـــمـــان نــــفــــاذ املــــســــاعــــدات اإلنـسـانـيـة واإلغــاثــيــة عـلـى نـحـو كـــاف يلبي احــتــيــاجــات الـفـلـسـطـيـنـيـن فـــي قـــطـــاع غـــزة، وعــــــدم اقـــــتـــــراف الـــــقـــــوات اإلســـرائـــيـــلـــيـــة أليـــة انتهاكات ضد الشعب الفلسطيني باعتباره شعبا يتمتع بالحماية وفقا التفاقية منع ومعاقبة جريمة اإلبادة الجماعية». في هذه األثناء، قال مصدر مصري لـ «العربي الــجــديــد»، إن الــقــاهــرة «لـــم تـتـقـدم للمحكمة حتى اآلن بطلب الـتـدخـل، بسبب متطلبات قـــانـــونـــيـــة فــنــيــة صـــعـــبـــة». وقــــــال املــــصــــدر إن «متطلبات دعوى التدخل أمام محكمة العدل الدولية في الهـاي، أصعب من الدعوى التي تنظرها املحكمة بالفعل والتي تقدمت بها بـــريـــتـــوريـــا بـــالـــفـــعـــل». واعـــتـــبـــر أن «الـــقـــاهـــرة بهذا اإلعــالن، وجهت رسالة شديدة اللهجة إلـى حكومة االحـتـالل اإلسرائيلية، ردًا على املـــمـــارســـات الــعــدائــيــة لـــأخـــيـــرة، فـــي مـديـنـة رفــــح الــفــلــســطــيــنــيــة، والـــتـــي تــخــالــف بشكل صارخ معاهدة السالم املصرية اإلسرائيلية، املـوقـعـة فــي مــــــارس/آذار ،1979 كـمـا وجهت رسالة تهدئة للداخل املصري الغاضب من املـمـارسـات اإلسرائيلية وعــدم الــرد املصري عليها». واســتــدرك املـصـدر بقوله إنــه «على الرغم من ذلك، إال أن القاهرة ملزمة باملضي قـــدمـــا فـــي مــســألــة تــقــديــم طــلــب الـــتـــدخـــل في دعوى جنوب أفريقيا ملحكمة العدل الدولية، ألن عدم فعل ذلك، سيكون مقلقا». وبـــــــــرأي الــــبــــاحــــث فـــــي الــــعــــلــــوم الـــســـيـــاســـيـــة والـعـالقـات الـدولـيـة، عمار فـايـد، فإنه «ليس من الواضح حتى اآلن ما هو املقصود ببيان وزارة الخارجية املصرية، بشأن دعـم مصر
دعـــوى جـنـوب أفريقيا: فهل ستنضم مصر لـــلـــدعـــوى بـــــأن تـــرســـل فـــريـــقـــًا قـــانـــونـــيـــًا عـلـى غـرار جنوب أفريقيا، أم فقط ستدعم دعوى األخــيــرة؟». وقــال فايد فـي حديث لـ«العربي الـجـديـد»، إنــه «فــي كلتا الحالتن، أعتقد أن التحرك املصري هو للضغط على االحتالل مـــن أجــــل مـــزيـــد مـــن الــضــمــانــات بـخـصـوص عـمـلـيـة رفـــــح، ألنــــه مـــن الــــواضــــح أن (رئــيــس حكومة االحتالل بنيامن) نتنياهو قرر بدء العملية دون ضمانات كافية، بما في ذلك مع األميركين، ولذلك تبدو اإلدارة متخوفة من اتـجـاهـه لتوسيع العملية ومـــن ثــم تـواصـل الـتـحـذيـر مـــن تــداعــيــات ذلـــــك». ووفـــقـــًا لفايد فـإن «الخالصة أن إعـالن القاهرة دعـم مصر دعوى جنوب أفريقيا ليس استراتيجيًا، وال يعكس تغييرًا جوهريًا تـجـاه مـوقـف مصر مـــن الــقــضــايــا األســـاســـيـــة، ولـــذلـــك أكــــد وزيـــر الـخـارجـيـة (ســامــح شــكــري) فــي يـــوم صــدور بـيـان الـخـارجـيـة نفسه بـــأن اتـفـاقـيـة الـسـالم خيار مصر االستراتيجي». بــدوره، قال أستاذ علم االجتماع السياسي، ســـعـــيـــد صــــــــادق، لـــــ«الــــعــــربــــي الــــجــــديــــد»، إن «الدعوى القانونية قدمتها جنوب أفريقيا، ويـمـكـن ملـصـر أو أي دول أخــــرى أن تضيف مـــذكـــرات قــانــونــيــة أخــــرى لــلــدعــوى نفسها، وهـــــذا فــقــط هـــو مـــجـــال اإلضـــافـــة الـقـانـونـيـة التي يمكن أن تضيفها مصر». ولفت في هذا الشأن إلـى أنـه «مـن الناحية السياسية، فإن اإلعالن عن دعم مصر دعوى جنوب أفريقيا يـــعـــبـــر عـــــن غـــضـــب دبــــلــــومــــاســــي رمـــــــزي مـن تحركات إسرائيل في رفـح، وليس تصعيدًا دبلوماسيًا كبيرًا». املساعد السابق لـوزيـر الخارجية املصري، وعضو املجلس املصري للشؤون الخارجية، السفير رخا أحمد حسن، أرجع اعتزام مصر الـــتـــدخـــل لـــدعـــم دعـــــوى جـــنـــوب أفــريــقــيــا إلــى «تـــجـــاوز إســـرائـــيـــل كـــل الـــحـــدود فـــي حـربـهـا املـدمـرة على قطاع غــزة، وتحديها األغلبية الـعـظـمـى لــــدول الـــعـــالـــم». وقــــال أحــمــد حسن فـي حديث لـ«العربي الـجـديـد»، إن إسرائيل «أصبحت تهدد األمن واالستقرار في منطقة الـشـرق األوســــط، وتــجــاوزت اتفاقية السالم مـــع مــصــر، بـاحـتـاللـهـا مــحــور صـــالح الـديـن (فيالدلفيا)، وإغالق معبر رفح، ومنع تسليم املساعدات اإلنسانية لوكالة غوث وتشغيل الالجئن الفلسطينين (أونـــروا)، أو لـإدارة التابعة لحركة حـمـاس، وتـريـد فــرض إدارة غير فلسطينية على الجانب الفلسطيني من معبر رفـح، واالستمرار في ممارسة اإلبـادة الجماعية والتهجير القسري للفلسطينين، وعـــدم احـــتـــرام قـــــرارات األمـــم املــتــحــدة بوقف القتال أو إنفاذ املساعدات، وتجويع الشعب الفلسطيني». بــــــــدوره، رأى نـــائـــب رئـــيـــس املــــركــــز الــعــربــي
للدراسات السياسية واالستراتيجية، مختار الـغـبـاشـي، فــي حــديــث لـــ«الــعــربــي الــجــديــد»، أن «تـدخـل مصر فـي دعــوى جنوب أفريقيا، يعطي ثقال لهذه الدعوى باعتبار مصر أكبر دولـــة عربية لها عـالقـات مـع دولـــة االحـتـالل اإلسرائيلية، ورأت أن تل أبيب أخلت كثيرًا بهذه العالقات». قانونيًا، أكــد أسـتـاذ الـقـانـون الــدولــي الـعـام، محمد محمود مــهــران، أن «قـــرار دعــم مصر دعــــوى جــنــوب أفـريـقـيـا أمــــام محكمة الـعـدل الـــدولـــيـــة، يــعــكــس تــمــســك الـــقـــاهـــرة الـــراســـخ بـــثـــوابـــتـــهـــا تــــجــــاه الـــقـــضـــيـــة الــفــلــســطــيــنــيــة، وحرصها على توظيف كل األدوات القانونية والدبلوماسية لفضح مـمـارسـات االحـتـالل اإلســــرائــــيــــلــــي وجـــــرائـــــمـــــه املــــســــتــــمــــرة بــحــق الفلسطينين على كافة األصعدة». وأوضح
مـــهـــران، فــي حــديــث لـــ «الــعــربــي الــجــديــد»، أن «دعـــم مـصـر دعـــوى جـنـوب أفـريـقـيـا يضيف زخـــمـــًا كـــبـــيـــرًا لــــلــــدعــــوى، نـــظـــرًا لــثــقــل مـصـر السياسي والقانوني على املستوى اإلقليمي والــــدولــــي، ويــســهــم فـــي حــشــد تــأيــيــد أوســـع ملــطــالــب الــشــعــب الـفـلـسـطـيـنـي الـــعـــادلـــة، كما سيضع املــزيــد مــن الـضـغـوط عـلـى إسـرائـيـل لوقف انتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي والقانون الدولي اإلنساني». كما أشار إلى أن مصر «ستسخر خبرتها القانونية الطويلة في التعامل مع الصراع العربي اإلسرائيلي، وســـتـــقـــدم لـلـمـحـكـمـة أدلـــــة قـــويـــة وشـــهـــادات موثقة حول الجرائم التي ارتكبها االحتالل طوال عقود، بما فيها جرائم الحرب واإلبادة الجماعية والتطهير العرقي، وهو ما سيعزز املـــوقـــف الــقــانــونــي لـــلـــدعـــوى». وأكـــــد أســتــاذ القانون الدولي، في هذا السياق، أن «استناد مـــصـــر إلــــــى اتـــفـــاقـــيـــة مـــنـــع جـــريـــمـــة اإلبـــــــادة الجماعية في تدخلها سيسلط الضوء على فظاعة املـمـارسـات اإلسرائيلية، وطبيعتها املمنهجة والــواســعــة الــنــطــاق، والــتــي ترقى ملستوى الجرائم ضد اإلنسانية، ويستوجب مـــحـــاســـبـــة ومــــســــاء لــــة دولــــيــــة ملــرتــكــبــيــهــا». واســــتــــطــــرد الـــخـــبـــيـــر الــــــدولــــــي: «االنــــضــــمــــام املـصـري يمهد الطريق لتحرك دولـــي أوسـع ملـــســـانـــدة الـــــدعـــــوى، ويـــشـــجـــع دوال أخـــــرى، خصوصًا العربية واإلسـالمـيـة واألفريقية، على االنخراط في هذه املعركة القانونية، بما يصب في تقويض شرعية االحتالل، وتعزيز االعتراف بحقوق الفلسطينين». كــمــا شــــدد مـــهـــران عــلــى أن «نـــجـــاح الــدعــوى لــن يـكـون فقط انـتـصـارًا قانونيًا وسياسيًا للقضية الفلسطينية، وإنما أيضًا تتويجًا لنضال الشعب الفلسطيني وتضحياته على مـــدار عـقـود مــن أجــل نيل حريته وكـرامـتـه»، مــــؤكــــدًا أن «تــحــقــيــق الــــعــــدالــــة الــــدولــــيــــة هـو السبيل األمثل لتعزيز فرص تحقيق السالم العادل والشامل في املنطقة».