Al Araby Al Jadeed

شقيقة إسماعيل كاداريه المـغيبة

العالقة المتوتّرة التي سادت بين الروائي األلباني وأخته قدرية عادت إلى الواجهة بعد الكشف عن تقارير تعود إلى عام ،1978 تتضمن انتقاداتها الالذعة لرأس النظام الشمولي أنور خوجا ومثقفيه، بمن فيهم أخوها الذي اتهمها بالجنون وتبرأ منها عارضت ديكتاتور ألبانيا وتنبّ

- محمد م. األرناؤوط

لــــوحـــ­ـظ فـــي الــصــحــ­افــة األلــبــا­نــيــة، خال األيام التي سبقت إعان اسم الفائز بـ«جائزة نوبل لــأدب» في

َّّّ تشرين األول/ أكتوبر املاضي، أنه، وألول مرة، لــم يـــرد ضـمـن قــوائــم املــرشــح­ــني اســـم املــرشــح «املـــزمــ­ـن» إسـمـاعـيـ­ل كـــاداريـ­ــه، بـعـد أن تـوقـف عن الكتابة مؤخرًا. صحيح أن الجميع يشيد بموهبة كاداريه وتنوع أعماله التي تتناول تاريخ ألبانيا وتسقطه على الحاضر، إال أنه بقيت تـاحـقـه مكانته فــي الـنـظـام الشيوعي الــــذي حــكــم ألـبـانـيـ­ا بــني عــامــي 1944 1990و (كـــان نــائــب رئــيــس «الـجـبـهـة الـديـمـقـ­راطـيـة»؛ الـــواجــ­ـهـــة الـشـكـلـي­ـة لــلــحــز­ب الـــحـــا­كـــم)، وعـــدم تـــعـــرض­ـــه لــديــكــ­تــاتــوري­ــة الـــنـــظ­ـــام، فـــي الــوقــت الـذي كان غيره من الكتاب يتعرضون للنفي والسجن واملوت البطيء. ولــــكـــ­ـن األمــــــ­ر تــــجــــ­اوز الـــســـك­ـــوت ّّ عـــمـــاي­ـــحـــدث لآلخرين، وشمل اتهامه أخته املثقفة قدرية كاداريه 1935( - )2022 بالجنون وتبرئه منها، لكونها تجرأت وانتقدت النظام الشمولي في بادها، ولم تستثن من ذلك زعيم الحزب أنور خوجا وأخاها املجامل له إسماعيل كاداريه. وتـــــعــ­ـــود هــــــذه الــــقـــ­ـضــــيـــ­ـة/ الـــفـــض­ـــيـــحــ­ـة إلـــى سبعينيات القرن املاضي، حني شن النظام الــشــمــ­ولــي فـــي ألــبــانـ­ـيــا حـمـلـة تـصـفـيـة ضــد «االتجاهات الليبرالية في الثقافة»، شملت سقوط رؤوس كبيرة، مثل الكاتب املسرحي ووزيــــر الـثـقـافـ­ة األســبــق فــاضــل بـاتـشـرام­ـي 1922( - ،)2008 الذي اتهم في 1973 بتبني «مـــيـــول لــيــبــر­الــيــة»، وحـــكـــم عـلـيـه فـــي 1975 بالسجن عشرين سنة، ولـكـن كـاداريـه بقي فـــي مـوقـعـه بـفـضـل عـاقـتـه الـوثـيـقـ­ة بـــرأس النظام أنـور خوجا. وفـي هـذا السياق، كان كاداريه من الكتاب املوثوقني الذين يسمح لهم بالسفر خـارج الباد، ولكنه الحـظ في مطلع عام 1980 أن السلطات لم توافق على سـفـره إلــى بـاريـس للقاء املــخــرج الـــذي كان يشتغل على تحويل روايته «جنرال الجيش امليت» إلى فيلم سينمائي. ويبدو أنه ربط ذلــــك بــمــا كـــانـــت تـــقـــوم بـــه أخـــتـــه قـــدريـــ­ة من انتقاد شـرس للنظام، ولذلك رأى أن يكتب في نيسان/ إبريل 1980 رسالة ألنور خوجا يتبرأ فيها من أخته. وقد بقيت هذه الرسالة

ُُ املشينة فـي ملفات النظام السابق، إلــى أن كشفت ونشرت في الصحافة األلبانية عام ،2017 لتحدث صدمة كبيرة في الباد.ّ جاء في هذه الرسالة التي كتبها بخط يده عـن أخـتـه بعد أن ذكــر منعه مـن السفر إلى بـاريـس: «فــي السنة املاضية دعتني لجنة الحزب في تيرانا لكي يخبروني أن أختي تسيء الكام في السياسة، وقد استدعيت للتحقيق معها حول ذلك. لقد اتخذت فورًا مـوقـفـا ضــدهــا، وقــلــت لسكرتير الــحــزب ج. جـونـي إن مــن املـنـاسـب أن يـخـوفـوهـ­ا، كما سـأقـوم أنــا بـذلـك. أقـــول هــذا عـن اقتناع ألن تـصـرفـهـا أثـــارنــ­ـي، ألنــنــي أعــرفــهـ­ـا جــيــدًا، إذ إنها لم توفق بعدم الزواج وتعاني اإلحباط وال تسيطر على أعصابها، ولذلك يمكن أن يصدر عنها أي شيء... ومع أنها كذلك، فقد اتـــخـــذ­ت منها مـوقـفـا صــارمــا، وأخــبــرت كـل العائلة عما حدث ومنعتها منذ ذلك اليوم أن تطأ عتبة بيتي». ومع الصدمة التي أثارها نشر الرسالة، حاول كـاداريـه تبريرها بكونه أراد من اتـهـام أخته

بـــ«الــجــنــ­ون» أن يحميها مــن انـتـقـام الـنـظـام، إال أن شخصية قـدريـة كـاداريـه بقيت مغيبة بوصفها معارضة شرسة للنظام الشمولي الذي استسلم بعد تصاعد املعارضة في 1990 بإعانه القبول بالتعددية السياسية وخسر انــتــخــ­ابــات ،1992 وهــــي الــفــتــ­رة الـــتـــي عـــادت فيها قدرية كاداريه للعمل مـحـررة أدبية في الصحافة الديمقراطي­ة الجديدة. ولكن هـذا املوضوع عـاد بقوة إلـى الصحافة األلبانية، بعد أن نشرت جـريـدة «بـانـورامـ­ا» األكـثـر انـتـشـارًا فـي ألـبـانـيـ­ا، فـي الـثـالـث عشر من تشرين األول/ أكتوبر ،2023 تقريرًا سريا مـــن مــلــفــا­ت أجـــهـــز­ة األمــــن مـــن ســـت صفحات يعود تاريخه إلى العاشر من نيسان/ إبريل ،1978 يفصح للمرة األولى عن األفكار النقدية لـقـدريـة كــاداريــ­ه ضــد النظام الشمولي، التي كـانـت تجد مـن ينقلها إلــى الـجـهـات املعنية. وباملقارنة بصدمة ،2017 كانت الصدمة هذه املــــرة أكــبــر، ألنــهــا أفـصـحـت عــن جــــرأة قــدريــة كـاداريـه في نقدها لـرأس النظام أنـور خوجا وحتى ألخيها املمالئ له.

آراء حادة

ينطلق التقرير أوال من معلومة لها مغزاها، تقول إن قدرية تنتمي إلى عائلة «من صغار املوظفني» لم يكن لها موقف معارض من حكم امللك أحمد زوغـو في ألبانيا 1928( - ،)1939 وال مـــن االحـــتــ­ـال اإليـــطــ­ـالـــي لــلــبــا­د 1939( - ،)1943 بينما لم ينضم سوى خالها وخالتها إلــــى قــــــوات الـــحـــز­ب الــشــيــ­وعــي (الـــبـــا­رتـــيـــز­ان) الـتـي أوصـلـت الـحـزب إلــى السلطة فـي نهاية .1944 ويكشف التقرير أن أجهزة األمن كانت تـصـنـفـهـ­ا فــي الــبــداي­ــة «عـمـيـلـة سوفييتية»، فـــي الـــوقـــ­ت الـــــذي كـــانـــت هــــذه الــتــهــ­مــة تــــودي بــصــاحــ­بــهــا إلــــى أســـــوأ مــصــيــر بــحــكــم تــــردي العاقات بـني ألبانيا واالتـحـاد السوفييتي، بينما تحول تصنيفها في 1977 إلى متهمة بنشر «الدعاية املعادية» للحزب. وفــــي هــــذا الـــســـي­ـــاق، يــصــنــف الــتــقــ­ريــر قـــدريـــ­ة كـــاداريـ­ــه بـاعـتـبـا­رهـا مـثـقـفـة تـتـابـع مــا يكتب في الغرب من «أدب منحط»، وتذكر قراءتها لـــكـــتـ­ــاب ابـــنـــة ســـتـــال­ـــني عــــن والـــــده­ـــــا وتــصــفــ­ه

بـكـونـه «دكــتــاتـ­ـورًا وقـــاتـــ­ا»، فــي الــوقــت الــذي كـانـت ألبانيا الــدولــة الـوحـيـدة الـتـي تمجده وتحتفظ بتماثيله في كـل مدينة، كما كانت تــشــيــد بــمــكــا­نــة املـــــــ­رأة فــــي الـــبـــل­ـــدان الــغــربـ­ـيــة وتتحدث عن املوسيقى واألدب والفن هناك، بـيـنـمـا تــــرى أنــــه «ال يـــوجـــد فـــي ألــبــانـ­ـيــا أدب حـقـيـقـي، بـــل أدب كـــــاذب». وفـــي فــقــرة أخــــرى، ينقل الـتـقـريـ­ر كــامــا جـريـئـا لــقــدريـ­ـة كــاداريــ­ه يـمـس رأس ّالـنـظـام وكــذلــك أخــاهــا إسماعيل كـاداريـه: «إن دولتنا تصرف العملة الصعبة على ترجمة وطـبـع مـؤلـفـات الزعيم الرئيس (أنور خوجا) ومؤلفات أخي في الخارج. ومن يـهـتـم فــي الــعــالـ­ـم بـمـؤلـفـا­ت الـزعـيـم وروايــــا­ت أخي. لقد قلت: إن مؤلفات الزعيم ال تستحق أن يستخدم ورقها في التواليت».

نبوءتان مبّكرتان

مع إنفاق العملة الصعبة التي كانت شحيحة في الباد على ترجمة هذه املؤلفات ونشرها فـــي عـــــدة لـــغـــات، تـنـفـجـر قـــدريـــ­ة كــــاداري­ــــه في وصـف حالة الفاقة التي وصلت إليها حياة الـنـاس فـي ألـبـانـيـ­ا، حيث تـقـول: «لـقـد أفـقـرت حياتنا إلى حد أن أي إنسان لن يهتم إذا ما اعتقل ابنه، ألنه في السجن سيجد خبزًا يأكله ومكانا ينام فيه، وهـذا ما ال يتوفر لآلخرين خارج السجن». ومـــع ذلــــك، لــديــنــ­ا فـــي هـــذا الــتــقــ­ريــر نــبــوءتـ­ـان جريئتان تحققتا بعد سنوات، تتعلق األولى

معارضتها النظام الشمولي وضعتها في مواجهة مع شقيقها

تنبّأت ببقائه بعد تغير النظام ألنه «ماهر بما فيه الكفاية»

 ?? ?? من منزل إسماعيل كاداريه الذي تحول إلى متحف في مدينة جيروكاستر جنوب ألبانيا
من منزل إسماعيل كاداريه الذي تحول إلى متحف في مدينة جيروكاستر جنوب ألبانيا

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar