هل بدأ االنقالب اإلسرائيلي على بايدن؟
تصاعدت في األيــام املاضية تصريحات مـــســـؤولـــن إســـرائـــيـــلـــيـــن، خــصــوصــا من وزراء الصهيونية الـديـنـيـة و«عوتسما يــهــوديــت»، تحمل نـقـدًا واضــحــا ومعلنا لـــــلـــــواليـــــات املـــــتـــــحـــــدة وإدارة الـــرئـــيـــس جـــــوبـــــايـــــدن. وواكـــــبـــــت تـــلـــك االنــــتــــقــــادات تسريبات عن ضغوط تمارسها واشنطن على الحكومة اإلسرائيلية للتوصل إلى اتـــفـــاق مـــع املــقــاومــة الـفـلـسـطـيـنـيـة، وهــي ضغوط تضمنت تجميد شحنة أسلحة أميركية إلسرائيل، خالل الفترة املاضية، وتـــصـــريـــحـــات قـــويـــة مـــن أطــــــراف عـربـيـة توحي باحتمالية تعطل ملف التطبيع مع دولة االحتالل. لــــــــــم تـــــــــــــأت تـــــــصـــــــريـــــــحـــــــات املـــــــســـــــؤولـــــــن اإلسرائيلين من فراغ، إذًا، بل جاءت على وقع شعورهم بفتور في املوقف األميركي تجاه استمرار الحرب، وهو شعور يدفع إســرائــيــل إلـــى ضــغــٍط مـقـابـٍل عـلـى اإلدارة األميركية، وإطالة أمد الحرب ألطول فترة ممكنة، والتعويل على نجاح تـرامـب في االنـتـخـابـات األمـيـركـيـة املـقـبـلـة للتخلص من ضغط اإلدارة الحالية، بعد أن تحول من ضغط صوري طوال الشهور املاضية إلــى ضغط حقيقي، بــل، وربــمــا، رغـبـة في تهيئة الــظــروف فــي الــداخــل اإلسـرائـيـلـي، عبر اتفاق وقف إطالق نار، للتخلص من حكومة نتنياهو، التي لم تعد تتحملها إدارة بــايــدن، بعد أن أصبحت عبئا على املـــشـــروع الــصــهــيــونــي نــفــســه. لـــم تـتـوقـف االنــــتــــقــــادات إلدارة بـــايـــدن عــلــى أصــــوات أحـــــزاب الــيــمــن فـــي الـــداخـــل اإلســرائــيــلــي، فـانـتـقـلـت فـــي وقــــت مــتــزامــن إلــــى أصــــوات يــهــوديــة أمـيـركـيـة تــرفــع مــن نـبـرتـهـا ضـد إدارته، مستغلة اقتراب موعد االنتخابات. في هذا السياق، نشرت صحيفة معاريف 4( مايو/أيار الحالي) تقريرًا يحمل نقدًا الذعــــــا لــلــرئــيــس األمــــيــــركــــي، وهـــــو تــقــريــر مــنــقــول يـــعـــود إلــــى الــصــحــافــي الــيــهــودي األميركي، لي سميث، كان كتبه قبل يومن مـن نـشـره فـي الصحيفة اإلسرائيلية في مجلة تابلت، وهي مجلة يهودية أميركية مــعــروفــة بـمـيـولـهـا الــيــهــوديــة املــحــافــظــة، عــالوة على أن كثيرًا من املساهمن فيها يــعــتــبــرون مـــن مــــؤيــــدي الــرئــيــس الـسـابـق دونـــــالـــــد تـــــرامـــــب. وقـــــد عـــــرف ســمــيــث فـي السابق بدفاعه الشديد عن تـرامـب، وهو مــــؤلــــف كـــتـــاب «املــــــؤامــــــرة عـــلـــى الـــرئـــيـــس: القصة الحقيقية ألكبر فضيحة سياسية فـــي تـــاريـــخ الــــواليــــات املـــتـــحـــدة» ،)2019( ويـعـتـبـر أن نـظـريـة الــتــدخــل الـــروســـي في انـــتـــخـــابـــات الـــرئـــاســـة األمـــيـــركـــيـــة )2016( أكـــبـــر كـــذبـــة وظــفــتــهــا «الــــدولــــة الـعـمـيـقـة» األمـيـركـيـة ضـــد الـرئـيـس تـــرامـــب. الغريب هنا أن تنشر صحيفة معاريف، التي يعد رئــيــس تــحــريــرهــا بـــن كـسـبـيـت أحــــد أكـبـر منتقدي بنيامن نتنياهو، مقتطفات من املـــقـــال، وهــــي صـحـيـفـة واســـعـــة االنــتــشــار في إسرائيل، ما يوحي بأن هناك توجها يتشكل ضد بايدن ينسجم مع االنتقادات اإلســــرائــــيــــلــــيــــة املـــــوجـــــهـــــة ضـــــــد الــــقــــيــــادة األمـيـركـيـة، ويلقي بمسؤولية الفشل في تحقيق أهـــداف الـحـرب اإلسرائيلية على واشنطن، وليس على القيادتن السياسية والعسكرية في إسرائيل. يــــســــتــــهــــل ســــمــــيــــث تـــــقـــــريـــــره بــــالــــحــــديــــث عــــن اســـــتـــــعـــــدادات الـــجـــيـــش اإلســـرائـــيـــلـــي الجـــتـــيـــاح رفــــح «لــلــقــضــاء عــلــى الــكــتــائــب املتبقية لحركة حماس في غــزة، واعتبار أن حــكــومــة نـتـنـيـاهـو بـــهـــذا الـــتـــحـــرك، قد تــضــطــر إلــــى الــعــمــل ضــــد الــرغــبــة املـعـلـنـة لـــــإدارة األمــيــركــيــة، الــتــي لــم تــدخــر جهدًا طـــــوال األشـــهـــر الـــســـتـــة املـــاضـــيـــة مـــن أجــل
إنقاذ تنظيم حماس اإلرهابي». ويضيف ســمــيــث «إن مــــا يــفــعــلــه الـــبـــيـــت األبـــيـــض مـــن تــصــرفــات يـعـنـي أن بـــقـــاء حـــمـــاس له أهــمــيــة أكـــبـــر مـــن أمــــن إســـرائـــيـــل، الـشـريـك التقليدي لـلـواليـات املـتـحـدة، بـل أكبر من مصلحة واشنطن نفسها في الحفاظ على استقرار الشرق األوسط». يواصل سميث مـقـالـه عـلـى هـــذا املـــنـــوال، مــــــؤوال كـــل فعل أمـيـركـي بـطـريـقـة غـيـر منطقية إلـــى عـــداء إلسرائيل ودعم للمقاومة؛ فهي، أي اإلدارة
ٍّ األمـــيـــركـــيـــة، تــتــهــم إســـرائـــيـــل بــقــتــل عــمــال اإلغاثة عمدًا، وتضغط باستمرار من أجل زيـــادة املــســاعــدات، وتبني رصيفا إلمــداد الـقـطـاع بـاحـتـيـاجـاتـه، وليصبح الجنود األميركيون دروعـا بشرية ضد أي هجوم يمكن أن تشنه إسـرائـيـل على «حـمـاس»، إضافة إلـى تهديدات بمالحقة مسؤولن إسرائيلين قد تصدرها املحكمة الجنائية الدولية. يذهب سميث إلى أبعد من ذلك، حــن يــقــرر أن تنفيذ «حــمــاس» هجومها فــــي 7 أكــــتــــوبــــر )2023( كــــــان نـــيـــابـــة عـن إيــران وإدارة بايدن معا، فلدى كل منهما املصلحة فـي انـهـيـار الـوضـع املستقر في الــــشــــرق األوســــــــط، والـــــــذي يـــعـــود الــفــضــل لدونالد ترامب في استعادته، بعد أن قام باراك أوباما بتفكيكه. وإذا كانت سنوات بايدن شاهدة على محاولته القضاء على حـالـة االسـتـقـرار الـتـي أعــادهــا تـرامـب إلى الـــشـــرق األوســـــط، فــــإن تـخـريـبـه امـــتـــد إلــى تفكيك املجتمع األميركي نفسه، وثقافته. وعــلــى الــرغــم مــن الــتــوجــه املــحــافــظ ملجلة تـــابـــلـــت، فـــــــإن هـــــذا ال يـــعـــنـــي بـــالـــضـــرورة تـعـبـيـرهـا عـــن تــوجــهــات كــامــل الـيـهـوديـة املــحــافــظــة فـــي الــــواليــــات املـــتـــحـــدة بــشــأن االنــتــخــابــات الـــقـــادمـــة، لـكـنـهـا عــلــى األقــــل قـد تـكـون مـؤشـرًا على إعـــادة تفكير كثير مــــن الـــيـــهـــود املـــحـــافـــظـــن، وربــــمــــا غـيـرهـم مـــن الــيــهــود اإلصـــالحـــيـــن واألرثــــوذكــــس، فـــي مــوقــفــهــم مـــن الــتــصــويــت لـــبـــايـــدن في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، مدفوعن بـــــاالنـــــتـــــقـــــادات الـــــقـــــادمـــــة مـــــن وزراء فــي الحكومة اإلسرائيلية. وتنبع خطورة ذلك على إدارة بايدن من النسبة التي يمثلها اليهود املحافظون في الـواليـات املتحدة، والـتـي تصل إلــى %18 مـن الـيـهـود هناك، مـا يعني أن عـددهـم يتخطى املـلـيـون من إجمالي اليهود األميركين الـذي يتراوح بن 6 و7 مالين نسمة، وال يفوق نسبتهم، هـــــــذه، إال الـــيـــهـــود اإلصــــالحــــيــــون %36( مــن الـيـهـود األمــيــركــيــن). وقـــد يـكـون ذلـك دليال على أن األصل هو أال تكون أصوات الـــيـــهـــود األمـــيـــركـــيـــن كــتــلــة واحــــــــدة، وأن تــتــوزع بــن الـحـزبـن على أســـاس قضايا متعددة، على رأسها الوضع االقتصادي، بـــالـــتـــأكـــيـــد. ولـــــذلـــــك يــــــرى مــــديــــر ائـــتـــالف الـيـهـود الـجـمـهـوريـن، ســـام ماركستاين، أن االنتخابات القادمة سـوف تكون املـرة األولــى التي يفكر فيها كثير من اليهود، ممن لم يتخيلوا التصويت للجمهورين يوما، في إعــادة النظر في قـرارهـم بسبب فشل إدارة بايدن في هذه القضايا. هكذا يستغل اليهود األميركيون املوالون لـتـرامـب أو املــؤيــدون للتوجهات الفكرية واأليــديــولــوجــيــة للحكومة اإلسـرائـيـلـيـة، انــقــالب الحكومة اإلسرائيلية ضــد إدارة بايدن لتأليب الرأي العام األميركي املؤيد للجرائم الصهيونية عليه. وتجدر اإلشارة إلى أن غالبية اليهود األميركين اعتادت، مـــنـــذ انـــتـــخـــابـــات 1932 الــــتــــي فــــــاز فـيـهـا فــرانــكــلــن روزفــــلــــت، أن تـــصـــوت ملصلحة الديمقراطين، لكن هذا الوضع بدأ يتغير فـــي الــعــقــود األخـــيـــرة، بـحـسـب قـــول كبير مـــراســـلـــي شــبــكــة صــــوت أمـــيـــركـــا، ستيف هيرمان الـــذي يبرهن على ذلــك بحصول ترامب على ربع أصـوات اليهود أو ثلثها
احتمال خسارة شبه مؤكدة في أقرب استحقاق انتخابي، ونهاية التجربة السياسية لقادة إسرائيليين كثيرين، يدفع هؤالء إلى االنقالب على الرئيس بايدن وإدارته
في االنتخابات السابقة .2020 وهي نسبة قـد تـــزداد هــذه املـــرة، طبقا لتقديرات سام ماركستاين، نظرًا إلى اتخاذ الجمهورين مـواقـف أكثر شــدة فـي إدانـــة أي تصرفات معادية للسامية. وتـبـالـغ بعض وسـائـل اإلعـــالم اليهودية األميركية في النسبة التي يمثلها اليهود في االنتخابات املقبلة؛ إذ يذهب بعضها إلى أن عدد يهود الواليات املتحدة يبلغ 7.5 مليون نسمة، منهم 5.3 مليون لهم حق التصويت، وهذا يعني أنهم يمثلون حـــوالـــي %2.2 مـــن إجــمــالــي مـــن لــهــم حــق الــــتــــصــــويــــت. وهــــــي مـــبـــالـــغـــات تـــوظـــفـــهـــا جـــمـــاعـــات الـــضـــغـــط الـــيـــهـــوديـــة لـتـحـقـيـق مـــكـــاســـب كـــبـــرى ملــصــلــحــة إســــرائــــيــــل فـي الــخــارج، والـيـهـود فـي الــداخــل األمـيـركـي، وتــضــغــط مـــن خــاللــهــا عــلــى كــــل اإلدارات األميركية كلما اقترب موعد أي استحقاق انـتـخـابـي، مــع اســتــعــداد تـــام لتجاهل ما قدمه أي رئيس من دعـم إلسرائيل مهما بــلــغ. غــيــر أن مـــا يــــمــــارس مـــن ابـــتـــزاز من جــمــاعــات الــضــغــط الـــيـــهـــوديـــة، والــقــيــادة اإلســـرائـــيـــلـــيـــة، عــلــى اإلدارات األمــيــركــيــة املــتــتــابــعــة، ال يـنـسـجـم وحــقــيــقــة انــقــســام أصــــــــــوات الــــيــــهــــود بـــــن الـــديـــمـــقـــراطـــيـــن والــجــمــهــوريــن، وإن مــالــت إلـــى مصلحة
ُّ الفريق األول. وهـنـا، ال بــد أن تـوضـع في الحسبان مسألتان. أوالهما أن التحديد الــــدقــــيــــق ألعـــــــــــداد الــــيــــهــــود األمـــيـــركـــيـــن والنسبة التي يمثلونها في االنتخابات يحتاجان، أوال، أن يعرف من هو اليهودي، ومـــن الــــذي يـمـكـن احـتـسـابـه يــهــوديــا. أمـا املــســألــة األخـــــرى فـتـرتـبـط بـــاإلحـــصـــاء ات الـــتـــي تــــوضــــح أن الـــيـــهـــود األرثـــــوذكـــــس، الــذيــن يمثلون %10 مــن يــهــود الــواليــات املتحدة، ويـــزدادون مع الوقت، هم األكثر تأييدًا إلسـرائـيـل ودعـمـا لـهـا، وأن هـؤالء عــــــادة مــــا تـــصـــوت أغــلــبــيــتــهــم %75( فـي االنتخابات األخيرة، %57و في انتخابات )2013 لصالح الجمهورين. مع مالحظة تراجع دعم اليهود األميركين، املصنفن بالتأييد الشديد إلسرائيل، إلدارة بايدن كلما اقترب موعد االنتخابات. أما غالبية الــــيــــهــــود املـــحـــافـــظـــن ،)%70( وغــالــبــيــة اإلصالحين )%80( فاملعتاد أن تصوتا للديمقراطين، بحسب ما كشفت دراسـة تعود إلـى العام ،2021 نشرها مركز بيو األميركي لألبحاث، لكن الـالفـت فـي هذه الـــدراســـة، هــو تــزايــد املــيــل إلـــى الـيـهـوديـة األرثـــوذكـــســـيـــة كـلـمـا اتـجـهـنـا إلـــى أجــيــال الشباب األصغر سنا، والعكس تماما عند اليهودية اإلصالحية واملحافظة.