Al Araby Al Jadeed

هل بدأ االنقالب اإلسرائيلي على بايدن؟

- أحمد الجندي

تصاعدت في األيــام املاضية تصريحات مـــســـؤو­لـــن إســـرائــ­ـيـــلـــي­ـــن، خــصــوصــ­ا من وزراء الصهيونية الـديـنـيـ­ة و«عوتسما يــهــوديـ­ـت»، تحمل نـقـدًا واضــحــا ومعلنا لـــــلـــ­ــواليــــ­ـات املـــــتـ­ــــحـــــ­دة وإدارة الـــرئـــ­يـــس جـــــوبــ­ـــايـــــ­دن. وواكـــــب­ـــــت تـــلـــك االنــــتـ­ـــقــــاد­ات تسريبات عن ضغوط تمارسها واشنطن على الحكومة اإلسرائيلي­ة للتوصل إلى اتـــفـــا­ق مـــع املــقــاو­مــة الـفـلـسـط­ـيـنـيـة، وهــي ضغوط تضمنت تجميد شحنة أسلحة أميركية إلسرائيل، خالل الفترة املاضية، وتـــصـــر­يـــحـــات قـــويـــة مـــن أطــــــرا­ف عـربـيـة توحي باحتمالية تعطل ملف التطبيع مع دولة االحتالل. لـــــــــ­ـم تـــــــــ­ــــأت تـــــــصـ­ــــــريــ­ـــــحــــ­ـــات املـــــــ­ســـــــؤو­لـــــــن اإلسرائيلي­ن من فراغ، إذًا، بل جاءت على وقع شعورهم بفتور في املوقف األميركي تجاه استمرار الحرب، وهو شعور يدفع إســرائــي­ــل إلـــى ضــغــٍط مـقـابـٍل عـلـى اإلدارة األميركية، وإطالة أمد الحرب ألطول فترة ممكنة، والتعويل على نجاح تـرامـب في االنـتـخـا­بـات األمـيـركـ­يـة املـقـبـلـ­ة للتخلص من ضغط اإلدارة الحالية، بعد أن تحول من ضغط صوري طوال الشهور املاضية إلــى ضغط حقيقي، بــل، وربــمــا، رغـبـة في تهيئة الــظــروف فــي الــداخــل اإلسـرائـي­ـلـي، عبر اتفاق وقف إطالق نار، للتخلص من حكومة نتنياهو، التي لم تعد تتحملها إدارة بــايــدن، بعد أن أصبحت عبئا على املـــشـــ­روع الــصــهــ­يــونــي نــفــســه. لـــم تـتـوقـف االنــــتـ­ـــقــــاد­ات إلدارة بـــايـــد­ن عــلــى أصــــوات أحـــــزاب الــيــمــ­ن فـــي الـــداخــ­ـل اإلســرائـ­ـيــلــي، فـانـتـقـل­ـت فـــي وقــــت مــتــزامـ­ـن إلــــى أصــــوات يــهــوديـ­ـة أمـيـركـيـ­ة تــرفــع مــن نـبـرتـهـا ضـد إدارته، مستغلة اقتراب موعد االنتخابات. في هذا السياق، نشرت صحيفة معاريف 4( مايو/أيار الحالي) تقريرًا يحمل نقدًا الذعــــــ­ا لــلــرئــ­يــس األمــــيـ­ـــركــــي، وهـــــو تــقــريــ­ر مــنــقــو­ل يـــعـــود إلــــى الــصــحــ­افــي الــيــهــ­ودي األميركي، لي سميث، كان كتبه قبل يومن مـن نـشـره فـي الصحيفة اإلسرائيلي­ة في مجلة تابلت، وهي مجلة يهودية أميركية مــعــروفـ­ـة بـمـيـولـه­ـا الــيــهــ­وديــة املــحــاف­ــظــة، عــالوة على أن كثيرًا من املساهمن فيها يــعــتــب­ــرون مـــن مــــؤيـــ­ـدي الــرئــيـ­ـس الـسـابـق دونـــــال­ـــــد تـــــرامـ­ــــب. وقـــــد عـــــرف ســمــيــث فـي السابق بدفاعه الشديد عن تـرامـب، وهو مــــؤلـــ­ـف كـــتـــاب «املــــــؤ­امــــــرة عـــلـــى الـــرئـــ­يـــس: القصة الحقيقية ألكبر فضيحة سياسية فـــي تـــاريـــ­خ الــــوالي­ــــات املـــتـــ­حـــدة» ،)2019( ويـعـتـبـر أن نـظـريـة الــتــدخـ­ـل الـــروســ­ـي في انـــتـــخ­ـــابـــات الـــرئـــ­اســـة األمـــيــ­ـركـــيـــ­ة )2016( أكـــبـــر كـــذبـــة وظــفــتــ­هــا «الــــدولـ­ـــة الـعـمـيـق­ـة» األمـيـركـ­يـة ضـــد الـرئـيـس تـــرامـــ­ب. الغريب هنا أن تنشر صحيفة معاريف، التي يعد رئــيــس تــحــريــ­رهــا بـــن كـسـبـيـت أحــــد أكـبـر منتقدي بنيامن نتنياهو، مقتطفات من املـــقـــ­ال، وهــــي صـحـيـفـة واســـعـــ­ة االنــتــش­ــار في إسرائيل، ما يوحي بأن هناك توجها يتشكل ضد بايدن ينسجم مع االنتقادات اإلســــرا­ئــــيــــ­لــــيــــ­ة املـــــوج­ـــــهــــ­ـة ضـــــــد الــــقـــ­ـيــــادة األمـيـركـ­يـة، ويلقي بمسؤولية الفشل في تحقيق أهـــداف الـحـرب اإلسرائيلي­ة على واشنطن، وليس على القيادتن السياسية والعسكرية في إسرائيل. يــــســــ­تــــهــــ­ل ســــمــــ­يــــث تـــــقـــ­ــريـــــر­ه بــــالـــ­ـحــــديــ­ــث عــــن اســـــتــ­ـــعـــــد­ادات الـــجـــي­ـــش اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـي الجـــتـــ­يـــاح رفــــح «لــلــقــض­ــاء عــلــى الــكــتــ­ائــب املتبقية لحركة حماس في غــزة، واعتبار أن حــكــومــ­ة نـتـنـيـاه­ـو بـــهـــذا الـــتـــح­ـــرك، قد تــضــطــر إلــــى الــعــمــ­ل ضــــد الــرغــبـ­ـة املـعـلـنـ­ة لـــــإدار­ة األمــيــر­كــيــة، الــتــي لــم تــدخــر جهدًا طـــــوال األشـــهــ­ـر الـــســـت­ـــة املـــاضــ­ـيـــة مـــن أجــل

إنقاذ تنظيم حماس اإلرهابي». ويضيف ســمــيــث «إن مــــا يــفــعــل­ــه الـــبـــي­ـــت األبـــيــ­ـض مـــن تــصــرفــ­ات يـعـنـي أن بـــقـــاء حـــمـــاس له أهــمــيــ­ة أكـــبـــر مـــن أمــــن إســـرائــ­ـيـــل، الـشـريـك التقليدي لـلـواليـا­ت املـتـحـدة، بـل أكبر من مصلحة واشنطن نفسها في الحفاظ على استقرار الشرق األوسط». يواصل سميث مـقـالـه عـلـى هـــذا املـــنـــ­وال، مــــــؤوا­ل كـــل فعل أمـيـركـي بـطـريـقـة غـيـر منطقية إلـــى عـــداء إلسرائيل ودعم للمقاومة؛ فهي، أي اإلدارة

ٍّ األمـــيــ­ـركـــيـــ­ة، تــتــهــم إســـرائــ­ـيـــل بــقــتــل عــمــال اإلغاثة عمدًا، وتضغط باستمرار من أجل زيـــادة املــســاع­ــدات، وتبني رصيفا إلمــداد الـقـطـاع بـاحـتـيـا­جـاتـه، وليصبح الجنود األميركيون دروعـا بشرية ضد أي هجوم يمكن أن تشنه إسـرائـيـل على «حـمـاس»، إضافة إلـى تهديدات بمالحقة مسؤولن إسرائيلين قد تصدرها املحكمة الجنائية الدولية. يذهب سميث إلى أبعد من ذلك، حــن يــقــرر أن تنفيذ «حــمــاس» هجومها فــــي 7 أكــــتـــ­ـوبــــر )2023( كــــــان نـــيـــاب­ـــة عـن إيــران وإدارة بايدن معا، فلدى كل منهما املصلحة فـي انـهـيـار الـوضـع املستقر في الــــشـــ­ـرق األوســـــ­ـــط، والـــــــ­ذي يـــعـــود الــفــضــ­ل لدونالد ترامب في استعادته، بعد أن قام باراك أوباما بتفكيكه. وإذا كانت سنوات بايدن شاهدة على محاولته القضاء على حـالـة االسـتـقـر­ار الـتـي أعــادهــا تـرامـب إلى الـــشـــر­ق األوســـــ­ط، فــــإن تـخـريـبـه امـــتـــد إلــى تفكيك املجتمع األميركي نفسه، وثقافته. وعــلــى الــرغــم مــن الــتــوجـ­ـه املــحــاف­ــظ ملجلة تـــابـــل­ـــت، فـــــــإن هـــــذا ال يـــعـــنـ­ــي بـــالـــض­ـــرورة تـعـبـيـره­ـا عـــن تــوجــهــ­ات كــامــل الـيـهـودي­ـة املــحــاف­ــظــة فـــي الــــوالي­ــــات املـــتـــ­حـــدة بــشــأن االنــتــخ­ــابــات الـــقـــا­دمـــة، لـكـنـهـا عــلــى األقــــل قـد تـكـون مـؤشـرًا على إعـــادة تفكير كثير مــــن الـــيـــه­ـــود املـــحـــ­افـــظـــن، وربــــمــ­ــا غـيـرهـم مـــن الــيــهــ­ود اإلصـــالح­ـــيـــن واألرثــــ­وذكــــس، فـــي مــوقــفــ­هــم مـــن الــتــصــ­ويــت لـــبـــاي­ـــدن في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، مدفوعن بـــــاالن­ـــــتــــ­ـقـــــادا­ت الـــــقــ­ـــادمــــ­ـة مـــــن وزراء فــي الحكومة اإلسرائيلي­ة. وتنبع خطورة ذلك على إدارة بايدن من النسبة التي يمثلها اليهود املحافظون في الـواليـات املتحدة، والـتـي تصل إلــى %18 مـن الـيـهـود هناك، مـا يعني أن عـددهـم يتخطى املـلـيـون من إجمالي اليهود األميركين الـذي يتراوح بن 6 و7 مالين نسمة، وال يفوق نسبتهم، هـــــــذه، إال الـــيـــه­ـــود اإلصــــال­حــــيــــ­ون %36( مــن الـيـهـود األمــيــر­كــيــن). وقـــد يـكـون ذلـك دليال على أن األصل هو أال تكون أصوات الـــيـــه­ـــود األمـــيــ­ـركـــيـــ­ن كــتــلــة واحـــــــ­ـدة، وأن تــتــوزع بــن الـحـزبـن على أســـاس قضايا متعددة، على رأسها الوضع االقتصادي، بـــالـــت­ـــأكـــيـ­ــد. ولـــــذلـ­ــــك يــــــرى مــــديـــ­ـر ائـــتـــا­لف الـيـهـود الـجـمـهـو­ريـن، ســـام ماركستاين، أن االنتخابات القادمة سـوف تكون املـرة األولــى التي يفكر فيها كثير من اليهود، ممن لم يتخيلوا التصويت للجمهورين يوما، في إعــادة النظر في قـرارهـم بسبب فشل إدارة بايدن في هذه القضايا. هكذا يستغل اليهود األميركيون املوالون لـتـرامـب أو املــؤيــد­ون للتوجهات الفكرية واأليــديـ­ـولــوجــي­ــة للحكومة اإلسـرائـي­ـلـيـة، انــقــالب الحكومة اإلسرائيلي­ة ضــد إدارة بايدن لتأليب الرأي العام األميركي املؤيد للجرائم الصهيونية عليه. وتجدر اإلشارة إلى أن غالبية اليهود األميركين اعتادت، مـــنـــذ انـــتـــخ­ـــابـــات 1932 الــــتـــ­ـي فــــــاز فـيـهـا فــرانــكـ­ـلــن روزفــــلـ­ـــت، أن تـــصـــوت ملصلحة الديمقراطي­ن، لكن هذا الوضع بدأ يتغير فـــي الــعــقــ­ود األخـــيــ­ـرة، بـحـسـب قـــول كبير مـــراســـ­لـــي شــبــكــة صــــوت أمـــيـــر­كـــا، ستيف هيرمان الـــذي يبرهن على ذلــك بحصول ترامب على ربع أصـوات اليهود أو ثلثها

احتمال خسارة شبه مؤكدة في أقرب استحقاق انتخابي، ونهاية التجربة السياسية لقادة إسرائيليين كثيرين، يدفع هؤالء إلى االنقالب على الرئيس بايدن وإدارته

في االنتخابات السابقة .2020 وهي نسبة قـد تـــزداد هــذه املـــرة، طبقا لتقديرات سام ماركستاين، نظرًا إلى اتخاذ الجمهورين مـواقـف أكثر شــدة فـي إدانـــة أي تصرفات معادية للسامية. وتـبـالـغ بعض وسـائـل اإلعـــالم اليهودية األميركية في النسبة التي يمثلها اليهود في االنتخابات املقبلة؛ إذ يذهب بعضها إلى أن عدد يهود الواليات املتحدة يبلغ 7.5 مليون نسمة، منهم 5.3 مليون لهم حق التصويت، وهذا يعني أنهم يمثلون حـــوالـــ­ي %2.2 مـــن إجــمــالـ­ـي مـــن لــهــم حــق الــــتـــ­ـصــــويــ­ــت. وهــــــي مـــبـــال­ـــغـــات تـــوظـــف­ـــهـــا جـــمـــاع­ـــات الـــضـــغ­ـــط الـــيـــه­ـــوديـــة لـتـحـقـيـ­ق مـــكـــاس­ـــب كـــبـــرى ملــصــلــ­حــة إســــرائـ­ـــيــــل فـي الــخــارج، والـيـهـود فـي الــداخــل األمـيـركـ­ي، وتــضــغــ­ط مـــن خــاللــهـ­ـا عــلــى كــــل اإلدارات األميركية كلما اقترب موعد أي استحقاق انـتـخـابـ­ي، مــع اســتــعــ­داد تـــام لتجاهل ما قدمه أي رئيس من دعـم إلسرائيل مهما بــلــغ. غــيــر أن مـــا يــــمــــ­ارس مـــن ابـــتـــز­از من جــمــاعــ­ات الــضــغــ­ط الـــيـــه­ـــوديـــة، والــقــيـ­ـادة اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــة، عــلــى اإلدارات األمــيــر­كــيــة املــتــتـ­ـابــعــة، ال يـنـسـجـم وحــقــيــ­قــة انــقــســ­ام أصــــــــ­ــوات الــــيـــ­ـهــــود بـــــن الـــديـــ­مـــقـــرا­طـــيـــن والــجــمـ­ـهــوريــن، وإن مــالــت إلـــى مصلحة

ُّ الفريق األول. وهـنـا، ال بــد أن تـوضـع في الحسبان مسألتان. أوالهما أن التحديد الــــدقــ­ــيــــق ألعـــــــ­ــــداد الــــيـــ­ـهــــود األمـــيــ­ـركـــيـــ­ن والنسبة التي يمثلونها في االنتخابات يحتاجان، أوال، أن يعرف من هو اليهودي، ومـــن الــــذي يـمـكـن احـتـسـابـ­ه يــهــوديـ­ـا. أمـا املــســأل­ــة األخـــــر­ى فـتـرتـبـط بـــاإلحــ­ـصـــاء ات الـــتـــي تــــوضـــ­ـح أن الـــيـــه­ـــود األرثـــــ­وذكـــــس، الــذيــن يمثلون %10 مــن يــهــود الــواليــ­ات املتحدة، ويـــزدادو­ن مع الوقت، هم األكثر تأييدًا إلسـرائـيـ­ل ودعـمـا لـهـا، وأن هـؤالء عــــــادة مــــا تـــصـــوت أغــلــبــ­يــتــهــم %75( فـي االنتخابات األخيرة، %57و في انتخابات )2013 لصالح الجمهورين. مع مالحظة تراجع دعم اليهود األميركين، املصنفن بالتأييد الشديد إلسرائيل، إلدارة بايدن كلما اقترب موعد االنتخابات. أما غالبية الــــيـــ­ـهــــود املـــحـــ­افـــظـــن ،)%70( وغــالــبـ­ـيــة اإلصالحين )%80( فاملعتاد أن تصوتا للديمقراطي­ن، بحسب ما كشفت دراسـة تعود إلـى العام ،2021 نشرها مركز بيو األميركي لألبحاث، لكن الـالفـت فـي هذه الـــدراسـ­ــة، هــو تــزايــد املــيــل إلـــى الـيـهـودي­ـة األرثـــوذ­كـــســـيـ­ــة كـلـمـا اتـجـهـنـا إلـــى أجــيــال الشباب األصغر سنا، والعكس تماما عند اليهودية اإلصالحية واملحافظة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar