استمالة العشائر شرق سورية
تنافس بين «قسد» وإيران والنظام السوري على استرضائها الستخدامها ورقة ضغط وتفاوض
تسعى كل األطراف إلى استمالة العشائر العربية شرق سورية التي تتموضع في الجانب األغنى بالثروات في البالد. وتعمل «قسد» على استرضاء هذه العشائر خصوصًا في ريف دير الزور، حيث تدور اشتباكات معها، في حين تحاول إيران والنظام استخدام العشائر ضد «قسد»، ما يعكس إدراك األطراف ألهمية دور هذا المكون
سمحت قـــوات سـوريـا الديمقراطية (قــســد)، الخميس املــاضــي لعائالت تـــنـــحـــدر مـــــن مـــحـــافـــظـــة ديــــــر الــــــزور بمغادرة مخيم الهول الذي يضم أسر مقاتلني مــن تنظيم داعــــش، تنفيذًا التــفــاق جـــرى قبل أيام بني هذه القوات التي تدير املخيم وشيوخ ووجـــــهـــــاء مــــن ريـــــف ديـــــر الـــــــــزور، فــــي خــطــوة وضعها البعض فـي سياق رغبة «قـسـد» في استمالة العشائر العربية شـرق سورية. ولم تغب القبائل والـعـشـائـر العربية عــن واجهة املشهد السوري منذ العام ،2011 حيث لم توفر أطــــراف الـــصـــراع جــهــدًا السـتـمـالـة هـــذا املـكـون الـذي يتموضع في الجانب األغنى بالثروات في الـبـالد، وهـي املنطقة الشرقية والشمالية الـشـرقـيـة، والــتــي بــاتــت الــيــوم مــيــدان تنافس عنوانه الرئيسي استغالل ورقــة العشائر، ال سيما في محافظتي الرقة ودير الزور. وأشار املرصد السوري لحقوق اإلنسان، في بـيـان الخميس املــاضــي، إلــى «أن 69 عائلة، تضم 254 فردًا، غادرت مخيم الهول إلى ريف ديـر الــزور، بكفالة شيوخ ووجهاء العشائر فــــي املـــنـــطـــقـــة، وبـــتـــنـــســـيـــق اإلدارة الـــذاتـــيـــة (الذراع اإلدارية لقسد) مع األطراف الفاعلة». وبـــني أن هــذه املــغــادرة الجماعية للعائالت الـــســـوريـــة الــتــي أمــضــت ســـنـــوات فـــي املـخـيـم هـي األولـــى مـن نوعها خــالل الـعـام الحالي، وجــاءت تماشيًا مع االتفاقيات التي وقعت بني «اإلدارة الذاتية» والقوى العسكرية مع شيوخ ووجهاء دير الزور أخيرًا. وأشار إلى أن إدارة مخيم الهول أبلغت 50 عائلة تنحدر من دير الـزور لالستعداد ملغادرته إلى ريف دير الزور الشرقي، في 18 مايو/ أيار الحالي. وتـــأتـــي هــــذه الـــخـــطـــوة فـــي ســـيـــاق مـــحـــاوالت «قسد»، املدعومة من التحالف الدولي بقيادة الـواليـات املتحدة، استمالة العشائر العربية فـي ريــف ديــر الـــزور املـضـطـرب، والـــذي يشهد اشتباكات بني هذه القوات ومقاتلني من هذه العشائر. وكان قائد «قسد» مظلوم عبدي عقد، أخـــيـــرًا، سلسلة لـــقـــاءات مـــع شــيــوخ ووجــهــاء عـــشـــائـــر فــــي ريــــــف ديــــــر الــــــــــزور، أقــــــر خــاللــهــا بــارتــكــاب قــواتــه «أخـــطـــاء»، واعــــدًا بـ«تحسني الواقع الخدمي واألمني واإلداري في املنطقة»، وإعــادة النظر في قضايا املعتقلني الذين «لم تتلطخ أيديهم بدماء أهالي املنطقة». وتفرض «قسد» سيطرة مطلقة على الجانب األكبر من محافظة الــرقــة وريـــف ديـــر الــــزور شــمــال نهر الفرات، وكامل محافظة الحسكة، وريف حلب الشمال الشرقي بما فيه منطقة منبج غربي نهر الفرات. وكل هذه املناطق لها طابع قبلي وعشائري عربي. ومنذ أواخــر العام املاضي، تواجه هذه القوات، التي تعد وحــدات حماية الــشــعــب الـــكـــرديـــة ثـقـلـهـا الــرئــيــســي، مـقـاتـلـني من العشائر العربية بريف ديـر الــزور بسبب تــجــاوزات هــذه الـقـوات بحق السكان والـواقـع املـعـيـشـي املـــتـــردي فـــي بــلــداتــه وقـــــراه، رغـــم أن هذا الريف غني بالثروة النفطية. وفي مقابل تـــحـــركـــات «قــــســــد» تـــبـــرز مــــحــــاوالت مـــن قبل النظام الــســوري واإليــرانــيــني السـتـخـدام هذه العشائر كــــ«رأس حـربـة» لقتال قــوات سوريا
محاوالت من النظام وإيران الستخدام العشائر ضد «قسد»
قحطان الشرقي: العشـائر قـادرة على خلط األوراق
الديمقراطية والتحالف الـدولـي الــذي يرصد هـــذه املـــحـــاوالت عــن كـثـب، وفـــق وزارة الـدفـاع األمــيــركــيــة. وقــــال املـتـحـدث بــاســم البنتاغون بـات رايـــدر، في مؤتمر صحافي يـوم الجمعة املاضي، إن ذلك «ليس سلوكا جديدًا إليران»، مـــشـــيـــرًا إلـــــى أن «الـــطـــريـــقـــة الـــتـــي تـــديـــر فيها إيـــران أعمالها تقوم على تدريب املجموعات الوكيلة والتأثير عليها، في إطــار سياستها الخارجية الهادفة لطرد الواليات املتحدة من الشرق األوسط». وجاء ت تصريحات املسؤول األميركي بعد أنباء عن إنشاء الجانب اإليراني والــنــظــام الـــســـوري مليشيا جـــديـــدة، قـوامـهـا عـنـاصـر مــن الـعـشـائـر الـعـربـيـة شـــرق سـوريـة وتحديدًا في ريف الرقة الشرقي، تحت مسمى «سرايا البو شعبان»، انضوت ضمن تنظيم «قــــوات الـقـبـائـل والــعــشــائــر» الـتـابـعـة للنظام الـــســـوري واإليـــرانـــيـــن، لتنفيذ عـمـلـيـات ضد «قسد» في مناطق شمال شرقي سورية. ويسيطر النظام واإليرانيون على جانب من ريف الرقة الشرقي جنوب نهر الفرات، وعلى الـجـانـب األكــبــر مــن بـاديـتـهـا. ولـطـاملـا حــاول النظام وإيران استغالل ورقة العشائر ال سيما فــي مـحـافـظـات الــرقــة وديـــر الــــزور والحسكة ملناكفة «قسد» والتحالف الدولي، فيما بات يعرف اصطالحا بـ«شرقي الفرات»، من خالل دعم مجموعات ومليشيات من أبناء العشائر هناك. واستمال النظام إبراهيم الهفل، شيخ قبيلة الـعـكـيـدات الـــذي يـقـود مجموعات من قبيلته تشتبك مـع عناصر «قـسـد» فـي ريف ديــر الـــزور الشرقي شمال نهر الــفــرات. وكـان الهفل أعـلـن، فـي 10 نوفمبر/تشرين الثاني املــــاضــــي، تــشــكــيــل قــــيــــادة عــســكــريــة مـــوحـــدة أللــويــة وفـصـائـل عسكرية ملـواجـهـة «قــســد»، تحت اســم «قـــوات العشائر العربية» مكونة من 11 فصيال عسكريا في دير الـزور، بهدف تنفيذ عمليات «كــر وفـــر» نوعية ضـد قـوات سوريا الديمقراطية. وقال الكاتب قحطان الشرقي، املهتم بشؤون العشائر الــســوريــة، فــي حـديـث مــع «العربي الــجــديــد»، إن «نــظــرة على الــواقــع السياسي الـــــســـــوري تـــكـــشـــف أن كــــل األطـــــــــــراف، ســــواء النظام أم قسد أم هيئة تحرير الشام (جبهة الـنـصـرة سـابـقـا) أم املــعــارضــة، تسعى نحو اســتــثــمــار الــعــشــائــر الــعــربــيــة شــــرق ســوريــة كورقة سياسية تفاوضية، سواء مع األطراف املـحـلـيـة أو اإلقـلـيـمـيـة أو الـــدولـــيـــة». واعـتـبـر أن هــذه الــورقــة لها وزن حقيقي، على األقـل فــــي الـــجـــانـــب االجـــتـــمـــاعـــي، ولـــكـــن الــعــشــائــر فـــي ســـوريـــة غــيــر مــنــظــمــة وغـــيـــر منضبطة سياسيا. وأشــار الشرقي إلـى أنـه «رغــم ذلك فــإن هــذه العشائر قـــادرة على خلط األوراق وفرض نفسها العبا مهما، وهو ما حدث في منطقة منبج قبل سنوات، عندما أجبرت هذه العشائر قسد على التراجع عن تجاوزاتها»، موضحا أن «العشائر ورقـة حقيقية ويمكن أن تؤثر على مـوازيـن الـقـوى السياسية في الــــبــــالد». وأعــــــرب الــشــرقــي عـــن اعـــتـــقـــاده أنــه مـــن دون الــعــشــائــر «لــــن يـتـحـقـق االســتــقــرار فــي ســـوريـــة»، مـوضـحـا أن «دورهـــــا سيكون محوريا في أي حلول سياسية محتملة». من جهته، رأى مدير الدراسات في مركز «أبعاد» محمد سالم، في حديث مع «العربي الجديد»، أن «بنية العشائر نفسها ليست متماسكة وواحـــدة، لـذا فجميع األطــراف تنجح نسبيا فــي اسـتـمـالـة جـــزء مــن الـعـشـيـرة»، موضحا: نـــجـــد ادعـــــــــاء ات املــشــيــخــة لــنــفــس الــعــشــيــرة مـــــوجـــــودة لـــــدى الـــكـــثـــيـــر مــــن الــشــخــصــيــات، وهــذا يعطي فرصة كبيرة ملختلف األطــراف لالستثمار في هـذا املـوضـوع. وأعــرب سالم عــن اعـتـقـاده بـــأن الــطــرف «األكــثــر قـــدرة على االســـتـــثـــمـــار فــــي الـــعـــشـــائـــر الـــعـــربـــيـــة شـــرق سورية هو القادر على إعطاء مكاسب مادية ومعنوية لألطراف األكثر قـوة فيها». ولفت إلــى أنــه غـالـبـا، التحالف الــدولــي هـو الـقـادر على إعطاء هذه املكاسب، ولكن هذا ال يعني أنه استطاع ضمان والء العشيرة، ألنه دائما ما يكون هناك آخــرون لديهم إشكاليات مع التحالف و«قــســد»، لذلك يجد هــؤالء فرصة في تلقي الدعم من األطراف األخرى، ال سيما إيران ونظام بشار األسد.