بريطانيا: تعريف جديد لـ«التطرف»
أصدرت الحكومة البريطانية تعريفًا جديدًا لـ«التطرف»، يتعلق باأليديولوجيا التي تهدد الحريات ونظام الحكم، فيما يراه منتقدون أنه يستهدف المجتمعات المسلمة
نـــــشـــــرت الــــحــــكــــومــــة الــــبــــريــــطــــانــــيــــة، أمــــس الـــخـــمـــيـــس، تــعــريــفــا رســـمـــيـــا أكـــثـــر صـــرامـــة لـ«التطرف»، ستمنع بموجبه املجموعات الــــتــــي تـــحـــمـــل هــــــذا الـــتـــصـــنـــيـــف مـــــن تــلــقــي الـــتـــمـــويـــل أو أي شـــكـــل آخــــــر مـــــن أشـــكـــال التعامل الحكومي. وبينما لم يجر تعريف أي جـمـاعـة رسـمـيــا عـلـى أنــهــا «مـتـطـرفـة»، بموجب التعريف السابق املعمول به منذ عـــام ،2011 ووســــط عـــدم وضــــوح الـجـهـات الـتـي سيطاولها التعريف الـجـديـد، تشير تـصـريـحـات املـسـؤولـن فــي الـحـكـومـة التي يقودها املحافظون -إلــى جانب تحذيرات املـــنـــتـــقـــديـــن، فـــضـــال عــــن الـــتـــوقـــيـــت، والـــــذي قالت الحكومة إنه «رد على تصاعد جرائم الـــكـــراهـــيـــة» مــنــذ هـــجـــوم حـــركـــة «حـــمـــاس» على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين األول املاضي- إلى أن اإلجــراءات ستقوض حرية التعبير، وسط تحذيرات من أنها ستطاول املجتمعات املسلمة. وكانت لندن تعرف التطرف بأنه «معارضة صريحة أو فعلية لقيمنا األساسية»، بما فــي ذلــك «الـديـمـقـراطـيـة، وســيــادة الـقـانـون، والـــحـــريـــة الــــفــــرديــــة، واالحـــــتـــــرام املـــتـــبـــادل، والتسامح مع األديان واملعتقدات املختلفة». ليصبح التطرف بحسب التعريف الجديد: «الترويج أليديولوجيا قائمة على العنف أو الكراهية أو عـدم التسامح، أو نشرها». ويــــمــــكــــن اعـــــتـــــبـــــار مــــجــــمــــوعــــات أو أفــــــــراد متطرفن إذا استخدموا هذه األيديولوجيا «إلبــــطــــال أو تـــدمـــيـــر الـــحـــقـــوق والـــحـــريـــات األساسية لآلخرين، أو لتقويض أو قلب أو استبدال نظام اململكة املتحدة القائم على الديمقراطية البرملانية الليبرالية والحقوق الــديــمــقــراطــيــة». وسـيـعـتـبـر مـتـطـرفـا أيـضـا مـن «يـوجـد عمدًا بيئة متساهلة لآلخرين لــتــحــقــيــق» الـــهـــدفـــن األولــــــــن (اســـتـــهـــداف الـــــحـــــريـــــات ونـــــظـــــام الـــــحـــــكـــــم). وأوضــــحــــت الحكومة، في بيان أمس، أن هذا «التعريف الــجــديــد أضــيــق وأكــثــر دقــــة» مــن التعريف السابق، وينطبق على األنشطة الحكومية مـن دون «أي تأثير على قـانـون العقوبات الحالي». وأضافت أنه يؤمن «سقفا عاليا ال يغطي سوى األنشطة األكثر إثارة للقلق»، مـــؤكـــدة أن «األمــــــر ال يـتـعـلـق بـــإســـكـــات من لديهم معتقدات خاصة وسلمية». وفي السياق اعتبر جوناثان هول كي سي، املراجع املستقل للحكومة حـول تشريعات تهديد الدولة، والذي أعرب عن قلقه العميق مــن التعريف الـجـديـد، وفــق «ذا غــارديــان» البريطانية أمــس، أن التعريف «يركز على األفكار، على األيديولوجيا، وليس العمل»، مضيفا أنـه من حق الناس أن يسألوا: «ما دخل الحكومة بما يفكر فيه الناس؟ إال إذا كانت تريد أن تفعل شيئا حيال ذلك». ولــم تـقـدم الحكومة أمثلة على الجماعات املــتــطــرفــة، لــكــن وزيــــر املــجــتــمــعــات املحلية مايكل غـــوف، والـــذي أصـــدرت اإلدارة التي يـرأسـهـا هـــذا الـتـعـريـف الــجــديــد، أشـــار إلـى التهديد مـن اليمن املـتـطـرف و«املتطرفن اإلســــالمــــيــــن الـــــذيـــــن يـــســـعـــون إلــــــى فــصــل املسلمن عن بقية املجتمع، وخلق االنقسام داخل الجاليات املسلمة». وأعلن غوف، أول مــن أمـــس األربـــعـــاء، أن «االنــتــشــار الـشـامـل لـــأليـــديـــولـــوجـــيـــات املــتــطــرفــة يــتــضــح أكــثــر فأكثر بعد هجمات 7 أكتوبر، ويشكل خطرًا حقيقيا على أمن مواطنينا وديمقراطيتنا». وأضـــاف أن التعريف الجديد سيضمن أن الـحـكـومـة «ال تــوفــر عـــن غـيـر قـصـد منصة للذين يسعون إلــى تقويض الديمقراطية وحرمان اآلخرين من الحقوق األساسية»، الفتا إلـى أن «هــذه هي الخطوة األولــى في سـلـسـلـة مـــن اإلجـــــــراءات ملــواجــهــة الـتـطـرف
وحــمــايــة ديـمـقـراطـيـتـنـا». مــن جـهـة أخـــرى، قــــال غــــوف إن الــتــعــريــف الـــجـــديـــد ال يـجـرم أي شــخــص، و«ال يـشـكـل قــيــدًا عــلــى حـريـة التعبير»، وال يهدف إلى وقف االحتجاجات. لكنه فــي مقابلة مــع صحيفة «ذا صاندي تـــلـــيـــغـــراف» الـــبـــريـــطـــانـــيـــة، األحــــــد املـــاضـــي، اعتبر أن بعض املـسـيـرات الكبيرة املـؤيـدة للفلسطينين في اآلونة األخيرة، في وسط لندن، نظمتها «منظمات متطرفة»، مضيفا أن املــواطــنــن قــد يــخــتــارون عـــدم دعـــم مثل هذه االحتجاجات إذا علموا أنهم يمنحون اعترافا بتلك الجماعات. وتحظر بريطانيا بـالـفـعـل جـمـاعـات تــقــول إنــهــا مـتـورطـة في اإلرهـــــــــاب، ويــــعــــد دعـــــم هـــــذه املـــنـــظـــمـــات أو االنــضــمــام إلـيـهـا جـريـمـة جـنـائـيـة. وحـركـة «حـــــــمـــــــاس» مــــــن بــــــن 80 مـــنـــظـــمـــة دولــــيــــة مــــحــــظــــورة. وقــــــد اطـــلـــعـــت «ذا غـــــارديـــــان» وصـــحـــف بــريــطــانــيــة أخـــــرى عــلــى مــســودة التعريف، والذي سمى عددًا من املجموعات املسلمة الــبــارزة، مـن بينها منظمة «مند»
غوف: مسيرات مؤيدة للفلسطينيين بلندن نظمتها منظمات متطرفة
)MEND( املــعــنــيــة بـــاملـــشـــاركـــة والــتــنــمــيــة للمسلمن في بريطانيا، و«كايج» ،)Cage( و«أصدقاء األقصى»، و«الرابطة اإلسالمية فـي بريطانيا» ،)MAB( باعتبارها «قـوى مثيرة لالنقسام داخل املجتمعات املسلمة». من جهته، قال قاري عاصم، رئيس املجلس االســـتـــشـــاري لــلــمــســاجــد واألئــــمــــة، إن هــذا التعريف املقترح قد ال يطبق بشكل متسق، مضيفا لـ«بي بي سي»، أمس، أنه: «إذا ترك األمر للناس أن يطبقوا أي تعريف للتطرف، ويــطــلــقــوا عــلــى أي شــخــص اســــم مـتـطـرف حسب هــواهــم، فــإن ذلــك سيخلق انقساما كبيرًا فــي مجتمعنا». وتستعد املنظمات اإلسالمية، بما في ذلك «املجلس اإلسالمي في بريطانيا»، إلحالة الحكومة إلى املراجعة الـقـضـائـيـة بــشــأن تعريفها الــجــديــد. يـذكـر أن بريطانيا شـهـدت مسيرات احتجاجية على الـعـدوان اإلسرائيلي على قطاع غزة، اعتقل خاللها عشرات املتظاهرين، بسبب هـــتـــافـــات والفـــــتـــــات «مــــعــــاديــــة لــلــســامــيــة»، و«الــتــرويــج ملنظمة مــحــظــورة»، واالعــتــداء عـلـى عـنـاصـر فــي أجــهــزة الـــطـــوارئ. ووفـقـا ملنظمة «كوميونيتي سيكيوريتي تراست» اليهودية، في تقرير حديث لها، فقد ارتكب أكــثــر مـــن 4 آالف عــمــل مــعــاد لـلـسـامـيـة في اململكة املتحدة في عـام ،2023 ثلثاها وقع بعد هجوم 7 أكتوبر. باملقابل فإن جمعية «تـــــــال مـــــامـــــا» ســـجـــلـــت فـــــي تـــقـــريـــر الــشــهــر املـــاضـــي، نــحــو ألـــفـــي عــمــل مــعــاد لــإلســالم، منذ 7 أكـتـوبـر، تشمل تـهـديـدات وهجمات وخطاب كراهية وأعمال تخريب. لـــكـــن مــنــتــقــديــن حــــــــذروا مــــن أن الــتــعــريــف الجديد قد يـؤدي إلـى نتائج عكسية حتى قبل اإلعالن عنه. وقال جاسنت ولبي رئيس أســاقــفــة كــانــتــربــري، لـــراديـــو هـيـئـة اإلذاعــــة البريطانية (بي بي سي): «قد يحرمنا ذلك بطريق الخطأ مما نتمتع به على نحو كبير للغاية فـي هــذا البلد، وهــو حرية التعبير الــــواســــعــــة جـــــدًا والـــــقـــــدرة عـــلـــى املـــعـــارضـــة بــقــوة». وكـــان ويلبي ونائبه كبير أساقفة يـــورك ستيفن كـوتـريـل، قـد أشـــارا فـي بيان مشترك، الثالثاء املاضي، إلـى أن التعريف الجديد «قد يستهدف بشكل غير متناسب املجتمعات املسلمة التي تعاني أصــال من مــســتــويــات مـــتـــزايـــدة مـــن الــكــراهــيــة وســـوء املـــعـــامـــلـــة». ويـــأتـــي اإلعــــــالن عـــن الــتــعــريــف الـــجـــديـــد، بــعــد أســبــوعــن مـــن إلـــقـــاء رئـيـس الوزراء، ريشي سوناك، خطابا متلفزًا خارج مقر الحكومة، للتنديد بـ«الزيادة الصادمة في االضـطـراب املتطرف واإلجــــرام»، والـذي ربطه بالحرب في غـزة. وأضــاف حينها أن «املـتـطـرفـن اإلســالمــيــن والـيـمـن املتطرف يــــعــــززون ويــشــجــعــون بـعـضـهـم الــبــعــض»، و«هم وجهان لعملة متطرفة واحدة».