Al Araby Al Jadeed

رمضان هذا العام... هل حقًا سيمر؟

- مصطفى عبد السالم

في كل عام، أكتب عن شهر رمضان وأصف الجديد منه بأنه األصعب على األسر العربية، فاألسواق تشهد قفزات متواصلة في األسعار تفوق بكثير قدرة املواطن ودخله، والحكومات تترك املستهلك نهبا للجشع واالحتكار والتضخم وتآكل العملة، بل وتباغت املواطن بقرارات صادمة قبل حلول الشهر، مثل زيادة أسعار السلع والخدمات والرسوم وتعويم العملة. لكن ما يحدث في رمضان هذا العام يفوق كثيرا ما حدث في سنوات سابقة، فاملستهلك بات يكلم نفسه داخل الغرف املغلقة، بسبب قفزات األسعار التي ال تتوقف، وفي مقدمتها السلع الحياتية، وباتت األسعار فوق قدرة حتى األسر املتوسطة التي تدحرج معظمها من فئة املستورين إلى الفئات الفقيرة التي ال يسترها سوى البيوت التي يقيمون بها. فما بالنا باألطفال اليتامى واملشردين واألسر الفقيرة واألرامل واملطلقات وأصحاب األمراض املزمنة والعاجزين عن العمل، وما بالنا باملنتمني إلى طبقة الفقر املدقع الذين يجدون صعوبة في الحصول على وجبة واحدة في اليوم، في ظل تراجع العمل الخيري؟ واملحزن في األمر أن األب واألم أو رب األسرة أصبح عاجزا أمام أوالده وذويه، ال يستطيع تلبية حتى أدنى متطلبات الحياة، ولو رغيف خبز حاف. يزداد األمر سوءا عندما تكون األسرة عفيفة ترفض اللجوء إلى موائد رمضان لسد جوعها، أو للجمعيات الخيرية للحصول على مساعدات. ال أتحدث هنا عن أهالي غزة الذين يواجهون حملة جوع ممنهجة تقودها دولة االحتالل مع حكومات عربية وأجنبية، بل أتحدث عن أهالينا في مصر واليمن والسودان وسورية وتونس والجزائر واألردن والعراق وغيرها من الدول التي تشهد معدالت قياسية في األسعار. أتحدث كذلك عن الطبقات الفقيرة في بعض دول الخليج، والتي قد تفوق عددا ونسبة تلك األرقام املوجودة في دول عربية بائسة. يحدث ذلك الوضع املعيشي البائس داخل معظم الدول العربية وسط بالدة في املشاعر وردود الفعل من السلطات الحاكمة تصل إلى حد تجاهل األزمة ومعايرة املواطن بالفقر والعوز، أو ترمي كرة الغالء على عوامل خارجية منها حربا أوكرانيا وغزة وجائحة كورونا، وقد يصل األمر إلى حد تواطؤ الحكومات عبر ترك السوق نهبا للتجار الجشعني واملحتكرين وتجار الحروب والساعني للحصول على أرباح سريعة. في املقابل، نجد أن تلك السلطات تعيش في رغد من العيش، وال تتوقف عن إهدار املال العام وتعمد بعثرته وبناء القصور وشراء الطائرات وغيرها من أوجه اإلسراف. وكأنها تعيش في دول بالغة الثراء. نعم مرت على الفقراء والجوعى كل أشهر رمضان السابقة، فهل حقًا سيمر رمضان هذا الشهر بأقل الخسائر؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar