Al Araby Al Jadeed

استقرار هش في تشاد أزمات سياسية وأمنية تسبق االنتخابات الرئاسية

دخلت تشاد مرحلة مضطربة قبل أقل من شهرين من االنتخابات الرئاسية، إثر مقتل المعارض البارز يايا ديلو، الذي كان األكثر قدرة على مواجهة محمد إدريس ديبي في رئاسيات 6 مايو المقبل، ليعود الشك في مصير العملية السياسية ومستقبلها

- نواكشوط ـ سكينة الطيب

قبل أقل من شهرين من تنظيم أول انـتـخـابـ­ات رئـاسـيـة تنهي الفترة االنتقالية في تشاد، في 6 مايو/ أيــــار املــقــبـ­ـل، عـــاد الــشــك فــي مـصـيـر العملية السياسية ومستقبلها فــي الـبـلـد املحاصر باألزمات االقتصادية وبـدول تعاني حروبًا ونــزاعــا­ت، ليهز يقني تشاديني فـي استقرار بــــادهــ­ــم وحـــــــر­ص مــخــتــل­ــف األطــــــ­ــــراف عـلـى استكمال مراحل الفترة االنتقالية وإنهائها بتنظيم انتخابات يشارك فيها الجميع. وكـــانـــ­ت تـــشـــاد قـــد اجــــتـــ­ـازت مــرحــلــ­ة صعبة وحـسـاسـة مــن تـاريـخـهـ­ا الـحـديـث إثـــر مقتل رئيسها السابق إدريس ديبي في 20 إبريل/ نــيــســا­ن ،2021 فـــي هـــجـــوم نـــفـــذه مــتــمــر­دون مسلحون، شمالي الــبــاد. ونـصـب الجيش، بـــالـــت­ـــوافـــق مـــع الــســيــ­اســيــني، نــجــل الــرئــيـ­ـس املـغـتـال محمد إدريـــس ديـبـي رئيسًا للفترة االنتقالية في 20 إبريل ،2021 قبل أن يصبح رئيسًا انتقاليًا في 10 أكتوبر/ تشرين األول .2022 مع العلم أنه كان من املقرر أن تنتهي الفترة االنتقالية خال 18 شهرًا، بعد إبريل ،2021 غير أنها مـــددت ثــاث سـنـوات، حتى مايو املقبل. غير أن ديبي االبـن، املدعوم من الجيش، نظم حوارًا وطنيًا بني 20 أغسطس/ آب 2022 و8 أكتوبر/ تشرين األول من العام عـــيـــنـ­ــه، قـــاطـــع­ـــه طـــيـــف واســــــع مــــن املـــعـــ­ارضـــة واملـــجــ­ـتـــمـــع املــــــد­نــــــي، رغــــــم مــــشــــ­اركــــة بــعــض أطـــرافــ­ـهـــا. وشــمــلــ­ت خــريــطــ­ة طـــريـــق املــرحــل­ــة االنتقالية التي تم التوافق عليها بني املجتمع يومها توسيع تشكيلة املجلس التشريعي (يــضــم 188 عــضــوًا)، وتخصيص 45 مقعدًا فيه للحركات املسلحة التي وقعت «اتفاقية الــــدوحـ­ـــة لــلــســا­م فـــي تـــشـــاد» فـــي أغـسـطـس ،2022 مـع إبـقـاء ديبي االبــن رئيسًا لعامني. وكانت «اتفاقية الدوحة للسام في تشاد»، التي وقع عليها املجلس العسكري االنتقالي وأطراف من املعارضة، قد مهدت لبدء انعقاد حوار وطني شامل، بهدف تحقيق مصالحة وطنية بني الفصائل املعارضة والحكومة. رفـضـت غالبية أحـــزاب املـعـارضـ­ة مخرجات الـحـوار ودعــت إلــى مقاطعة االستفتاء على الدستور الجديد الـذي أجــري في ديسمبر/ كانون األول املاضي. وأجيز الدستور بتأييد 86 فــي املــائــة مــن الـنـاخـبـ­ني، فــي حــني رفضه 14 فـي املـائـة، وبلغت نسبة املشاركة 63.75 فـــي املـــائــ­ـة. وواصـــلــ­ـت حــكــومــ­ة ديــبــي تنفيذ خـريـطـة الـطـريـق وفـــق مــا يناسبها، وكلفت لجنة بصياغة دستور جديد من دون العودة إلـــى الـفـاعـلـ­ني الـسـيـاسـ­يـني مــن قــــادة أحـــزاب ونـقـابـات وحــركــات، عكس مـا تـم اتـفـق عليه في الحوار الوطني. وعــــــــ­ــــارض الــــــجـ­ـــــزء األكــــــ­بــــــر مــــــن املــــعــ­ــارضــــة ومنظمات للمجتمع املدني، من بينها ائتاف «واكــــيــ­ــت تـــامـــا» وحـــركـــ­ة «فــــاكـــ­ـت» املـــتـــ­مـــردة املـــتـــ­هـــمـــة بـــاغـــت­ـــيـــال إدريــــــ­ــس ديــــبـــ­ـي، تــمــديــ­د الـفـتـرة االنـتـقـا­لـيـة، واعـتـبـرت أن الـهـدف منه هو االستياء على الحكم و«توريث الحكم» لعائلة ديبي. كما عبر االتحاد األوروبي عن قلقه من تمديد الفترة االنتقالية وفتح املجال أمام إمكانية ترشح ديبي االبن للرئاسة. وخــرجــت تـظـاهـرات حــاشــدة فــي العاصمة نجامينا في 20 أكتوبر ،2022 وهـو اليوم الـــــذي صـــــادف انـــتـــه­ـــاء املـــرحــ­ـلـــة االنــتــق­ــالــيــة بعد مرور 18 شهرًا عليها، قبل أن تمددها مخرجات الحوار الوطني، فاندلعت يومها اشتباكات عنيفة بـني املتظاهرين ورجــال الــشــرطـ­ـة أســـفـــر­ت مـــن مــقــتــل أكـــثـــر مـــن 100 شـخـص واعــتــقـ­ـال نـحـو ألـــف مـتـظـاهـر قبل الــعــفــ­و عـنـهـم الحـــقـــًا، لــكــن الـــعـــش­ـــرات منهم تعرضوا للتعذيب أو فقدوا، وفقًا ملنظمات غير حكومية. ووصـفـت أحــداث 20 أكتوبر 2022 بــ«الـخـمـيـس األســـــو­د»، ومـنـعـت منذ ذلــك الـحـني الـتـظـاهـ­رات املناهضة للسلطة وفـر العديد من زعماء املعارضة من تشاد بعد مطاردتهم. وكان االتحاد األوروبي، بتشجيع من فرنسا، مــــن الـــداعــ­ـمـــني لـــتـــول­ـــي ديـــبـــي االبــــــ­ن الـحـكـم بعد مقتل والــــده. وهــو مـا اعـتـبـره كثيرون تناقضًا في موقف االتحاد األوروبــي الذي هـاجـم االنـقـابـ­ات العسكرية الـتـي تزامنت مـــــع تــــولـــ­ـي ديــــبـــ­ـي االبــــــ­ــن الــــحـــ­ـكــــم، وعـــاقـــ­ب العسكريني االنقابيني في مالي وبوركينا فــاســو وغـيـنـيـا، بينما سـانـد الـخـافـة غير الـدسـتـور­يـة ملحمد ديـبـي فــي تــشــاد. وعلى الرغم من الدعم األوروبي والفرنسي لديبي االبــن، غير أن تمديد الفترة الخافية شكل خافًا بني تشاد وأملانيا، ما دفـع نجامينا إلــى طــرد السفير األملــانـ­ـي غــــوردون كريكه، في إبريل ،2023 بداعي «تدخله املفرط في شؤون إدارة البلد... وتصريحاته التي تنزع

إلــى تقسيم الـتـشـادي­ـني». ولــم تـواجـه تشاد انتقادات قوية من «املجموعة االقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس)، ولم تفرض عـلـيـهـا عــقــوبــ­ات اقــتــصــ­اديــة كـمــا حـــدث في مـــالـــي والـــنـــ­يـــجـــر وبـــوركــ­ـيـــنـــا فــــاســـ­ـو، الــتــي حصلت فيها انقابات عسكرية. الخافات فـــي صــلــب الــعــائـ­ـلــة الــحــاكـ­ـمــة الحـــقـــًا، ارتــفــع منسوب التوتر في صلب العائلة الحاكمة، مـــع مــقــتــل املــــعــ­ــارض يـــايـــا ديـــلـــو (ابـــــن عمة ديبي االبن)، في 28 فبراير/ شباط املاضي، على يد الشرطة، وهو ما أثـار املخاوف من تــوتــر األوضـــــ­اع فـــي الـــبـــا­د. وكـــانـــ­ت ظـهـرت أولـــــى بــــــواد­ر الـــخـــا­فـــات بـــني أفــــــرا­د األســــرة الــحــاكـ­ـمــة بــعــد مـقـتـل ديـــبـــي األب حــــول من يــتــولــ­ى رئـــاســـ­ة الـــبـــا­د، تــحــديــ­دًا بـــني ابنيه زكريا ومحمد، إذ مالت الكفة لصالح األخير واختاره العسكريون وأجنحة داخـل قبيلة الزغاوة الحاكمة في تشاد رئيسًا للمجلس العسكري. الحقًا، ظهرت خافات بني ديبي االبــن وابــن عمته املـعـارض يايا ديلو الذي فر إلى خارج الباد قبل أن يعود عقب مقتل ديبي األب. في السياق، قال الباحث املوريتاني الخبير فــي شـــؤون الـسـاحـل محمد فـــال ولـــد الشيخ إن االنتخابات املقبلة قـد تنهي أيضًا حكم عائلة ديبي إذا نجحت املعارضة في اختيار مرشح قوي ينافس الرئيس االنتقالي محمد إدريــــس ديــبــي، رغـــم ارتــكــاب­ــه أخــطــاء فـادحـة قبل موعد االنتخابات. وأضاف ولد الشيخ، فـــي حـــديـــث لـــ «الــعــربـ­ـي الـــجـــد­يـــد»، أنـــه «أمـــام املعارضة فرصة سانحة للتخلص من الحكم العسكري ومن عائلة ديبي في حال نجحت فــي استغالها وتـقـديـم بـديـل ملحمد ديبي، الـــــذي يـــبـــدو أنــــه أضـــعـــف بـكـثـيـر مـــن والـــــده، فـضـا عــن طـــرح رؤى حقيقية لـحـل مشاكل تــشــاد الــتــي تـــواجـــ­ه مـجـمـوعـة مـــن الـعـقـبـا­ت األساسية منذ مقتل رئيسها السابق». ورأى أن الحكومة االنتقالية لم تأخذ برأي مختلف األطراف السياسية، خصوصًا املعارضة، في التعديات الدستورية، ما أظهر أن الحكومة لم تول أي اهتمام للخافات التي برزت أثناء جـلـسـات الـــحـــو­ار الــوطــنـ­ـي، لــذلــك، فـقـد كانت جلسات الحوار مجرد جلسات بروتوكولية، خرجت بتعديات وتغييرات غير جوهرية وكــانــت فــي أغلبها مـحـاكـاة لـتـجـارب الـــدول املــــــج­ــــــاورة. واعـــتـــ­بـــر ولـــــد الـــشـــي­ـــخ أن إعــــان الـــرئـــ­يـــس االنـــتــ­ـقـــالـــ­ي تـــرشـــح­ـــه لــانــتــ­خــابــات الرئاسية بعد ثاثة أيام من مقتل املعارض يايا ديلو يؤكد حالة التخبط التي يعيشها الـــنـــظ­ـــام، والــقــلـ­ـق مـــن مـصـيـر مــشــابــ­ه ملصير ديبي األب، بالتالي فإن حظوظ نجاح ديبي االبن في املنافسة العائلية، التي كان يشكلها املعارض ديلو، أصبح الشغل الشاغل للنظام الـحـاكـم. وكــانــت املـعـارضـ­ة قــد طالبت بفتح تحقيق فــي وفـــاة املــعــار­ض يـايـا ديـلـو الــذي كان سينافس ديبي في االنتخابات املقبلة، واتهمت الجيش بـ «االغتيال» الذي هدف إلى إطاحة ديلو من السباق الرئاسي. كــمــا دعــــت مــنــظــم­ــات حـــقـــوق اإلنــــسـ­ـــان، من بينها «هيومن رايتس ووتش»، إلى إجراء «تـحـقـيـق دولـــــي» فـــي وفــــاة ديـــلـــو، وهـــو ما استجابت له الحكومة التي أعلنت عن فتح تحقيق دولي في الحادث الذي أدى إلى مقتل ديـلـو وأربــعــة جـنـود مــن الـفـرقـة العسكرية الـــتـــي كـــانـــت تــحــاصــ­ر مــقــر حــــزب ديـــلـــو في الـعـاصـمـ­ة نـجـامـيـن­ـا. وكــانــت الـحـكـومـ­ة قد اتهمت ديلو بالتخطيط لـ «محاولة اغتيال» رئـــيـــس املــحــكـ­ـمــة الــعــلــ­يــا ســمــيــر آدم الــنــور والهجوم على مكتب جهاز املـخـابـر­ات، ما دفــــع الـــشـــر­طـــة إلــــى مـــحـــاص­ـــرة مــقــر الــحــزب «االشـــتــ­ـراكـــي» املـــعـــ­ارض الـــذي ينتمي إليه ديــلــو، واالسـتـعـ­انـة بـتـعـزيـز­ات مــن الجيش بعد رفـضـه تسليم نفسه. وإذا كــان إعــان محمد إدريـــس ديبي ترشحه لانتخابات الرئاسية بعد ثاثة أيام من مقتل ديلو قد خلف حالة من التوتر والخوف من تنظيم االنتخابات في مناخ يتسم بالعنف وقمع املــعــار­ضــة، فــإنــه فــي املــقــاب­ــل تـــرك حــالــة من االرتـــيـ­ــاح لـــدى املعسكر املـسـانـد لـــه. وحــول ذلك، اعتبر الباحث التشادي إبراهيم بياج أن «الــــوضــ­ــع الـــســـي­ـــاســـي فــــي تـــشـــاد مـعـقـد ومـلـيء بالتوترات، والـبـاد تـواجـه العديد مـــن الـــتـــح­ـــديـــات، ومــنــهــ­ا ضــعــف االقــتــص­ــاد وارتفاع معدل الفقر وانتشار اإلرهـاب... ما تحتاجه تشاد اآلن هو االستقرار والبناء واختيار من يستطيع تجاوز هذه املرحلة الصعبة مــن دون خـسـائـر كــبــيــر­ة». وأشـــار بــــيــــ­اج فــــي حــــديـــ­ـث لـــــ «الــــعـــ­ـربــــي الـــجـــد­يـــد» إلـــى أن الـرئـيـس االنـتـقـا­لـي الـحـالـي محمد إدريس ديبي، الذي سيخوض االنتخابات الـرئـاسـي­ـة املــقــرر­ة فــي 6 مـايـو املـقـبـل تحت راية التحالف من أجل تشاد موحدة، الحزب الذي أسسه الرئيس الراحل إدريـس ديبي، هو األوفر حظًا للفوز باالنتخابا­ت بسبب إرث والـــده والـداعـمـ­ني ملشروعه، وأيـضـًا ملا حققه خــال الـفـتـرة االنتقالية بالعفو عن املـعـارضـ­ني واملـشـارك­ـة فـي جلسات الحوار الـــوطـــ­نـــي. وأضــــــا­ف بـــيـــاج أنــــه عــلــى الــرغــم من صعوبة املهمة، فـإن الرئيس االنتقالي

ارتفع منسوب التوتر في العائلة الحاكمة مع مقتل يايا ديلو

باحث: االنتخابات المقبلة قد تنهي حكم عائلة ديبي

 ?? (فرانس برس) ?? ديبي االبن يعلن ترشحه للرئاسيات، 2 مارس الحالي
(فرانس برس) ديبي االبن يعلن ترشحه للرئاسيات، 2 مارس الحالي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar