الممانعة تستعجل االنتصار دعمًا لالستبداد
لـــبـــنـــان وحــــــزب الـــلـــه أصـــبـــحـــا واحـــــــــدًا. يـضـع شــروطــا عـلـى املجتمع الــدولــي هــي شـروطـه. أصــــحــــاب الـــلـــهـــجـــة «الــــهــــادئــــة» يـــقـــولـــون إنـــه «انتصر سياسيا»: وفود غربية تتفاوض معه حصرًا، «بصورة غير مباشرة». وال طرف آخر يسأل. كان عشية حرب غزة مشغوال بحماية ســـاحـــه. واآلن، بــعــد هـجـمـاتـه املــتــبــادلــة مع إسرائيل، بـات هـذا الساح مفروغا من أمـره. والثمن «باهظ»، كما يتابعون: حوالي املئتي شهيد ودمــار القرى الجنوبية. ومـن «حظه» أن الـــدول نفسها، اإلمبريالية االستعمارية، الـواقـفـة مـع الـعـدو، هـي التي تحميه مـن دفع ثمن أغلى لحماية هذا الساح. وليس هناك أفضل مـن هــذا الـوقـت. قــارن مع حــــرب تـــمـــوز/ يــولــيــو :2006 اآلن، ال رئـيـس جمهورية، ورئيس حكومة يصرف األعمال، عـيـنـه الــحــزب حـفـاظـا عـلـى ســاحــه، ورئـيـس بــرملــان شـريـك مــضــارب، يــحــاول كـسـب حصة من أربـاح املعركة الجنوبية، فيساهم ببضع عمليات هناك، يعلن عنها وعن شهدائها. وكل املعركة اآلن هي قـرار دولـي، ،1701 الذي يـقـضـي بــانــســحــاب الـــحـــزب إلــــى الــــداخــــل، أي بانعدام مبّررات ساحه، وإال فحرٌب حقيقية. والــــحــــزب يـــعـــانـــد، يــقــيــس قـــدرتـــه «الــعــاملــيــة»، يـعـتـز أكــثــر وأكـــثـــر بـنـفـسـه. لـــه كـلـمـة الـفـصـل، األولى واألخيرة، واالعتراف الغربي ينفخ في كبريائه. والكام املنثور هنا وهناك ألنصاره
من املحللني يتوسع بجوانب هذا االنتصار. ... خذ «األلطف، األهدأ» من بينهم. يعتبر أن حــرب غـــزة مــن األحــــداث التاريخية العظيمة التي تنذر بحقبة جديدة. وهذا حقيقي. ولكن بــــأي مــعــنــى «حــقــبــة جــــديــــدة»؟ بـمـعـنـى أنـهـا أحدثت «صدمة إيجابية» في الفكر اإلسامي، ونسفت املـقـوالت واألوهـــام التي تحدثت عن «عـجـز اإلنــســان الـعـربـي عـن تحقيق النصر» بـوجـه «التكنولوجيا اإلسرائيلية املدعومة أميركيا». وبعدما يضم لبنان والعراق واليمن (أيـــــن ســــوريــــة؟) إلــــى ســـاحـــة فــلــســطــني، وفـــاء لـــ«وحــدة الــســاحــات»، يـاحـظ أن هــذا النصر أتى ضمن فراغ. وهذا األخير، أي الفراغ، يملي عـلـى الـفـكـر اإلســـامـــي املـنـتـصـر مـهـمـة مـلـئـه. وال أحد غيره موجود على الساحة، فيسوق ألفكار من نوع مواجهة قضايا املرأة وحقوق اإلنـــســـان والـــحـــريـــات وبـــنـــاء الــــدولــــة. الـلـطـف والــــهــــدوء وحـــدهـــمـــا يــمــنــعــان هــــذا اإلعـــامـــي املـــمـــانـــع مــــن تـــوضـــيـــح مــــا يـــقـــصـــده بـشـكـوكـه فـــي حـــقـــوق اإلنــــســــان واملـــــــرأة وبـــنـــاء الـــدولـــة. لـكـن زمـيـا لـــه، أكـثـر صــراحــة يكتب مثله عن االنتصار املمانع في حرب غزة، ويخلص إلى نتائج «مبتكرة»: تحت عنوان «مـوت إنسان الربيع العربي»، يهجو صاحبنا تلك الحقبة من االنتفاضة الشعبية العربية خال العقد السابق. يسميها «حراكا»، تقليا من شأنها، يــصــنــف «ادعــــاء اتــــهــــا بــالــكــرامــة والـــحـــقـــوق». يتساءل عن وجودها اآلن، في حرب غزة: أين هي اآلن تلك الشعوب، في هـذا الوقت؟ حيث اختفت مـن املـيـدان الفلسطيني واستكانت؟. ... فيجيب بنفسه عن سؤاله بوصف «إنسان الربيع العربي»: تعبئة إعامية خليجية هي الــتــي روجــــتــــه. ثـــم مـــواقـــع تـــواصـــل ومــؤثــريــن («مؤثرين»؟ وقتها؟) لهم أبواب الرزق نفسها. ثورات با قيادة، عفوية، فيسبوكية، انفعالية، ترفيهية، فندقية، كائناتها ببغائية. ويصف حركة «العقيدة العربية اإلسامية» بأنها «تميل بشكل عـام إلى تفضيل أسلوب املـنـاوشـات التي تقوم على الحركة الخفيفة واملــــنــــاورة الــســريــعــة، عــلــى حـــســـاب الــتــدريــع الـثـقـيـل والــتــحــصــني املـــحـــكـــم».. ويـــغـــوص في الــتــاريــخ املـجـيـد والــطــويــل لــهــذه املـلـيـشـيـات، وقد اعتمدتها «جيوش» األيوبيني واملماليك، وغـــيـــرهـــم مــمــن ســبــقــوهــم ولـــحـــقـــوهـــم... وإذا شــاء قـارئـه أن يصف أصـحـاب هــذا األسـلـوب بـ «مليشيات»، فا يرى عيبا في هذه التسمية، بل يعتز بها، فتعاد بذلك قــراءة «اإلنـجـازات الـعـسـكـريـة اإلســامــيــة» عـلـى ضـــوء التجربة «الناجحة» للشبيحة. خـــاصـــة كـــل هــــذه اآلراء: انـــتـــصـــرت املـمـانـعـة فـي حــرب فلسطني. حــزب الـلـه، صاحب الفكر اإلسامي األصيل، على رأس أصحاب الطريق الوشيك نحو االنتصار. ويعني هذا االنتصار أن الــحــزب سيحتفظ بـسـاحـه. وطـبـيـعـي أن يليه تعاظم سلطته. أيــن منها نتائج حرب تــمــوز، الـتـي تـبـدو الــيــوم مــحــدودة أمـــام آفــاق االنتصار الجديد. وهــذا يستلزم حملة على مـــا يـعـيـق حــكــم حـــزب الــلــه املــطــلــق. أي حملة على الديمقراطية، عبر هجاء «حقوق اإلنسان واملــــــرأة» و«إنـــســـان الــربــيــع الــعــربــي» ومـديـح املليشيات، املـسـؤولـة األولـــى فـي املنطقة عن قتل هذا الربيع... وبنود بروباغندا أخـرى ال يتسع لها هــذا املــقــال. استنتاج املمانعة أن حرب غزة فرصة لنبذ الديمقراطية واحتكار السلطة، وباسم العقيدة والفكر اإلساميني، الـــلـــذيـــن انـــتـــصـــرا هــــنــــاك، فـــيـــتـــعـــزز الـــنـــمـــوذج اإليـرانـي، قائدها ومرجعها وحاميها (وزيـر الخارجية اإليراني في بيروت: «أمن لبنان من
أمــن إيــــران»). الـنـمـوذج الــذي بــرع منذ عامني في سحق شعبه بالنار والحديد ألنـه احتج ضده... وخلفه النموذج الروسي، واألقوى من االثــنــني الصيني، والـثـاثـة قـــادة «خــالــدون»، وأنظمة شديدة القمعية، قاتلة للديمقراطية. ال يختلف الــعــدو فــي هـــذا املــســلــك: نتنياهو الغارق في غــزة، ال يتوقف عن إعـان النصر. قــبــلــهــا كـــــان يـــخـــوض مـــعـــركـــة الـــقـــضـــاء عـلـى استقالية الـقـضـاء. يعتقد أنــه طـاملـا هـو في حالة حرب لن يسقط، ولن يحاكم بتهم الفساد. وكلما دامت هذه الحرب صعدت معها شهيته للحكم وكمه األفواه، إال تلك الداعية الى مزيد من الجرائم ضد الفلسطينيني. ليس األمــر في الغرب بأكثر تيسرًا. يخوض حـربـا ضــد قناعته، وقـيـمـه، يـتـعـرض حكامه لـــلـــضـــغـــط الـــشـــعـــبـــي، وال تـــفـــتـــر حــمــاســتــهــم إلسرائيل إال قليا. الديمقراطية فيه مهددة جـــديـــا. بـــأحـــزاب الـيـمـني املــتــطــرف الــصــاعــدة، األقــــل ديــمــقــراطــيــة واألكـــثـــر دعــمــا إلســرائــيــل. ودونـالـد ترامب العائد نموذجا. يحيط هذا كــلــه مـــنـــاخ انــقــســام جـــنـــوب شـــمـــال، مـعـطـوف عــلــى انــقــســام «حــــضــــاري» إســـامـــي - غــربــي، يـــعـــم الـــعـــالـــم تــحــت شـــعـــار الـــجـــنـــوب املــظــلــوم والــشــمــال الــظــالــم، االســتــعــمــاري اإلمـبـريـالـي، فتدعس الحرية في طريقه، على أسـاس أنها اخـــتـــراع «شــمــالــي غـــربـــي»، بــاســم «انــتــصــار» يفتح مرحلة الحكم املطلق. فلسطني في خطر. ومعها الديمقراطية، وليس من دونها.
استنتاج الممانعة أن حرب غزة فرصة لنبذ الديمقراطية واحتكار السلطة، وباسم العقيدة والفكر َّ اإلسالميين،اللذين انتصرا هناك