Al Araby Al Jadeed

مروان البرغوثي القائد المغيّب

- لميس أندوني

تــعــيــش حـــركـــة فـــتـــح، فـــي ذكـــــرى انــطــاقـ­ـتــهــا، أســـوأ مـراحـلـهـ­ا: الــقــيــ­ادة املـتـنـفـ­ذة متخاذلة، ومنشغلة في صـراع لضمان استمرارها في السلطة، والـــكـــ­وادر والــتــيـ­ـارات الـتـي تتمسك بـفـكـرة الــتــحــ­رر الــوطــنـ­ـي والــتــحـ­ـريــر مهمشة وغــــيـــ­ـر مـــنـــخـ­ــرطـــة بـــشـــكـ­ــل فــــعــــ­ال فــــي مــعــركــ­ة النضال املصيرية ملواجهة حرب اإلبادة التي تشنها «إسرائيل» على الشعب الفلسطيني. واملـــفــ­ـارقـــة أن الــــذكــ­ــرى تـــأتـــي فـــي وقــــت بـتـنـا نسمع قــيــادات فــي «فــتــح» تتنكر للمقاومة، هــمــهــا فـــي الــــعـــ­ـدوان اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـي عــلــى غـــزة استعادة سلطتها على القطاع املنكوب، في سباق مع حركة حماس تخسره يوميا، ألن مــصــدر الـشـرعـيـ­ة هــو الـفـكـر والـفـعـل املــقــاو­م، وهو الذي أعطى «فتح» قوتها، فيما يتجاهل مسؤولوها، املنشغلون بهاجس السلطة، أن اسـتـقـواء­هـم بــ«سـلـطـة» ال سلطة لها هـو ما أضــعــف «فــتــح» ويـسـاهـم فــي تـدمـيـرهـ­ا. لكن «فتح» باقية رغم التدمير املستمر لنهجها، بـــاقـــي­ـــة بــفــضــل املـــنـــ­اضـــلـــن واألســـــ­ــــرى، وفـــي مــقــدمــ­هــم الــقــائـ­ـد مــــــروا­ن الـــبـــر­غـــوثـــي، وتـــيـــا­ر تـــحـــرر­ي داخـــلـــ­هـــا أنــتــج كـــــوادر غــيــر ملتزمة بمنطق التعايش مع االحتال، انبثقت منها نواة، أو على األقل، رفدت املجموعات املقاومة مثل «عرين األسود» و«كتيبة جنن» وغيرها بمناضلن، فالشهداء رعد أبو حازم وإبراهيم النابلسي وعدي التميمي جاء وا من حاضنة «فتح» التي تمّردت، بصمت، على قيادتها. «فـــتـــح» الـــتـــح­ـــرر بـــاقـــي­ـــة، وإن كـــانـــت مـــهـــدد­ة باالضمحال؛ فالقيادة العليا تكبح تحركها

وتـــهـــم­ـــشـــهــ­ـا، وهــــي تــخــشــى ظـــهـــور قـــائـــد، أو قيادة، يعيد إلى الحركة دورها، فليس سرًا أن هناك إهماال لقضية األسير القيادي مـروان البرغوثي، ألن أي رأي مخالف يهدد تركيبة اعتادت التعايش مع االحتال، واألسـرى هم تحد مستمر لاحتال. يــــــدرك الـــكـــي­ـــان الــصــهــ­يــونــي خــطــر اســتــمــ­رار بــــذور نــهــج تـــحـــرر­ي لــــ«فـــتـــح»، خــصــوصــ­ا أن النهج الــذي اختطه مـــروان البرغوثي رفـض التناحر مع حركة حماس، وسعى، ويسعى، إلى وحدة وطنية على أساس رؤية تحررية، فـالـحـركـ­ة األســـيــ­ـرة، بـفـصـائـل­ـهـا كـــافـــة، كـانـت وال تـــزال سـبـاقـة فــي الـعـمـل لتوحيد الـرؤيـة والـــعـــ­مـــل، ولـــــم تـــرتـــه­ـــن إلـــــى مـــصـــال­ـــح فــئــويــ­ة أو سـلـطـويـة. لــــذا؛ لـيـس مستغربا أن تتخذ إسـرائـيـل إجــــراءا­ت قاسية ضـد األســـرى بعد بــدء «طــوفــان األقــصــى»، مـن تعذيب وإهـمـال طبي إلى استشهاد ستة أسرى منذ 7 أكتوبر. وليس مستغربا أنه حن خرجت أصوات من قيادة حركة فتح بإدانة حركة حماس وتبدي اســتــعــ­دادا لـتـولـي السلطة فــي غــــزة، سحبت إسـرائـيـل مـــروان الـبـرغـوث­ـي مــن سجن عوفر وعزلته في مكان آخر مجهول، سعيا منها إلى «فكفكة» الحركة األسيرة ومنعا لتأثيره على قاعدة حركة فتح داخل املعتقات وخارجها. إذ ممنوع أن يكون هناك صوت موحد داعم للمقاومة، فالفعل املــقــاو­م، بغض النظر عن هوية الفصيل الفلسطيني الـذي يبادر إليه، عامل تثويري بحد ذاتـه، فكيف إذا استمرت معركة مقاومة شجاعة نحو ثاثة أشهر؟ إذ إن تأثير املعركة، بغض النظر عـن النتائج، قد يوسع قاعدة «حماس»، وهو األرجح، لكنه

أيضا يثور قواعد أخــرى، وحتى كــوادر فتح التي تعمل في السلطة، وأي تقويض لنفوذ الــقــيــ­ادة الــحــالـ­ـيــة يــوجــه األنـــظــ­ـار إلـــى قــيــادة بديلة، وهنا يأتي خطر مروان البرغوثي. ردود الــــفـــ­ـعــــل الــــغـــ­ـاضــــبــ­ــة مـــــن تـــصـــري­ـــحـــات القيادي الفتحاوي أمن سر منظمة التحرير الــفــلــ­ســطــيــن­ــيــة حـــســـن الـــشـــي­ـــخ، الــــــذي تـــوعـــد بمحاسبة حركة حماس على بدئها معركة استغلتها إسرائيل لشن حملة تطهير عرقي غـيـر مـسـبـوقـة ضــد الـشـعـب الفلسطيني، لم تصدر من خــارج حركة فتح، بل من داخلها أيضا، واالستياء حتى داخل اللجنة املركزية لـــلـــحـ­ــركـــة، مــــا اضــــطـــ­ـر الـــشـــي­ـــخ إلـــــى مــحــاولـ­ـة التنصل من أقواله، فيما أصدرت «فتح» بيانا يؤكد دعمها املـقـاومـ­ة، فـي محاولة الحتواء مـوجـة الغضب الـتـي أحدثتها التصريحات التي لم تقتصر على الشيخ فقط، وهي تعكس أزمــــة «فـــتـــح»؛ فـمـن نـاحـيـة ال يـمـكـن أن تـبـرر قيادة الحركة تقصيرها، ومـن ناحية أخرى ال تـسـمـح بـــأي عــمــل، ولـــو رمـــــزي، لـلـمـقـاو­مـة أو دعـــــم هـــبـــة شــعــبــي­ــة فــــي الـــضـــف­ـــة الــغــربـ­ـيــة والـقـدس املحتلة. من هنا يتميز دور مـروان البرغوثي، فـدوره ال يهدد إسرائيل فقط، بل كل الطامحن للسلطة والرئاسة، ففي الثامن مــن ديـسـمـبـر/ كــانــون األول الــحــالـ­ـي، عشية ذكــــرى االنــتــف­ــاضــة األولـــــ­ـى، دعـــا مـــن معتقله إلـى هبة شعبية وطالب كــوادر أجهزة األمن الفلسطيني بحماية الشعب الفلسطيني من هجمات الجيش واملستوطنن اإلسرائيلي­ن، وهـــــو مــــوقـــ­ـف يــتــنــا­قــض مــــع قــــيــــ­ادة الــحــركـ­ـة والسلطة الفلسطينية. أزمة حركة فتح ال يحلها وجود قائد لها، وإن

من املهم أن يكون هناك قائد بمكانة البرغوثي، ولذا تجرى معاقبته، فالخلل عميق، والقيادة منشغلة بكيف تضمن دورهـــا بعد الـحـرب، ضـمـن تــســويــ­ة أو اتـــفـــا­ق ال يجعلها متهمة بالعودة فوق دبابة إسرائيلية. ولكن الخيار اآلخر املوجود أن تعود تحت رعاية أميركية بعد تقليص دورهـــا إلــى إدارة محلية تدير معسكرات االعـتـقـا­ل تحت السيطرة األمنية اإلسرائيلي­ة، فتصريحات الشيخ، حتى وإن حــــاول الــتــراج­ــع عـنـهـا، بـــدت كـأنـهـا مـحـاولـة تـقـديـم أوراق اعـتـمـاد لـواشـنـطـ­ن إلدارة غــزة بعد الحرب، فيما سـارع القيادي الفتحاوي جبريل الرجوب بالتمايز عن الشيخ باإلعان

أن أي صيغة مستقبلية إلدارة غـزة يجب أن تحظى بتوافق وطني فلسطيني. وهــــنـــ­ـا يـــجـــب الـــتـــو­ضـــيـــح أن حــــركـــ­ـة حــمــاس ليست فوق النقد، ويحق للشعب الفلسطيني مـراجـعـتـ­هـا وتـقـيـيـم­ـهـا، وعــلــى «حـــمـــاس» أن تجري إعـادة تقييم بعد انتهاء املعركة. لكن السلطة، بتركيبتها، ليست مؤهلة ملحاسبة أحـــد، بــل املـفـتـرض محاسبتها على الكثير، ويجب أن تـدرك أن مجرد دخولها في نقاش عـن ترتيبات إدارة غـــزة بعد الــعــدوا­ن إهانة لــكــل شـــهـــدا­ء مـنـظـمـة الــتــحــ­ريــر الـــتـــي أصـبـح حسن الشيخ يتحدث باسمها. الــتــقــ­طــت «حـــمـــاس» الــلــحــ­ظــة، وأصــــــر­ت على إدراج اسم مروان البرغوثي وإبقائه حاضرا، باإلضافة إلى عبد الله البرغوثي (حماس)، وأحــمــد ســعــدات (الـجـبـهـة الشعبية لتحرير فـلـسـطـن) فــي صــــدارة قـائـمـة األســــرى الـذيـن تطالب بتحريرهم، وبذلك تقدم نفسها بديا يقود الوحدة الوطنية، سواء كان ذلك تكتيكا أو اســتــرات­ــيــجــيـ­ـة، فـــإن إطــــاق ســــراح هـــؤالء، وبـخـاصـة مــــروان الـبـرغـوث­ـي، سيمثل نصرا فلسطينيا وليس حمساويا. بــقــي الـــبـــر­غـــوثـــي فـــي األســـــر أو تـــم تــحــريــ­ره، يبقى نموذجا، مناضا تحرريا، وهو ليس الـــوحـــ­يـــد، بـــل ســتــبــز­غ قـــيـــاد­ة تـــحـــرر­يـــة تكمل مشوار حركة فتح، واألهم: حركة تحرر وطني جامعة. واآلن هو الوقت، فا يمكن أن يرتقي هذا العدد الهائل من الشهداء من دون صحوة وهزة تعيد بناء حركة املقاومة الفلسطينية، وتبقي جذوتها متقدة، وتراكم على ما أنجز، وإال فجميعنا مدانون.

بقي مروان البرغوثي في األسر أو تم تحريره، يبقى نموذجًا، مناضًال تحرريًا، وهو ليس الوحيد، بل ستبزغ قيادة تحررية تكمل مشوار «فتح»

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar