Al Araby Al Jadeed

على فّوهة «االنفجار القادم»

- محمد أبو رمان

لن تقف امتدادات زلزال «طوفان األقصى» وما بعده عند حدود املعركة العسكرية في قطاع غزة، وحرب اإلبادة العنصرية اإلسرائيلي­ة، وال حتى أمام امتدادات الصراع الثانوية، وربما الرئيسية، ألن العالم العربي بمجمله مرشح بعد هـذه الحرب أن يشهد نتائج كبيرة على صعيد املعادالت الداخلية، وفي علقاته الخارجية! مـن املــعــرو­ف أن الـــدول واملجتمعات الـعـربـيـ­ة، فـي األغـلـب األعـــم، تعاني الـيـوم من ظروف داخلية صعبة، في مقدمتها أزمة الشرعية السياسية والفجوة بني األنظمة والشارع، خصوصا جيل الشباب املحبط، وهي أزمة تستعر مع لهيب املشكلت االقتصادية التي تسكن في هـذه املجتمعات، مع ارتفاعات قياسية في معدالت البطالة والفجوة الطبقية والشعور بالفساد السياسي وعـدم الرضى املجمل عن األوضــاع ّالعامة، فيما يأتي «طوفان األقصى» ليجذر هذه األزمــات الداخلية، بعد األداء املخيب واملهزوز والضعيف لهذه النظم والحكومات. ماذا تبقى لألنظمة لتقدمه للشعوب العربية من حجج ودعاوى في الظروف الراهنة؟ ماذا تبقى من شرعية سياسية لتتمسك بها غير التخويف والقمع، وهذه شرعية سطحية هشة، سرعان ما تتفكك أمام أي احتجاجات كبيرة. يضاف إلى تلك األزمة حالة إعادة التموضع لدى غالبية الحركات اإلسلمية التي خرجت بخسائر كبيرة، أمنيًا وشعبيًا وداخليًا، منذ الربيع العربي، فهي اليوم في مرحلة جديدة، خاصة بعدما وقعت اإلدارة األميركية في فخ الدعاية الصهيونية بدعشنة حركة حماس التي تتمتع بشعبية كبيرة في الشارع العربي، ولديها شبكة كبيرة من العلقات األيديولوج­ية والتنظيمية مع الحركات اإلسلمية، وجمهور العالم اإلسلمي عمومًا، ما سيولد سردية جديدة لدى هذه الحركات وجماهيرها فــي تـدشـني مرحلة جــديــدة تـقـوم على الجمع بــني الـسـيـاسـ­ات األمـيـركـ­يـة املوالية إلسرائيل من جهة والضعف أو التواطؤ الرسمي العربي من جهة ثانية، ويتزاوج ذلـك مع حالة الغضب الشعبي، ومثل هـذا «املـركـب» من املتغيرات املتظاهرة معًا سيؤدي إلى إنتاج صراع شديد أكثر شراسة من املراحل السابقة. بالضرورة، ليس هذا ما نأمله، على النقيض من ذلك، مصلحة املجتمعات واألنظمة العربية جميعًا مراجعة «العقد االجتماعي» القائم الحالي املختل، والقيام بمصالحات وطنية عميقة، وتدشني مشروعات قابلة للتعامل مع التحديات واالستحقاق­ات ومصادر التهديد املستقبلية، لكن املـؤشـرات ال تشي بذلك ألبتة، بل هنالك حالة من التحفز والصدع الداخلي في مجتمعات كثيرة، وبطء (وربما عجز) في التعلم لدى هذه األنظمة في فهم حركة التاريخ والجماهير، ولعل هذه من نقاط الضعف الرئيسية في هذه األنظمة، إذا استحضرنا نموذج العالم األميركي كارل دويتش ونموذج االتصال في تحليل النظم والسياسات، فـإن حجم املدخلت واملتغيرات أكبر من طاقة هذه النظم وقدراتها على التعامل معه، ما يؤدي إلى حالة من العجز وربما الشلل ،)Lag( في التعامل مع القادم من األيام، إذ إن النظرية السائدة لدى هذه األنظمة أن «الربيع العربي» كان بمثابة «غمامة صيف» عابرة، وليس موجة أولى من موجات طوفان كبير. عملت دول عربية كثيرة بعد العام 2011 على تصنيف اإلخوان املسلمني جماعة إرهابية، واليوم بعد «طوفان األقصى» ستعيد هذه الحركات إنتاج رواية وخطاب وديناميكيا­ت جديدة، وسيكون من السهولة ربط التصنيفات العربية بالسياسات األميركية املغضوب عليها شعبيًا، وبالعدوان اإلسرائيلي، وستدفع املجتمعات العربية ثمنًا كبيرًا لحالة الضعف والهشاشة في األنظمة والسياسات العربية! ليست املسألة تخمينًا وال ضربًا باملندل؛ انظروا حولنا كم دولة عربية تمر بمرحلة تفكك وانهيار سياسي وجغرافي وطائفي حولنا (العراق، سورية، لبنان، اليمن، الـسـودان، الصومال، ليبيا)، وأخــرى أمـام مشكلت داخلية مستعصية سياسيًا واقتصاديًا، وأزمات متدحرجة. ... ما لم تكن هنالك نقطة تحول وتغيير في املسار واملقاربات الراهنة ‪Paradigm Shifting‬ فإن االنفجارات قادمة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar