روحها في القطاع
عـــــدة، لــكــنــهــا لـــم تــجــبــر ولــــو مــــرة عــلــى تــرك بــيــتــهــا وكــــل ذكـــريـــاتـــهـــا». تــضــيــف: «هــربــنــا مــن جحيم القصف الجنوني الـــذي دمــر كل شيء في محيط البيت الـذي تفصله مسافة قصيرة عن مجمع الشفاء الطبي ومستشفى الرنتيسي للعيون اللذين طوقهما االحتالل من كل جانب». تؤكد عوينات أن «حي النصر كان محل استهداف مكثف منذ بدء العدوان، وكان املحتل يلقي القنابل في أي وقت ومن دون سـابـق إنـــذار على املـربـعـات السكنية»، متوقعة أن ترتفع حصيلة الشهداء إلى رقم قياسي بعد انتشال الشهداء الذين ال يزالون تحت األنقاض. بعد قـــرار العائلة مــغــادرة حـي النصر نحو الزوايدة، لم تكن األوضاع أكثر أمانا بحسب سميرة. كـانـت الـصـواريـخ تصل إلــى املـكـان، علما أن الزوايدة التابعة ملحافظة دير البلح تعد منطقة سياحية وغير مكتظة بالسكان. وتـــصـــف الـــحـــال بــــ «الــجــحــيــم املـــتـــواصـــل من الـــقـــصـــف ولــــــم يــــتــــرك االحـــــتـــــالل لـــنـــا فــرصــة تضاعفت أسعار المواد األساسية خالل العدوان على القطاع
لن يحقق االحتالل أهدافه بإجبار الفلسطينيين على ترك أرضهم اللتقاط أنفاسنا». في منطقة الزوايدة، تقول إن «الــوضــع ازداد صـعـوبـة مــع تـدفـق أعـــداد كـبـيـرة مــن الــنــازحــن مــن الــشــمــال بـحـثـا عن أمان مفقود، ال سيما وأن القنص كان يطاول األهـالـي على طريق الــنــزوح، على الـرغـم من اتخاذهم كل التدابير لتأمن سالمتهم عبر
رفع الرايات البيضاء». تتابع: «منذ استئناف القصف في األول من ديسمبر/ كانون األول الــــجــــاري بــعــد هـــدنـــة اســـتـــمـــرت ســبــعــة أيــــام، اضـطـر مـئـات آالف األشــخــاص الـذيـن لجأوا إلـى جنوب القطاع للفرار مـرة جديدة اتقاء مــن القصف واملــعــارك الـتـي تتوسع جنوبا. فكانت األســر تتكدس في البيوت واملــدارس وحتى داخل املنازل املهدمة». وتــشــيــر املــتــحــدثــة إلــــى أن «فـــرصـــة الــنــجــاة األخـــــيـــــرة بـــالـــنـــســـبـــة لــعــائــلــتــهــا كــــانــــت عـبـر مـــنـــاشـــدة الـــبـــعـــثـــة الـــتـــونـــســـيـــة فــــي رام الــلــه إلجـــالئـــهـــا مــــع أفـــــــراد أســـرتـــهـــا، بـــعـــد إدراج أسمائهم ضمن قائمة الـعـائـالت التونسية املقيمة بقطاع غزة، الذين أبـدوا رغبتهم في املـــغـــادرة املــؤقــتــة إلـــى حـــن انــتــهــاء الـــعـــدوان برفقة أزواجهم الفلسطينين».
رحلة البحث عن الطعام
يقول رضوان الغريري 31( عاما) الذي وصل إلى تونس مع والديه وشقيقاته الثالث، إن «عـــودتـــه إلـــى غــــزة لـيـسـت إال مـسـألـة وقـــت»، مــــؤكــــدًا أن «الــــعــــدو الــصــهــيــونــي لــــن يـحـقـق أهــــدافــــه بـــإجـــبـــار الــفــلــســطــيــنــيــن عـــلـــى تـــرك أرضهم». ويوضح لـ «العربي الجديد» أن «ما تنقله شاشات القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل االجتماعي ال يعكس إال القليل من حـجـم الــدمــار الـــذي خلفته الــحــرب فــي غــزة، واملـــآســـي اإلنـسـانـيـة الــتــي ستبقى جراحها نـــازفـــة طـــويـــال حــتــى وإن نــجــا أصــحــابــهــا». ويوضح أن «أشكال اإلبــادة الجماعية التي يـمـارسـهـا االحـــتـــالل مــتــعــددة، فـمـن نـجـا من القصف يمكن أن يموت جوعا أو عطشا أو بسبب انــعــدام الــرعــايــة الصحية للمرضى. رائـــحـــة املــــوت تــفــوح فـــي كـــل مــكــان وتـتـنـاثـر الــجــثــث واألشــــــالء بـــن ركــــام الــبــيــوت وعـلـى الطرقات». ويــــتــــحــــدث رضــــــــــوان عـــــن املــــشــــقــــة الـــيـــومـــيـــة للناجن للبحث عن طعام في مناطق انعدم فيها التموين أو وصلت فيها األسـعـار إلى مستويات خيالية. يضيف: «خــالل أسابيع الــحــرب، تضاعفت أســعــار املــــواد األسـاسـيـة أكثر من خمس مـرات»، وغالبية املـواد كانت مفقودة في األسواق.
أرواح معلقة
الطالبة الجامعية بتخصص إدارة األعمال روعة 21( عاما)، وهي البنت الصغرى لعائلة الغريري، وصفت الرحلة من منطقة الزوايدة وســـط قــطــاع غـــزة نـحـو معبر رفـــح بالشاقة والـــطـــويـــلـــة واملـــحـــبـــطـــة. تــــقــــول لـــــ «الـــعـــربـــي الجديد» إن «الخروج من قطاع غزة املحاصر بالنيران كان بمثابة معجزة بالنسبة إليها». خـالل أسابيع الحرب، خسرت روعـة العديد من أصدقائها في الجامعة وفقدت االتصال بـــآخـــريـــن، لــكــنــهــا تــصــر مــنــذ الــــوصــــول إلــى تــونــس عـلـى االطــمــئــنــان عـلـى مـــن تـبـقـى من معارفها. تضيف: «نحن فقط نقلنا أجسادنا إلــــى مـــكـــان آمـــــن، لــكــن أرواحــــنــــا ومــشــاعــرنــا وذكــريــاتــنــا ظـلـت هــنــاك فـــي غـــزة وال نـعـرف متى سنستعيدها».