ثانيا، في اختالف االستجابات العربية والدولية.
أدركــــت قـطـاعـات واســعــة مــن الــــرأي الــعــام في الغرب دوافع هذه السياسة األميركية الغربية الـرامـيـة إلــى تحميلها ثمن حـــروب السيطرة االستعمارية الجديدة النيوكولونيالية، ليس على الصعيد املادي وشروط املعيشة اليومية فــحــســب، وإنـــمـــا أكـــثـــر مـــن ذلــــك عــلــى حــســاب حقوق شعوبها املدنية وحرياتها وتوريطها في حــروب عنصرية وإبــاديــة، سـوف تتحمل مسؤوليتها األخـاقـيـة والـسـيـاسـيـة، وحتى االقــتــصــاديــة، عــقــودا طـويـلـة مقبلة. مــن هنا، مـا يحصل فـي الـغـرب ردا على سياسة دعم االسـتـيـطـان واالحــتــال واإلرهــــاب والتطهير الـــــعـــــرقـــــي ال يــــعــــبــــر عــــــن انــــــقــــــاب ســـيـــاســـي وأيـديـولـوجـي عميق لـــدى الـشـعـوب الغربية عـلـى الــســرديــة املـلـفـقـة الــتــي ســودتــهــا دولـهـا حـــــول املـــســـألـــة اإلســـرائـــيـــلـــيـــة والـفـلـسـطـيـنـيـة فــقــط، وإنـــمـــا هـــو أكــثــر مـــن ذلـــك ثــــورة ضمير ضد تجاوز كل حدود أخاقية وإنسانية في إدارة هذه الحرب االستعمارية التي تجاوزت نموذج الحرب الصليبية التي شنها جورج بـــوش االبـــن عـلـى الــعــراق إلـــى نــمــوذج حــروب اإلبــــــادة الــعــنــصــريــة. إنـــه يـعـكـس ردة الــوعــي الغربي على الخديعة التاريخية والسياسية التي روجتها الدعاية واإلعام االستعماريان في أنه ال حل للمسألة الفلسطينية، وبالتالي ال مـــهـــرب مـــن دعــــم إســـرائـــيـــل حــتــى الــنــهــايــة، وتــمــويــل حـــرب اإلبــــــادة الـفـلـسـطـيـنـيـة، فـبـدت الحرب اإلسرائيلية والتواطؤ الغربي معها تحديا سافرا للمبادئ السياسية واألخاقية الـــتـــي يـــقـــوم عــلــيــهــا الــــــوالء لـــلـــدولـــة والــنــظــام واألخـــاقـــيـــات الــعــمــومــيــة، بــالــرغــم مـــن غـيـاب وشـــائـــج الــقــربــى الـثـقـافـيـة أو الـسـيـاسـيـة مع الباد العربية والشعب الفلسطيني. فبمقدار مـا تشكل صحوة الضمير هــذه أحــد مظاهر انحسار هيمنة منظومة االستعمار الجديد، تبرز أيضا تفجر تناقضات منظومة السيطرة الـدولـيـة القائمة، وتعمل على إعـــادة تشكيل الوعي السياسي الشعبي، وعودة الصراع إلى محوره الداخلي الرئيسي، بعد سيطرة طويلة للتيارات اليمينية والعنصرية ورهانها على تـفـجـيـر الـــحـــروب الــخــارجــيــة لـلـتـغـطـيـة على التناقضات االجتماعية. وهــذا يعني انتقال األزمــة األيديولوجية إلـى داخــل هـذه البلدان املـــركـــزيـــة، مــهــمــا كـــانـــت الــنــتــيــجــة الـعـسـكـريـة النهائية لهذه الحرب القائمة في غزة. وعلى هذه اليقظة التي فجرتها حرب اإلبادة في غزة في بلدان املركز الغربي، نستطيع أن نراهن، ويـنـبـغـي أن نـــراهـــن فـــي املـسـتـقـبـل، لتوسيع دائـــرة التحالفات الـعـابـرة لـلـحـدود، وتعزيز التضامن بني القوى الديمقراطية في الشمال والجنوب العامليني في سبيل فضح أساليب التفكير العنصري املـتـنـامـي، والــصــراع ضد ســيــاســات الــقــهــر وســلــب اإلرادة والـــســـيـــادة، وبـلـورة اقـتـراحـات لسياسات عوملية جديدة تــقــطــع مـــع الــــــروح واملـــنـــطـــق االســتــعــمــاريــني. وفـــي سـبـيـل فـتـح آفــــاق جـــديـــدة أمــــام حـركـات التحرر االجتماعية والديمقراطية امللجومة من تحالف اإلمبريالية واالستبداد في معظم مناطق العالم، والـدفـع نحو تغيير أولويات السياسة العاملية. فـــي املــنــطــقــة الــعــربــيــة، حــيــث تـــســـود أقـــوى أشـــكـــال الــتــحــالــف بـــني مــشــاريــع الـسـيـطـرة اإلمــبــريــالــيــة ونــظــم االســـتـــبـــداد، بـــني الـريـع النفطي وتــجــارة الــســاح واالسـتـثـمـار في الـــجـــيـــوش واملـــلـــيـــشـــيـــات، وضـــــع االنـــفـــجـــار الكبير في فلسطني، وفي غزة بشكل خاص، الحكومات أمام خيارات صعبة، فقد قوض مـــشـــروعـــهـــا االســـتـــراتـــيـــجـــي لــلــتــطــبــيــع مـع إســرائــيــل، ومـــن ورائــهــا مــع الــغــرب، لتأمني نظمها ضـد الــثــورات الشعبية وحمايتها من التهديدات الخارجية، واإليرانية بشكل خــاص، مـن دون أن يفتح أمامها أفقا آخر لـبـلـورة خــيــارات جــديــدة ملـواجـهـة املخاطر والتهديدات الخارجية، فتركها في الفراغ االســتــراتــيــجــي، غــيــر قـــــادرة عــلــى مـسـايـرة االنتفاضة الفلسطينية، وال على الوقوف ضـــدهـــا وتــعــمــيــق قـطـيـعـتـهـا مـــع شـعـوبـهـا املتضامنة تلقائيا معها. فا يقل التغاضي