Al Araby Al Jadeed

أوال، أبعاد الحرب االسرائيلي­ة الراهنة في غزة وفلسطين:

-

يخطئ أكثر قادة العرب، حكومات ومثقفني وســيــاسـ­ـيــني، إذا اعـــتـــق­ـــدوا أن الـــحـــر­ب الـتـي تخوضها إســرائــي­ــل، ومـــن ورائــهــا الــواليــ­ات املتحدة وحلفاؤها الغربيون، هي بالدرجة األولـــــ­ــــى حــــــرب عـــلـــى حــــركـــ­ـة حـــــمـــ­ــاس، حـتـى لـــو كـــانـــت «حـــمـــاس» هـــي الـــتـــي تــســبــب­ــت في اندالعها. ويخطئ أكثر من يراهن على الحرب اإلسـرائـي­ـلـيـة للقضاء عـلـى حــركــات اإلســـام السياسي، وتحرير البلدان العربية أو بلدان الــــشـــ­ـرق االوســـــ­ــط مـــنـــهـ­ــا، ومـــــن مــغــامــ­راتــهــا، لصالح تعزيز فـرص والدة أنظمة سياسية علمانية أو شـبـه علمانية وديـمـقـرا­طـيـة أو تـــعـــدد­يـــة. هـــــدف الــــحـــ­ـرب، بــالــعــ­كــس تــمــامــ­ا، قطع الـطـريـق على مثل هــذه الــــوالد­ة للنظم الــوطــنـ­ـيــة والــديــم­ــقــراطــ­يــة والـعـلـمـ­انـيـة الـتـي ال يـمـكـن أن تـتـخـلـق وتــتــشــ­كــل مـــن دون حــد أدنــــــى مــــن الــــســـ­ـام واالســــت­ــــقــــر­ار والـــســـ­يـــادة واحـتـرام حقوق اإلنـسـان واالعتبار ملصالح الشعوب العربية، وفي مقدمها إطاق عجلة التنمية الحضارية، االقتصادية والسياسية واألخـــاق­ـــيـــة. ولــيــس هــنــاك عــامــل ســاهــم في تقويض هذه التنمية اإلنسانية واستنزاف الــجــهــ­ود الـفـكـريـ­ة والــبــشـ­ـريــة واملـــادي­ـــة لـهـذه الشعوب أكثر من الحروب املستمرة منذ أكثر مـن قــرن لتفريغ املنطقة مـن قوتها ووزنـهـا وتعزيز بؤرة االستيطان اليهودي. وقـد تحول هـذا االستيطان وتأمني وجـوده وتـــوســـ­يـــع قــــاعـــ­ـدة انــــتـــ­ـشــــاره وتــمــكــ­يــنــه مـن فـــرض إرادتــــه عـلـى الــــدول الـعـربـيـ­ة املــجــاو­رة إلــى ثقب أســـود يبتلع جميع جـهـود العرب الفكرية والبشرية واملادية لقرن كامل، وحكم عـلـيـهـا بــالــتــ­راجــع والــتــخـ­ـلــف والــتــقـ­ـهــقــر في جميع امليادين، بمقدار ما جعل من إخضاع شـــعـــوب­ـــهـــا لــــهــــ­ذه األجــــــ­نــــــدة جــــوهـــ­ـر أجـــنـــد­ة السياسة العاملية، والغربية خصوصا، في الــشــرق األوســــط. وهـــذا مــا اسـتـدعـى حـرمـان شــعــوبــ­هــا مـــن ســيــادتـ­ـهــا وعـــــدم الــــتـــ­ـردد في التدخل في شؤونها الداخلية ودعــم النظم الديكتاتور­ية العسكرية واألمنية وحمايتها والــتــغـ­ـطــيــة عـــلـــى انــتــهــ­اكــاتــهـ­ـا مــهــمــا كــانــت خطيرة للحقوق املدنية والسياسية. مـــــن هــــنــــ­ا، ال تـــنـــفـ­ــصـــل مـــعـــرك­ـــة واشـــنـــ­طـــن/ تــــل أبـــيـــب إلخــــضــ­ــاع الــفــلــ­ســطــيــن­ــيــني وحــــرب التطهير العرقي التي تعتمدها في فلسطني عــن مـعـركـة الـــدفـــ­اع عــن الـنـظـم االســتــب­ــداديــة الـتـي كـانـت تــراهــن عليها لضمان التطبيع مع إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية وإقــــامـ­ـــة تـــحـــال­ـــف يــضــمــن أن يــبــقــى الـــشـــر­ق األوسط منطقة نفوذ غربية، فأحد أهم دوافع التطبيع تثبيت أســـس الـنـظـم االسـتـبـد­اديـة الـتـي زعـزعـتـهـ­ا الـــثـــو­رات الـعـربـيـ­ة فــي العقد املــــاضـ­ـــي، والـــتـــ­ي تـــــدرك اآلن أنــــه ال أمــــل لها فــي الـبـقـاء بـعـد إفـاسـهـا الـوطـنـي وفشلها، حــتــى فـــي الــــــرد عــلــى الـــحـــا­جـــات األســاســ­يــة ملجتمعاتها، فـي مجال الـحـريـات والحقوق املدنية، وحتى في مجال تأمني الخبز واملاء والكهرباء، إال بالرهان على الحماية الغربية واألمـــيـ­ــركـــيــ­ـة بــشــكــل خــــــاص. هـــكـــذا لــــم تـعـد هناك خافات بني هذه النظم ونظام الفصل العنصري في فلسطني، وال اختافات تذكر بني ممارسات نظام االحتال اإلسرائيلي إزاء الفلسطينين­ي وممارسات نظم عربية عديدة تجاه شعوبها. هنا أيضا تقدم إسرائيل في حربها على شعب غـــزة نموذجا يقتدى به فـي اسـتـخـدام تجويع الشعوب وتعطيشها وحرمانها مـن أي خـدمـات إنسانية ساحا إلخضاعها وفرض اإلذعان عليها. وتخطئ هـذه القيادات العربية إذا اعتقدت أن حــرب غـــزة ال تتعلق إال بفلسطني، حتى لـــو كـــانـــت قــضــيــة فــلــســط­ــني، أرضـــــا وشــعــبــ­ا، في قلبها. إنها في جوهرها حــرب إقليمية لـــلـــحـ­ــفـــاظ عـــلـــى الـــســـي­ـــطـــرة األمـــيــ­ـركـــيـــ­ة عـلـى الــشــرق األوســـــ­ط، ومـــا يتمتع بــه مــن مـيـزات اســتــرات­ــيــجــيـ­ـة فــــي مـــواجـــ­هـــة أي مــنــافــ­ســات داخـلـيـة عربية أو إقليمية تركية وإيـرانـيـ­ة. وفـــــي مـــقـــدم­ـــة مـــهـــام هـــــذه الــــحـــ­ـرب لــلــحــف­ــاظ على السيطرة الغربية إعــادة صدقية الـردع اإلسرائيلي الــذي تـراهـن عليه كقوة رئيسة إقليمية تهدد الـدول اإلقليمية الطامحة في تـوسـيـع هـامـش مـبـادرتـه­ـا وتــأمــني األنظمة الــــتـــ­ـابــــعــ­ــة وحـــمـــا­يـــتـــهـ­ــا ضـــــد االضـــــط­ـــــرابــ­ـــات الــداخــل­ــيــة أو الــخــارج­ــيــة، بــمــا فـــي ذلــــك ردع الــعــرب عــن الـتـفـكـي­ـر خــــارج الــصــنــ­دوق الــذي وضــعــتــ­هــم فــيــه هــــذه الــســيــ­اســة ذاتــــهــ­ــا. لكن هــدفــهــ­ا أيـــضـــا، فـــي مـــا وراء ذلـــــك، مــواجــهـ­ـة محاوالت الــدول الكبرى الصاعدة الطامحة فـــي تـغـيـيـر الــنــظــ­ام الـــدولــ­ـي املــتــمـ­ـحــور حــول الغرب ومصالحه وإقامة نظام جديد يعيد توزيع أوراق السيطرة ومناطق النفوذ في العالم، وفي ما يتعلق بالقرار الدولي. وهذا يـعـنـي أن لــهــذه الـــحـــر­ب بــعــدا عـاملـيـا يتمثل فـي تأكيد واشنطن سيطرتها على مناطق نـفـوذهـا وعـــدم التخلي عـن احـتـكـار صياغة أجندة السياسة العاملية بما يخدم أهدافها ومصالحها االستراتيج­ية. وهي تنظر إلى أي طــرف يخالف قــراراتــ­هــا أو ال يتقيد بها وال يتصرف على أساسها أنه متمرد عليها ومـــصـــد­ر تــهــديــ­د لــأمــن والـــســـ­ام الــدولــي­ــني،

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar