Al Araby Al Jadeed

سقوط المنظومة الدولية لحقوق اإلنسان

- محمد أحمد بنّيس

احتفت األوساط الحقوقية في العالم، األحد املاضي، بالذكرى الـ57 لصدور اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان، الذي صادقت عليه األمم املتحدة في 10 ديسمبر/ كانون األول .1948 وجاء صدوره في سياق التداعيات املأساوية التي خلفتها الحرب العاملية الثانية، بعد مقتل أكثر من 60 مليون شخص، معظمهم مدنيون، فضال عن ماليني الجرحى واملعطوبني. وقــد أصبح اإلعـــالن، الــذي صاغه حقوقيون ودبلوماسيو­ن وفقهاء قانون من مشارب ثقافية وقانونية مختلفة، وثيقة حقوقية تأسيسية، في الوسع اعتبارها خريطة طريق لحماية حقوق اإلنسان وحرياته. وعلى الرغم من أن النصف الثاني من القرن املنصرم شهد حروبا ونـزاعـات، لم يخل بعضها من ‹›جـرائـم حــرب›› و››جــرائــم ضد اإلنسانية›› و››جــرائــم اإلبـــادة الجماعية››، إال أن اإلعالن، بكل ما تفرع عنه من عهود وصكوك واتفاقيات دولية مختلفة، بقي يشكل الحد األدنى من تطلعات شعوب األرض نحو القطع مع كل أشكال انتهاكات حقوق اإلنسان وضمان حمايتها والنهوض بها، وال سيما في ظل نشاط مواز للمنظمات غير الحكومية التي كان لبعضها دور بارز في فضح انتهاكات حقوق اإلنسان في أكثر من بلد. بالطبع، لم تخل حقوق اإلنسان من نزعات تسييس فرضتها سياقات الـحـرب الـبـاردة ومكافحة اإلرهـــاب واملصالح االقتصادية والجيوسياس­ية العابرة للحدود، غير أن ذلك لم يمنع من أن يبقى اإلعالن حائزا الحد األدنى من املصداقية. اليوم، يبدو أننا أمام منعطٍف مفصلٍّي بشأن كل ما راكمته املنظومة الدولية لحقوق اإلنسان التي يشكل اإلعــالن املذكور حجر الـزاويـة فيها، فأمام حـرب اإلبــادة التي يتعرض لها سكان غزة من قوات االحتالل اإلسرائيلي، تبدو هذه املنظومة وكأنها وصلت إلى سقفها، بعدما عجز النظام الدولي عن وقف هذه الحرب، أو على األقل الحد من كلفتها اإلنسانية الباهظة. والالفت هنا أن صمت املنظومة الدولية لحقوق اإلنـسـان، أو بـاألحـرى تواطؤها حيال جرائم جيش االحـتـالل في غــزة، ال يقتصر على االنتهاكات التي تتعرض لها الحقوق املدنية التي تندرج، حسب أدبيات حقوق اإلنسان، ضمن االتفاقيات العامة، وفي مقدمتها اإلعالن العاملي، بقدر ما ينسحب كذلك على االنتهاكات التي تدخل ضمن الحقوق التي تؤطرها االتفاقيات الخاصة. صمت هــذه املنظومة أمـــام مقتلة غــزة يفضح نفاقها وزيـــف مـا تـقـوم بـه مـن أجل حماية حقوق اإلنسان. أين هي منظمة األمم املتحدة للطفولة (اليونيسف)؟ بم يشعر أعضاء مجلسها التنفيذي بعد مقتل نحو عشرة آالف طفل في قطاع غزة؟ أين هي املنظمات الدولية املدافعة عن حقوق النساء ومناهضة التمييز والعنف القائمني على النوع االجتماعي؟ أين هي املنظمات النسائية املنشغلة بتعزيز تمثيلية النساء، في هذا البلد أو ذاك، داخل املجالس املحلية والبلدية والنيابية، في وقت تتعرض فيه آالف النساء لحرب إبــادة في غــزة. حتى املنظمات التي أصــدرت بيانات في هذا الصدد، أدرجـت مقتلة نساء غـزة ضمن ‹›التصعيد العسكري اإلسرائيلي››، وذلـك بشكل يفضح تبنيها املضمر السردية اإلسرائيلي­ة. لــم يتحمس املـدعـي الـعـام للمحكمة الجنائية الدولية أكثر ملطالب عائالت القتلى اإلسرائيلي­ني في ‹›طوفان األقصى››، في وقت يقابل فيه مطالب ذوي الضحايا الفلسطينين­ي بفتور باد يعكس ازدواجية املعايير في أدائه؟ لقد أوصل العدوان الصهيوني على قطاع غزة املنظومة الدولية لحقوق اإلنسان إلى الباب املسدود، بعد أن أصبح الكيل بمكيالني في التعاطي مع القضية الفلسطينية ‹›آلية عمل›› تأخذ بها الهيئات واملنظمات الحقوقية الدولية، حتى تتجنب غضب إسرائيل والدوائر التي تتبنى سرديتها. وبذلك تساهم هذه الهيئات واملنظمات في منح الكيان الصهيوني ‹›شيكا على بياض›› ملواصلة حرب اإلبادة التي يشنها منذ أكثر من شهرين على املدنيني في قطاع غزة، في تحد صارخ لكل القيم األخالقية واإلنسانية التي يفترض أن القانون الدولي اإلنساني ينهض عليها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar