Al Araby Al Jadeed

يحيى السنوار روائيًا

- زياد بركات

ال اسم يتكرر حاليًا في إسرائيل أكثر من يحيى السنوار، فالرجل تحول إلى كابوس يقض مضجع رئيس الوزراء اإلسرائيلي، فمرة يوجه األخير إليه الرسائل، وأخرى إلى رجاله، مناشدًا إياهم عدم املوت من أجله، أما فضيحته الكبرى فكانت عندما أعلن أن جيشه يحاصر منزل السنوار، ليخرج بعده الناطق باسم هذا الجيش قائال إن الرجل ليس في بيته أصـال. يبدو السنوار في البروباغند­ا اإلسرائيلي­ة أقـرب إلى األسطورة (الشرير كامال ومجسدًا)، وذاك اختزال للصراع في أشخاص أو رموز، بما يعزله عن تاريخه ومسبباته ودينامياته. ووفق هذا املنطق، ينتهي الصراع إذا تم التخلص من السنوار، وهذه مقاربة بالغة السذاجة، ال يأتيها إال ساسة حمقى من طينة نتنياهو وأضــرابــ­ه، فالسنوار واحــد مـن عـشـرات الـقـادة الفلسطينين­ي الغزيني الـذيـن يديرون واحــدة من أكثر معارك الفلسطينين­ي أهمية في تاريخهم، ولـو لم يكونوا موجودين باسمائهم لوجد سواهم، فأصل الصراع ومصدر الشرور كلها هو االحتالل نفسه، وببقائه، كل طفل غزي مرشح للتحول إلى سنوار جديد أو محمد ضيف آخر أو يحيى عياش، وسواهم من حلقات سلسلة الفوالذ الذي ال يكسر في العمود الفقري للمقاومة الفلسطينية التي أنتجت أساطيرها، سـواء في غـزة أو الضفة الغربية. يريد نتنياهو نصرًا مظفرًا، وكلما استعصى عليه األمر خفض سقفه، ولجأ إلى االختزال والثنائيات، وال بأس من تركيز آلة الدعاية على رجل واحد، هو السنوار، فإذا نجح في اغتياله سارع إلى ادعاء النصر. لكن ذلك لو حدث، فإنه ال يعني نهاية الرواية الكبرى لشعب لم يترك وسيلة لتحرير أرضه إال وجربها، وجديدها أخيرا سلب الطرف اآلخر ميزة الضربات االستباقية التي هزم بها جيوشًا ودوال في املنطقة، لكنه عجز عنها يوم 7 أكتوبر/ تشرين األول املجيد، حني مرغ مقاتلو القسام أنف جيشه في التراب. مــن بــني هـــؤالء يحيى الـسـنـوار الـــذي تــحــول إلـــى كــابــوس لنتنياهو ويــــوآف غاالنت وسواهما، فكيف تأتى للمعتقل السابق في سجونهم قيادة واحد من أكثر النزاالت إذالال لجيشهم؟ هـذا ما ال تسأله نخب إسرائيل، املهانة، التي تسعى إلـى تضميد نرجسيتها العسكرية الجريحة بمزيد من االنتقام األعمى، ولكنها إذ تفشل تخفض عدد أهدافها أو تقللها، وتقصرها ضمنيًا على فكرة اغتيال السنوار. بهذا يتحول الـرجـل إلــى البطل - الضد فـي الــروايــ­ة اإلسرائيلي­ة، الكابوس الــذي ال يبرح منامات قادتهم، رغم أنه بطل «روايته هو» القائمة على تفكيك «روايتهم» هم. ومن املفارقات أن يكون الرجل قد جرب كتابة روايته «األدبية» باملوازاة مع كونه بطال في مكان آخر، ونموذجًا تهديميًا في رواية أخرى. كتب السنوار رواية «الشوك والقرنفل» عام 2004 (غير متوفرة في األسـواق وتوجد مقرصنة على اإلنترنت)، رغم أن وجود السنوار نفسه هو الرواية األكثر أهمية، فال الصورة التي يشيعها نتنياهو عنه هي روايته، وال الرواية التي كتبها في سجن بئر السبع هي ما يمثله، فهي ال تكتسب أي أهمية أدبية تذكر، وتبدو أقرب إلى السيرة الذاتية رغم توسلها تقنية الـراوي كلي العلم، وهي ال تعنى بالخيال وال املعمار الفني أو الغوص في أعماق الشخوص وسيكولوجيا­تهم املعتمة، بـل بسرد قصة أســرة الـــراوي التي فقدت األب والـعـم فـي حــرب عــام 1967 (األول اختفى والثاني استشهد)، وكم قاسى أفراد هذه العائلة، وكيف تكون وعيهم مع تطور املقاومة في مخيم الشاطئ في قطاع غزة، وتحديدًا وعي بعضهم بما يمكن وصفه بأسلمة الصراع، ودخول «اإلخوان املسلمني» على خطه العسكري والسياسي، وخصوصًا في انتفاضتي الحجارة واألقصى. بهذا، تظل «الشوك والقرنفل» وثيقة لفهم خلفيات نـشـوء حـركـة حـمـاس الـتـي كـانـت غـــزة حاضنتها األولــــى والـكـبـرى، ومختبرا لتجربتها السياسية والعسكرية، فال قيمة أدبية، كما سلف القول، للرواية، بل توثيقية وسوسيولوجي­ة لفهم «حماس»، والسنوار نفسه إذا شئت، وكل طفل غزي قد يصبح سنوارًا آخر في مقبل األيام، فالبطولة هنا ليست في الرواية (األدب) بل في الحياة نفسها، الظاملة، القاسية جدًا، التي دفعت السنوار ليصبح ما هو عليه، ويتحول إلى كابوس نتنياهو وغاالنت وسواهما، ما دامت بالده تحت االحتالل ولم تتحرر.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar