تداعيات الحرب السودانية
يـعـيـش الــســودانــيــون تــداعــيــات حـــرب عبثية طـــال أمـــدهـــا، وتفاقمت أضرارها، وإن غطت عليها في اآلونة األخيرة الحرب على قطاع غزة، وقبلها كوارث املغرب وليبيا. ويظل تأثير الحرب السودانية على البيئة من بني امللفات األكثر تهميشًا، على الرغم من فداحة األضرار. تؤكد الدراسات أن الحروب والصراعات املسلحة مسؤولة عن 5.5 في املائة من انبعاثات غـازات الدفيئة، لكن لن نستطيع الجزم بما حدث في السودان بدقة، إذ لم تتوقف الحرب بعد، كما لم تعد هناك قدرات مؤسسية للقياس والتقصي، وحساب البصمة الكربونية لآلليات التي استهلكت كميات هائلة من الوقود األحـفـوري، وهـو السبب الرئيس النبعاثات غازات الدفيئة، إلى جانب تسرب مواد كيميائية إلى التربة واملياه الجوفية في مناطق زراعة األلغام. تدهورت البنية التحتية املتهالكة أصال في السودان، ودمرت شبكات الـكـهـربـاء املـــتـــرديـــة، مــا جـعـل الــســكــان يـفـضـلـون الــبــقــاء فــي بيوتهم على النزوح رغم أنهم يعيشون في ظالم دامـس، ومن دون خدمات، كما تعطلت املنشآت الصحية بسبب القصف، أو احـتـالل األطــراف املتصارعة لها، وتحويلها إلى مناطق عسكرية، وجرى تلويث متعمد لبعض مصادر املياه، كما رصد رمي جثث في اآلبـار املنزلية، األمر الذي يعرض املياه الجوفية لتلوث كبير، ويتسبب في انتشار األوبئة. وعطلت الحرب الجهود املرتبطة ببرامج تغير املناخ، مثل ما أعاقت القدرة على تطوير مشاريع الحفاظ على البيئة في وقـت تشتد فيه عـواقـب التغير املناخي، واستهدفت الـطـرق والـجـسـور، واملؤسسات والبنوك، والسيارات والشاحنات، ولم تنج محطات الوقود، ومحطات الكهرباء، ومنها ما جرى تدميره عمدًا إللحاق الضرر بالطرف اآلخر في الصراع. ومـــؤخـــرًا، اشتعلت الــنــار فــي إحـــدى مـصـافـي الـنـفـط الـكـبـيـرة شمالي الـعـاصـمـة الــخــرطــوم، وتــبــادل طـرفـا الــصــراع االتــهــامــات، كـمـا تسببت الحرائق والقصف الجوي في إلحاق ضرر مباشر بالحياة البرية والتنوع البيولوجي، وال يمكن تجاهل مـا جــرى فـي متحف التاريخ الطبيعي بجامعة الخرطوم، وما حدث لحدائق الحيوان، ونفوق أعداد كبيرة من الطيور والحيوانات األليفة في املزارع واملنازل والحدائق العامة. وبـــرزت أزمـــات توفير الــغــذاء حتى فـي املناطق البعيدة مـن الـصـراع، بسبب تدمير األراضـــي والبنية التحتية الـزراعـيـة، وزادت الخسائر االقـتـصـاديـة الناجمة عـن تعطل العمل، كما ارتفعت أسـعـار السلع، وتفاقم التضخم ليضيق الحال بالنازحني، واملجتمعات املستقبلة لهم، إضافة إلى زيـادة معدالت الوفيات واإلصابات وحـاالت اإلعاقة، مثل ما ظهرت أوبئة وأمراض ذات عالقة بتدهور األنظمة البيئية. فهل من جهود لوقف الحروب؟
(متخصص في شؤون البيئة)