إﻫﻤﺎل ﻋﻔﻮي أم ﻣﺘﻌﻤﺪ ؟
ﻟﻢ أﺟﺪ ﺗﻔﺴﻴﺮا ﻣﻘﻨﻌﺎ ﻟﻺﻫﻤﺎل اﻟﺬي ﻳﻮاﺟﻪ ﺑﻪ ﻣﻨﺘﺠﻨﺎ اﻹﺑﺪاﻋﻲ ﻣــﻦ ﻗـﺒـﻞ ﻛــﺘــﺎب اﻟـﻤـﻘـﺎﻻت ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺮﺗﻬﻢ، وﻋـﻠـﻰ ﻋــﺪم أﻫﻤﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﻄﺮﺣﻪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻮاﺿﻴﻊ ﻫﺎﻣﺸﻴﺔ، وأﺧـﺮى ﻻ ﺗﺸﻐﻞ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﻘﺎرئ ﻛﺜﻴًﺮا، ﻟﻌﺪم اﻟﺘﺼﺎﻗﻬﺎ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎّﺻﺔ أو اﻟﻌﺎّﻣﺔ، ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻳُﺮﺟﻊ ﻫـﺬا اﻹﻫـﻤـﺎل إﻟـﻰ ﺳﺒﺐ ﻏﺮﻳﺐ، وﻫـﻮ أن ُﻣﻌﻈﻢ اﻟﻜﺘﺎب ﻻ ﻳﻘﺮؤون، وﻫﻮ ﺳﺒﺐ ُﻣﺤّﻴﺮ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺤﺮص ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﻘﺮاءة ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ اﻟَﻮﻗﻮَد اﻟﺬي ﻳُﻤﱢﻜﻦ ﻗﻄﺎَر اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﻄﻼق ﻧﺤﻮ آﻓﺎق أرﺣﺐ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ وﻣﺠﺎﻻت أوﺳﻊ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن ﻋﺪم اﻟﻘﺮاءة ﻳﺤﻮل ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑﻴﻦ اﻻﻃـﻼع ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻹﻧﺘﺎج اﻹﺑﺪاﻋﻲ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻨﻪ ﻻﺣﻘﺎ.
ﺻﺤﻴﺢ أن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻹﺑــﺪاع، ﻫﻲ إﺑـﺪاع آﺧﺮ، ﻣﻤﺎ - رﺑﻤﺎ - ﻻ ﻳﺘﻮﻓﺮ ﻟُﻜﺘﱠﺎب اﻟﻤﻘﺎﻻت، ﺑﺄدواﺗﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ذات اﻟَﻌﻼﻗﺔ ﺑﺴﺮﻋﺔ اﻷداء، ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺳﺮﻋﺔ إﻳﻘﺎع اﻷﺣـﺪاث اﻟﺘﻲ ﻳﻜﺘﺒﻮن ﻋﻨﻬﺎ، وﻷن ﻟﻜﻞ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ، واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ، اﻷدوات اﻟﺨﺎﺻﺔ، ﻟﻜﻦ ﻓـﻲ رأﻳــﻲ أن اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺼﺤﻔﻲ ﻻ ﺑــﺪ أن ﻳـﻜـﻮن ﻟﺪﻳﻪ ﻣـﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟـﻌـﺎّﻣـﺔ ﻣـﺎ ﻳﺆﻫﻠﻪ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋـﻦ أي ُﻣﻨﺘﺞ إﺑــﺪاﻋــﻲ، وﻫــﻮ ﻫﻨﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻄﺎﻟﺐ ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ دراﺳــﺔ أو ﺑﺤﺚ ﻋﻦ ذﻟـﻚ اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻹﺑـﺪاﻋـﻲ، ﻓﻬﺬا ﻣﻦ اﺧﺘﺼﺎص أﺳﺎﺗﺬة اﻷدب واﻟﻨﻘﺪ، ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻄﺎﻟﺐ وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟُﻤﺘﺎﺣﺔ ﻟﻪ، ﺑﺄن ﻳُﺸﻴَﺮ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟُﻤﻨﺘﺞ اﻹﺑﺪاﻋﻲ، وﻳُﻨّﻮه ﻋﻨﻪ وﻳﺬﻛﺮ رأﻳﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺘﻮى اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻠﻪ ذﻟﻚ اﻟﻤﻨﺘﺞ ﻣﻦ أوﺟﻪ اﻟﺠﻮدة أو اﻟﻀﻌﻒ، ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ رأﻳﻪ اﻟﺸﺨﺼﻲ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺮأي، وﻣﺎ ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻫﻮ أﻧﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻻ ﻳﻘﺮأ، وﻫﺬا ﻳﻌﻴﺪﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﺑﻊ اﻷول ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟُﻤﻌﻀﻠﺔ، وﻫﻲ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺘﺎب ﻻ ﻳﻘﺮؤون أﺳﺎًﺳﺎ أي ﺟﺪﻳﺪ أو ﺣﺘﻰ ﻗﺪﻳﻢ ﻣﻦ ﻣﻨﺘﺠﻨﺎ اﻹﺑﺪاﻋﻲ، ﺳﻮاء ﻛﺎن ﻓﻲ اﻷدب، ﺷﻌﺮه وﻧﺜﺮه، أو ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎّﻣﺔ ﻣﻊ ﺗﻨّﻮﻋﻬﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺎل، ﻣﺎ ﻳﺴﻬﻞ اﻻﺧﺘﻴﺎر، ﻟﻜﻦ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ وﺟﻮد اﻟﺮﻏﺒﺔ واﻟﺤﺮص ﻋﻠﻰ ﻗﺮاءة ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺘﺞ.
ﺿﻌﻒ اﻟﻘﺮاءة ﻳﺆّدي ﺣﺘًﻤﺎ إﻟﻰ ﺿﻌﻒ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤّﻮل إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳُﻤﻜﻦ ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ ﺑﺎﻟﻐﺶ اﻟﻜﺘﺎﺑﻲ، ﻷﻧﻪ ﻳﻔﺘﻘﺮ إﻟﻰ ُﻣﻘّﻮﻣﺎت اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻨﺎﺿﺠﺔ واﻟ ُﻤﻔﻴﺪة، واﻟ ُﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪ اﻷدﻧﻰ ﻣﻦ ﺟﻮدة اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ. ﺗﻘﻮﻳﻢ اﻟﻤﺴﺎر اﻷدﺑﻲ ﺧﺎﺻﺔ، واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻋﺎﻣﺔ، ﻻ ﻳﺘﺤﻘﻖ إﻻ ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ، واﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﻫﻲ اﻟﺮاﺋﺪة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﻘﻮﻳﻢ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﺘﻨﺺ ُﻛﺘﱠﺎﺑﻬﺎ أي ﺟﺪﻳﺪ أدﺑﻲ أو ﺛﻘﺎﻓﻲ، وﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﻟﻠﻘﺎرئ وﻟﻮ ﺑﺎﻹﺷﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻤﻦ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﻪ ﻟﺪى ﺟﻤﻬﺮة اﻟﻘﺮاء، وﻓﻲ رأﻳﻲ إن ﻫﺬه ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ اﻟﺘﻬﺮب ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻬﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ ﺗﺨﺼﺼﺎﺗﻬﻢ، أو ﺗﻨّﻮﻋﺖ ﻣﺠﺎﻻت ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ، إن ﻟﻢ ﻳﻘﻌﻮا ﻓﻲ ﻓﺨﺎخ اﻟﻼُﻣﺒﺎﻻة، وﻳﺘﻘﺎﻋﺴﻮا ﻋﻦ اﻻﻃـﻼع ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺘﺠﻨﺎ اﻹﺑﺪاﻋﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻘﺮاءة، ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻘﻮل اﻟﻤﻌﺮوف: )ﻓﺎﻗﺪ اﻟﺸﻲء ﻻ ﻳﻌﻄﻴﻪ(.
وﻧﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺴﺆال: ﻫﻞ ﻫﺬا إﻫﻤﺎل ﻋﻔﻮي أم ﻣﺘﻌﻤﺪ؟