Al Masry Al Youm

سر جنون قادة إسرائيل

لست مع مَن يصفون نتنياهو بالمضى فى الحرب القذرة ضد الفلسطينيي­ن إنقاذًا لمستقبله أو وضعه السياسى أو هربًا من محاكمة حتمية تعقب عزله أو حتى تنحيته.

- سعيد الخولى يكتب:

فى الوقت الذى تبدو الصورة فيه وكأن إسرائيل تتعرض لعزلة دولية، خاصة بعد قرار محكمة العدل الدولية الجمعة الماضى بوقف الحرب على غزة، يزداد جنون قادة الكيان الصهيونى بحريق مخيم النازحن الوحشى الأخير فى رفح، لينضم إلى قائمة سابقة من المجازر الوحشية للنازين الجدد منذ المذبحة الأولى عام 1947، حيث ارتكبوا أولى المذابح قبل النكبة فى قرية «بلد الشيخ».. وأسفرت عن سقوط 60 شهيدًا، ثم مذبحة «دير ياسن،» التى راح ضحيتها 360 شهيدًا.. وأشعلت الحرب العربية- الإسرائيلي­ة عام النكبة 194٨، وصولًا إلى مذبحة المستشفى المعمدانى فى أكتوبر ٢0٢3، التى راح ضحيتها 471 شهيدًا معظمهم من النساء والأطفال، وأخيرًا مذبحة مخيم رفح وحريقها الهائل، الذى راح ضحيته ٢00 شهيد، معظمهم أيضًا من الأطفال.

إن التركيز على الأطفال هو مما يتسق

وتصريحات النازين الجدد المتسربلن فى أردية التوراتين وما يرددونه من نصوص وحشية مجنونة عن قتل الأطفال تعبيرًا عن عقيدة إجرامية متجذرة لها أصولها، فقد نشرت مجلة «مومِنت» Moment() اليهودية الأمريكية فى عددها الصادر لشهر مايو ٢009، حوارًا مع الحاخام الصهيونى، «مانيس فريدمان»، حول الطريقة المثلى لتعامل اليهود بفلسطن المحتلة مع جيرانهم من العرب، وقد أتت إجابة «فريدمان» صريحة قائلًا: «.. إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هى الطريقة اليهودية: دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم».

بل إن حاخام جامعة «بار إيلان»، «يسرائيل هس»، أعلن بوضوح أنه لا ينبغى التساهل أو الرحمة مع «عماليق» هذا العصر )الفلسطينين(، فيجب قتلهم حتى الأطفال الرُّضَّع منهم، وهو الرأى نفسه الذى أعلنه

رئيس مجلس المستوطنات بالضفة، «بنزى ليبرمان»، الذى اعتبر الفلسطينين «عماليق»، أى من الواجب تدميرهم، حسبما أورده عصام سخنينى فى كتابه «الجريمة المقدسة: الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبرى إلى المشروع الصهيونى».

ولو عدنا إلى أكثر من نصف قرن مضى فسنجد أنه فى عام 1970 صدر فى أمريكا كتاب «كوكب الأرض العظيم والأخير» للكاتب التوراتى الأمريكى «هال ليندسى»، حيث احتل هذا الكتاب فى أمريكا المركز الثانى فى قائمة الكتب الأكثر مبيعًا لعقد السبعينيات بأكمله، ولم يتفوق عليه مبيعًا هناك إلا الإنجيل، ومن أخطر ما ذكره «ليندسى» بالكتاب أن دولة إسرائيل هى الخط التاريخى لمُعظم أحداث الحاضر والمستقبل، وأننا نركض نحو الأيام الأخيرة، حيث سيجتمع أعداء إسرائيل من مختلف شعوب الأرض فى هرمجيدون، وتقوم المعركة الكبرى.

إن أمثال هال ليندسى وعشرات غيره من قادة اليمن الأمريكى الذين يحكمون البيت الأبيض ومنه العالم يعتقدون أن الكتاب المُقدس يتنبأ بالعودة الحتمية الثانية للمسيح بعد مرحلة من الحروب النووية العالمية والكوارث الطبيعية والانهيارا­ت الاقتصادية والفوضى الاجتماعية. وهو ما يفسر ذلك الانقياد الأمريكى الرسمى الأعمى وراء أوهام، أو لنقل كوابيس الصهاينة فى أرض فلسطن، ويختلط السياسى بالتوراتى المُحرَّف بالاقتصادى الاستغلالى بالصهيونى المُخِّرف لنعيش ما نعايشه ويعايشه العالم كله من مأساة للفلسطينين ويهدد المنطقة والعالم كله بالانفجار الكبير.

ونعود ثانية إلى واحدة من مهاويس المعركة الأخيرة، وهى «جريس هالسل » ، الكاتبة الأمريكية التى اختارها الرئيس الأمريكى الأسبق ليندون جونسون للعمل معه فى البيت الأبيض )1961- 1963(؛ فقد نشأت «جريس» نشأة دينية فى أُسرة مُتدينة، وكانت أُمنيتها أن تذهب إلى فلسطن، أرض الميعاد فى اعتقادها، التى تؤمن بأن المعركة الأخيرة ستكون هناك، وعندما ذهبت هناك مع بعض الزعماء الإنجيلين، سجلت كل مشاهداتها ومذكراتها فى كتاب )النبوءة والسياسة.. الإنجيليون العسكريون والطريق إلى الحرب النووية(.

عندما كانت فى القدس بجوار مسجد قبة الصخرة أخبرها مرافقها «أون» بأن النبوءة الإنجيلية )تقضى( بأن على اليهود تدمير هذا المسجد وبناء الهيكل بدلًا منه.

وقد عددت جريس هالسل فى كتابها عددًا كبيرًا بالأسماء من رجال السلاح أو أباطرة الإعلام والصحافة أو أقطاب صناعة النفط وغيرهم الذين يُرسلون سنويًّا بلاين الدولارات لدعم إسرائيل ومن أجل أن يتحقق بناء الهيكل.

عشرات القنوات الإعلامية اللامعة، التى يتم بثها يوميًّا بعدد لا نهائى من الساعات، ويصل بثها إلى الملاين من الأمريكين والعالم، ويُقدمها رجال دين وسياسة ويدعمها رجال أعمال، كلها تصب فى نفس الهدف، ترسيخ المفاهيم عن نهاية العالم وإسرائيل وهرمجيدون فى عقول شعوب الأرض عامة والشعب الأمريكى خاصة.

ولست مع مَن يصفون نتنياهو بالمضى فى الحرب القذرة ضد الفلسطينين إنقاذًا لمستقبله أو وضعه السياسى أو هربًا من محاكمة حتمية تعقب عزله أو حتى تنحيته، بل لست مع الانصياع وراء التصارع المصنوع والتشرذم الظاهر بن ساسة الكيان وقادته العسكرين، وأراها لعبة من الألعاب التى يُجيدونها لصرف أنظار العالم عن مضيهم قدمًا نحو هدفهم المرسوم، ولو كان انفجارًا نوويًّا يرونه حتميًّا ومقدسًا!.

العدوان من الأراضى المحتلة.

أما على المستوى الإسرائيلى: فقد حققت إسرائيل مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية خطيرة، تمثلت هذه المكاسب فى استيلاء إسرائيل على المزيد من الأراضى العربية التى تصل إلى ثلاثة أضعاف مساحتها، أخذت تقيم فيها المستوطنات التى يمكن أن تستوعب المهاجرين الجدد، وكان إجمالى المساحات التى ضمتها إسرائيل يفوق مساحة الأراضى المحتلة فى ١٩48، والتى بلغت مساحتها حوالى 85 ألف كيلو متر مربع تقريبًا، مما ترتب عليه زيادة المسافة بن قلب إسرائيل وبن مناطق الحدود لتصل إلى 35٠ كم فى بعض أجزائها «القنطرة شرق/ تل أبيب»، «طول الحدود والمناطق التى تحتلها يصل إلى ألفى كيلو متر مربع .»

وبالنسبة للولايات المتحدة: فيمكن بلورة الموقف الأمريكى غير المكترث بردود الأفعال العربية من خلال مقابلة الرئيس الأمريكى جونسون بالرئيس السوفيتى كوسيجن فى قمة غلاسبور فى ١٩ يونيو ١٩67، والتى اعتبر جونسون فيها

أن مسؤولية الحرب تقع على عاتق إغلاق خليج العقبة من قبل عبدالناصر، وأن الولايات المتحدة لن تمارس ضغوطًا على إسرائيل للانسحاب إلا بتسوية شاملة، وينبغى أن تقوم هذه التسوية على خمسة مبادئ هى: )الاعتراف بحق جميع الأمم فى الوجود- تطبيق حل عادل حيال اللاجئن- حرية الملاحة عبر الممرات الدولية- تحديد السباق إلى التسليح- الاستقلال السياسى مع صيانة الأراضى الوطنية بالنسبة لجميع الأطراف(.

من هذا المنطلق استمرت فى تسليح إسرائيل بأحدث الأسلحة والمعدات، وخططت أمريكا وإسرائيل، ونجحتا فى تحقيق أهدافهما، وتمكنت إسرائيل من أن تكون القوة الإقليمية العظمى، وأدركت الولايات المتحدة أنه لن يصون مصالحها إلا الإسرائيلي­ون، أما العرب فقد قذفت بهم خلافاتهم واستراتيجي­تهم غير الواضحة إلى مستنقع الهزيمة.. ورغم انتصار أكتوبر العظيم، إلا أن المنطقة العربية لا تزال إلى يومنا هذا غارقة فى مستنقع الخلافات والفتن.. فهل ننتظر نكسة جديدة نقرأ بعدها الفاتحة على أمتنا العربية؟!.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt