Al Masry Al Youm

جدلية الحب بين الشرق والغرب فى «ألواح»

لم يَخُضِ الْكاتبُ فى تداخُل التركيبة الطائفية اللبنانية، وأثَرها على حياته، إلا فى إشارات انعكاسات الحرب على حياته الشخصية وإصابته، ونهاية تجربته العاطفية مع حبيبته «ناتالى» الفرنسية.

- د. أمانى فؤاد تكتب:

يشعر قارئ سيرة «ألواح» لرشيد الضعيف- بعد نهاية النَّص- أن هناك الكثيرَ من المناطق المضبَّبة، التى لم يستوْفِها البَوح، وأنه فى حاجة لمشروع سردى آخَر يستكمل فيه ما لم يَقُلْه الكاتبُ فى هذا النَّص السِّيَرِى.

ففى ثنايا السرد مناطق مسكوت عنها، تختص ببعض الأحداث والمواقف المُهِمة، التى بدَت كثقوبٍ سوداءَ، مثْل تجربة زواج وطلاق صاحب السيرة 116، حيث لم يَحْكِ عنها على الإطلاق، وأيضًا التعتيم على مصير بعض الشخصيات، مثْل الرجُلِ الذى صرَّحت «ياسمين»- والدة الثمانية أبناء- بإعجابها به، واختفائه التام.

كما لم يَخُضِ الْكاتبُ فى تداخُل التركيبة الطائفية اللبنانية، وأثَرها على حياته، إلا فى إشارات انعكاسات الحرب على حياته الشخصية وإصابته، ونهاية تجربته العاطفية مع حبيبته «ناتالى» الفرنسية.

قسَّم الكاتب سيرتَه لفصول، لكلٍّ منها عنوان، مثل: )حقيقتى، الكَى، والدى وشكْل الأرض، اسم العائلة، والدى.. وهكذا(.

ويأتى عنوان السيرة: «ألواح» ليعضِّد هذا التوجُّه الفطرىّ البدائى لهذه السيرة، وفى ظَنى جاء اختيار الكاتب لمفردة «ألواح»؛ لأن ما يقُصُّه ظَل محفورًا فى ذاته منذ الصغر، كالنَّقش على حَجَر الألواح، وانعكس على قراراته، فكُل ما يمُر بطفولة الإنسان يظَل منحوتًا وغائرًا فى النفس، ومؤثِّرًا فى الوعى، مكوِّنًا للشخصية، ولا يمكن تجاهُله، بل يتحكَّم فى كل الاختيارات، مهما راجَع الإنسان ذاتَه، وحاوَل عصْرَنة وعْيه.

تعود بنا فصولٌ من هذه السيرة إلى جدلية ممتدة، طالما عالَجتها السرديات العربية فى جوهر ثابت، وأحداث محتدِمة متغايرة، بداية من «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم، أو «موسم الهجرة للشمال» للطيب صالح، لكنَّ لسان البَوح هنا أكثر واقعية وجرأة وقلقًا، منذ بداية العلاقة، أكثر إدراكًا لمصير قصص الحُب، التى تنشأ بين رجُل شرقى، وامرأة غربية؛ قبْضها على حريتها والحفاظ عليها أكبر من إحساسها بمسؤوليتها تجاه أى شخص أو قيمة، ورجُل يعترف بسيادة ثقافته الذكورية، وترُوقه، من خلال كل الإشارت التى أورَدها الكاتب فى السرد.

يحكى الكاتب ألَّا عربيًّا من جبال لبنان يحتمل ناتالى «كما أنها ليست لأرستقراطى من مصر أو بيروت أو الرباط، بل إنها ليست لطليعى أوروبى، إن )ناتالى( لذاتها وحسب».141

يقع الكاتب فى صراع حقيقى بعد تعرُّفه على «ناتالى» فى حفْل كانت تحضره مع صديق لها، أثناء زيارة الكاتب لباريس، يلفت انتباهها بحكاياته عن جنون الحرب فى لبنان، وعن الشِّعر والرواية أيضًا، كما استفاض فى الحكى عن الانتهاكات البيئية، التى تُحدِثها مآسى الحروب، والنزاعات الطائفية، يقول فى معرض خطَّته للاستحواذ على اهتمامها: «بالإضافة إلى رغبتى فى الصيد. نعم فى الصيد! فأنا ما زلت خارجًا من طلاق، باحثًا عن فريسة أدجِّنها وألتَهِمها» .116

ويضيف: «عقَدتُ مع )ناتالى( علاقة لم تشبِهْها علاقة. لم يكن الحب ما يشدُّنا الواحد إلى الآخَر. كنا عاصفتَين، تحاول الواحدة بأقصى قوَّتها وسُرعتها أن تلْحَقَ بالأخرى؛ لتذوب فيها، وتدمِّرَها، وتستوى الأمور إلى هدوء اليوم، الذى يَلِى العاصفة،... لم أكن أشعر أنها لى نهائيًّا وبالكامل، إلا عندما أكون معها فى الفِراش» .120

وأحسَب أن صاحب السيرة عشِق «ناتالى» بحق، رَاقَهُ النموذج المعتَد بذاته، المتحرِّر، غير الملتزِم بأى نوع من المسؤولية تجاه أى شخص، وهو ما يناقِض نموذج والدته تمامًا، كما رَاقَهُ علاقتهما الخاصة، لكنه شَعَر أن تلك العلاقة هى فقط ما تجمعهما، لذا مارَسها بنزوع للتملُّك، رغم شَكِّه الدائم؛ لتعدُّد أصدقائها وعشَّاقها السابقين، مثْل البرتغالى وغيره.

يقول: «لم نُقرِّرْ زواجًا ولا طلاقًا، ولم نقرِّر مُساكنة ولا فراقًا، كان علىَّ أن أعود إلى عملى وبيتى وحياتى، وكان عليها أن تبقى فى بلدها وعملها وحياتها، وأن تستعد لممارسة عمَلها الجديد فى نيويورك. لها حياة من دونى!».

«كان صعبًا علىَّ أن تكون لها حياة من دونى. فالرجُل عندما يلامس المرأة؛ تصبح الكلمة له» .123

كما لم يشعُر الكاتب أبدًا أن الكلمة له، كما أنها لا تستوعب ثقافته وطبيعته وإشاراته ولمحاته، بإمكانهاوهُمَا معًا- أن تبادِر بالحديث مع رجُل يروقها، لا تقْبَل أن يسألها أى شخص عن علاقاتها، وأين كانت، كما أنها لا تجيب من الأساس.

«كنت أخاف من فقدانها، ولم يكن من السهل )أو من الممكن( أن أتقاسمها مع آخَرين. فكرتى عن العلاقة أن تكون امرأتى لى. نقطة. خلص. امرأتى لى، وانتهى الموضوع. أمَّا أن تكون منفتِحة، وأن تتعامل بحضارة مع الناس، فهذا أمر مسموح، بل مطلوب، لكن إن تعدَّى الأمر ذلك؛ فالسقوط والكارثة،...

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt